Accessibility links

قادري أحمد حيدر: اللحظة اليمنية الراهنة أكثر تعقيدًا مما نتصور


إعلان
إعلان
كيف نقرأ ما يحدث في اليمن؟.. ليبقى السؤال الأهم: إلى أين تذهب البلاد؟.. وهو السؤال الذي حاولنا تقديم مقارَبة للإجابة عليه من خلال حوار أجرته “اليمني الأميركي” مع الباحث والكاتب اليمني قادري أحمد حيدر، وهو أحد باحثي مركز الدراسات والبحوث اليمني، وصدر له عدد من المؤلفات والدراسات، التي حاول من خلالها التأصيل لعدد من جوانب القضية اليمنية.. إلى الحوار:

 

اليمني الأميركي: صنعاء – حاوره أحمد الأغبري:

كيف تقرأ ما تشهده اليمن في حربها الراهنة.. أين ثقافة السلام مقابل كل هذا الحضور والتمدد لثقافة العنف والحرب؟
– مأساة ومشكلة اليمن واليمنيين عمومًا منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م على الأقل، هي في تعثر مشروع حضور الدولة، وهو المشروع الذي جاءت من أجله ثورة (سبتمبر وأكتوبر)، كمشروع يقوم، في الواقع، على الدولة الوطنية المدنية الحديثة، دولة المساواة، إلا أن هذا المشروع انكسر في 5 نوفمبر 1967م، واستمر انكساره أكثر إلى الحرب التي دارت في صيف 1994م، وظل ينكسر حتى الحرب الدائرة الآن، ويمثّل سببًا رئيسًا ومحوريًّا في معظم مشاكل البلد حتى اللحظة.

وما علاقة سؤال الدولة بسؤال السلام.. وأيهما السؤال الحقيقي؟
– سؤال الدولة هو السؤال الحقيقي الذي كان ممكن أن يُدخلنا إلى ثقافة السلام وثقافة المواطنة والحق والعدل، وغياب هذا المشروع أو تكسّره بين رماح السلاح، أوجد مساحة أكبر لعودة ثقافة الحرب وثقافة العنف؛ ولهذا عادت دورات العنف في هذه الحرب بشكل أكبر بكثير مما كان يتصوره أي مثقف.. فتعقيدات اللحظة اليمنية الراهنة ربما تجاوزت أيّ تصور.. لم يكن أي مثقف يتصور، وأنا أدّعي أنني على صلة بالثقافة، أننا يمكن أن نقف مع أنفسنا أمام سؤال المواطنة والدولة وسؤال ثقافة السلام.. أنا لا أعتقد أنه بين اليمنيين، جميعًا، باستثناء المرتبطين بمشاريع صغيرة، ممكن أنْ يقف مع الحرب، ولا أعتقد أن أي مثقف يمكن أن يقف مع الحرب؛ فالحرب دائمًا، حتى في أبسط الأمور، تكون كلفتها باهظة، حتى الحروب العادلة تترك بعد انتهائها مساحة كبيرة من الألم، تحتاج إلى عقد أو عقدين من الزمن لمعالجة آثارها.

ماذا تقصد بالحروب العادلة؟
– هي الحروب الوطنية الكبيرة، كحروب التحرر من الاستعمار والاستقلال، وأحيانًا بعض الحروب التي تتخذ شكلاً من أشكال المواجهة مع بعض القوى الرجعية والمتخلفة، كالتي شهدتها بعض بلدان المنطقة والعالم الثالث.. ومن الثورات التي تندرج في إطار الحروب العادلة – مثلاً – ثورة 26 سبتمبر – شمال اليمن عام 1962م، والتي لم تُوجّه ضد الاستعمار، ولكنها توجهت ضد نظام استبدادي كهنوتي عاش حالة من الجمود والتحجر لأكثر من ألف سنة.

عودًا على بدء.. ماذا عن سؤال السلام ..؟
– الدعوات التي تسأل اليوم عن صوت وثقافة السلام يجب أن تتضمن رؤية حقيقية عن السلام، فأنت حين تتحدث عن قضية السلام وإيقاف الحرب يجب أن تكون لديك رؤية حقيقية للسلام، ومفهوم اجتماعي سياسي فكري للسلام.

لِما لا نتحدث عن ضرورة أن تتضمن هذه الرؤية فهمًا حقيقيًّا للحرب؛ فالحرب قد ارتدَت لبوسًا كثيرة، واختلط على الكثير فهم أسبابها وإيقاعها؟
– حين حدثتك بضرورة وجود رؤية للسلام، فأنا أقصد طرح رؤية للسلام كضرورة ثقافية وطنية لإيقاف الحرب، وعندما تحاول طرح هذه الروية فأنت – بالضرورة – ستعود إلى معالجة أسباب الحرب: هل أسبابها سياسية، داخلية أم خارجية، مرتبطة بمشاريع إقليمية أو دولية؟.. أنت كمثقف ومهتم بالشأن العام يجب أن تقدّم إجابة لهذه الأسئلة ضمن رؤيتك: ما أسبابها السياسية والاجتماعية، وكيف تفجرت…إلخ، داخل هذا البلد.. حين تتحدث عن السلام ستصل إلى تحديد موقف، فالرؤية تتطلب موقفًا، وغياب الرؤية يؤدي بالنتيجة إلى غياب الموقف في كلّ ما يُكتب عن السلام والضرورة الوطنية لإيقاف الحرب.

وبِمْ تُفسر غياب موقف واضح من الحرب لدى كثير من اليمنيين؟
– ثمة أسباب كثيرة، إما خوف، والخوف بمستويين: خوف من الحرية، وهذا من الممكن أن يتلبس الكثير من المثقفين، أو خوف من القمع؛ لأنّ أفق الحرية مفتوح على أشكال مختلفة من المصادرة، والخوف من القمع قد يكون له تبريرات كثيرة كأشخاص وصلوا إلى مستوى معين من العطاء، وليس لديهم استعداد لتقديم تضحيات أكبر؛ فهذه قدراتهم الإنسانية على العطاء باتجاه مشروع التغيير الذي توقف لديهم عند لحظة معينة، ويجب أن نحترم هذا الرأي.. وأحيانًا غياب الموقف يعود إلى أن له موقفًا مواربًا لا يستطيع أن يقوله علنًا.

وماذا عن موقف المثقف؟
– بالنسبة لموقف المثقف فجزء منه موزع بين الاتجاهين، وجزء استقل بذاته وانسحب من المشهد، وجزء آثر السلامة في البيت.. لكن جزءًا كبيرًا من المثقفين لم يكن يتوقع أن يصل البلد إلى ما وصل إليه.. وهؤلاء، حتى الآن، يعيشون هذا الذهول، وأنا واحد من هؤلاء.. هل كنا نتصور أن نبقى نصف عام بدون رواتب؟!..
حالة من الصدمة أربكت الناس، وشلت قدراتهم على التفكير وجزء من هؤلاء قد يكونوا الصادقين.. ومن المثقفين مَن حاول الإمساك بالعصا من المنتصف، وهذا، في الأخير، سيجد نفسه بين حالة نقدية من الاتجاهين.
لِمَ لا نقول إن له موقفًا رافضًا لموقفي الطرفين مثلاً؟
– سأجيب على هذا السؤال بما أنا مقتنع به من خلال تجربتي الحياتية، وهو أنه في لحظات استثنائية في التاريخ الوطني لأي شعب لا توجد منطقة رمادية، لا يوجد طرف مستقل أو محايد أو طرف ثالث.. هذا المنطق النسبي يُعيدك إلى مثال قديم عقب ثورة 26 سبتمبر والدفاع عنها خلال 1965م و1966م، حينها كان هناك من يقول إنه طرف ثالث أو قوة ثالثة، وفي مثل تلك اللحظات من الصعب القول بذلك المنطق.. والمرحلة الراهنة هي ضد هذا المنطق، ويمكن أكثر حدية؛ لأنه لا بد أن يكون لك رؤية وموقف.. ربما كانت الحقائق في الستينيات واضحة، وهي الآن واضحة أيضًا، لكنها تحتاج إلى إجلاء من المثقف النقدي العضوي، وعليه أن يجيب على الأسئلة: مَن فجّر الحرب؟، وما أسبابها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.. وغيرها من الأسئلة.

لكن كل هذه الأسئلة تضعنا أمام علامات استفهام كبيرة، بل تدفع في الأخير إلى حيرة، وربما إلى منطقة رمادية؟
– الحيرة – في تقديري الشخصي – آتيه من غياب القوى الحديثة بعقلية جديدة وحقيقية في المشهد السياسي والوطني الراهن.

على ذكر القوى الحديثة.. هل كانت القوى السياسية بمستوى تحديات اللحظة اليمنية الراهنة؟
– لقد ظهرت الأحزاب والمنظمات والاتحادات اليمنية في المرحلة الراهنة أدنى من سؤال التغيير والإصلاح والدفاع عن مشروع الدولة.. قد تكون واحدة من مشكلات المشهد السياسي الوطني اليمني متمثلة في غياب الدور الحقيقي المطلوب للمكونات السياسية، وأقصد بها الأحزاب التي كان يجب أن تكون حاضرة في هذا المشهد لتقول رأيها بقوة.. كما لا ننسى غياب مكونات المجتمع المدني، وفي المقدمة اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين ونقابة الصحفيين..وغيرها.. أين كل هؤلاء اليوم؟، جُملة هذه الأسئلة تؤشر لمدى العفن السائد داخل المشهد السياسي. مشكلة الأحزاب اليمنية أن الأحداث تسبقهم وهم يلهثون وراءها؛ ولهذا نجدهم فاعلين سلبيًّا في الأحداث… هذ ما تقوله الحقائق البارزة أمام أعيننا في المشهد. لقد كشفت هذه الحرب، على كارثيتها، معادن كثير من المثقفين والسياسيين، بما فيهم قامات كبيرة، والذين اصطفوا مع مشاريعهم الصغيرة.
أنا أتحدث كشخص عاش بين الشمال والجنوب، لم أشهد في حياتي تفكيكًا للنسيج الوطني كما هو عليه داخل الشمال وداخل الجنوب.. اليوم لم يعد الشمال شمالاً كما كان، والجنوب لم يعد جنوبًا.. إن حالة التمزيق في النسيج الوطني وصلت إلى حدود لم يكن يتصورها عقل أي مثقف أو سياسي في قراءته لما ستؤول إليه هذه الاحداث؛ فاللحظة الراهنة أكثر تعقيدًا مما كنا نتصور.

وماذا عن قراءتك لما ستؤول إليه الأحداث في البلد؟
– الوضع معقد كثيرًا، ولكن أنا أعتقد أنه لن يستمر أكثر مما هو قائم؛ لأن استمراره مشكلة كبيرة، وتلعب فيه العوامل الخارجية دورًا أكبر.. وأتصور أن حضور الخارج لن يستمر مع هذا الوضع لفترة أطول.. وبالنسبة لتقديري الشخصي، كواحد تربى في الحركة الاشتراكية بأفقها القومي، أنه لا يمكن الحديث عن اليمن خارج الوحدة، لكنها وحدة مختلفة بكل تأكيد عما تم في عام 1990م، وكما قلت لك: الانفصال لن يعود باليمن كما كان عليه قبل العام 1990م؛ لأن الشمال لم يعد شمالا والجنوب لم يعد كذلك.

   
 
إعلان

تعليقات