Accessibility links

في الذكرى الـ57 لثورة الـ26من سبتمبر.. ماذا تبقى من سبتمبر؟!


إعلان

عبد الباري طاهر*

في ذكرى ثورة الـ 26 من سبتمبر اعتدنا في الاحتفاء بالثورة على ذكر الأهمية العظيمة للثورة كتحية واجبة، بينما كانت السلطات المتعاقبة، حتى المعادية، تركز على المنجزات عامدةً المقارنة بين عهود ما قبل الثورة وما بعدها، محملةً أوجه القصور والتخلف القائم والمستمر على عهدي الإمامة والاستعمار.

بقيت الرجعية المتوكلية والاستعمار البغيض المشجب الذي يعلق الحكام عليه العجز والقصور كتبرير للتردي؛ ولصرف الأنظار عن الفساد والاستبداد المستشري.

بعض المثقفين والسياسيين المعارضين كرسوا نقدهم المؤدلج والسياسي لنقد أداء الحكام أكثر من دراسة طبيعة الثورة والثورة المضادة كواقع موضوعي، كما ابتعدوا عن رؤية الأدوات الثورية الشائهة المهجوسة بالصراعات الكالحة، والمصابة بأوبئة التخلف وأمراض امتلاك الحقيقة، وعصبيات ما قبل الوطنية.

طوال عقود عديدة كان الاحتفاء بالمناسبة إما تمجيد الحكم، والتباهي بالمنجزات المبالغ فيها، والفرح والمن بها شأن السلطات المتعاقبة، وإما انتقاد الحكم بعيداً عن قراءة الآثار المدمرة للتحولات السلبية في حياة الشعب، والانحرافات في التعليم والمناهج التربوية «المؤسلمة» والسلفية، ووصول الفساد والاستبداد الذروة.

لا يُنكر ما أنجزته الثورة اليمنية سبتمبر 62، وأكتوبر 63 في بعض مجالات الحياة، ولكن الانتقاد ينصب على القصور في التصدي للثورة المضادة التي ارتدت لبوس الثورة وولدت معها. منذ البدء لابد من التفريق ما بين قوى الثورة، وقوى الثورة المضادة، وبين خطاب الثورة، وألغام الثورة المضادة.

نشأت، أو بالأحرى ولدت الثورة في واقع شديد من التخلف والبؤس تسيد فيه الثالوث الشرير: الفقر، والجهل، والمرض، ولكن الثورة المضادة كانت تنكر بالمطلق تأثير 48، وبداية انتشار التعليم الحديث، ونشأة الحركة النقابية العمالية في تعز، وتأثير النشاط الوطني العام في عدن، وبداية ولادة الأحزاب الحديثة، وتأثير الثورات العربية والعالمية. كان الإنكار يتخفى وراء ادعاء أنها منفردة صانعة الثورة ومالكتها، وأن عدم الإنجاز مرده إلى ليل الإمامة فقط، وكان بعض الثوار يجدون التبرير في المنطق الثوري العدمي.

منذ فجر الثورة تركزت الإدانة على أسرة حميد الدين. وحقاً، فإن آل حميد الدين هي الحاكم الفعلي، ولكن خطاب الثورة المضادة كان يتخفى وراء قوى تقليدية شديدة التخلف والمحافظة مثلت الدعائم الأساس لهذا حكم.

قد يكون حصر الصراع في الأسرة المالكة تكتيك سياسي اقتضاه شراسة الحرب ضد الثورة والجمهورية في المراحل الأولى، وهو أمر مشروع وينم عن ذكاء سياسي، ولكن تحوله إلى منهج ومبدأ أدى إلى أن القوى التي حكمت بها الإمامة طوال تاريخها دأبت وغالت في حصرها الصراع مع بيت حميد الدين؛ لتخفي دورها، وهي من تصدر المشهد في كل المؤتمرات: عمران، الجند، خمر، الطايف، وحرض، وصولاً إلى انقلاب 5 نوفمبر 67.

تصدرت دعوة السلام قاصدة السلام مع بريطانيا في جنوب الوطن، وفي الشمال مع السعودية، كما يشير كتاب «انتكاسة الثورة» لعبد الملك الطيب، وللتصالح مع أدوات الحرب الرجعية. كان الإصرار على الخلاص من النجدة القومية المصرية بزعامة القائد العربي جمال عبد الناصر، والانحياز لبريطانيا والسعودية هو طريقهم الوحيد للوصول إلى الحكم، ولبدء المعركة ضد قوى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر 63؛ فهم في مواجهة بريطانيا والسعودية دعاة سلام حقيقيين، ولكنهم في مواجهة الشعب اليمني وقواه الثورية تجار حروب، وهو ما أشار إليه البردوني:

أهلكتنا الحروبُ في غير شيءٍ

وبلا غايةٍ دهانا السلامُ

دعوة السلام تغيت مصالحة ركائز الإمامة، واستعادة وحدتها بعد الانقسام في صفوفها إلى ملكيين ومجمهرين. مطلب إقصاء بيت حميد الدين؛ لاستعادة وحدة أدوات حكم الإمامة عبر تاريخ ممتد.

النجدة القومية هي الأخرى كانت ملغومة بمراكز القوى (عامر والسادات)؛ فقد ساندت ودعمت مراكز كبار المشايخ، وأمدتهم بالمال والسلاح والمناصب؛ لتكون قوة حقيقية «مجمهرة» في النهار، وملكية في المساء. ويقيناً، فإن المجمهرين اليمنيين كانوا أذكى وأمكر وأدهى من قوى الثورة اليمنية، ومراكز القوى المصرية، وكان اعتمادهم الحقيقي على السعودية والرجعيات العربية وبريطانيا وأمريكا.

الحرب الأهلية الممولة سعودياً، والمدعومة أمريكياً وأوروبياً وبجيش من المرتزقة (ديفيد سمايلي، وبوب دينار، وجون بروز)، وغيرهم- كانت المستنقع الذي أفرز وقوّى عضلات قوى الثورة المضادة، وحالت الحرب التي استمرت قرابة سبعة أعوام دون الاستقرار، وعطلت أي إمكانية لبناء كيان الجمهورية الوليدة، وتحقيق التنمية الشاملة والتحديث، وترسيخ النظام والقانون، والإقرار بالتعدد السياسي، وحرية الرأي والتعبير.

الحرب الوسيلة الأساس لانتصار القوى التقليدية المعادية للثورة والجمهورية وباسمها، ورغم استيلائها على السلطة السياسية في نوفمبر 67 إلا أن عصبياتها القبلية والجهوية كانت العائق الأكبر أمام بناء الدولة، وعلى العكس فقد انتصرت للقبيلة، وهي في رأس الدولة، لتكون القبيلة أقوى من الدولة، وكان مصير الحمدي القتل؛ لأنه أراد بناء دولة عصرية وحديثة (دولة للنظام والقانون)، وعندما جيء بعلي عبد الله صالح بدعم القبيلة وجيشها والسعودية كان الإجهاز على حلم بناء دولة نظام وقانون قد بلغ الذروة؛ فـ«قَبْيَلة» الدولة هي حجر الزاوية في حكم صالح وهو ما أدى الى الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم.


*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات