Accessibility links

فنانٌ يمني يقاوم ظروف الحرب بالعمل بائعًا متجولاً للآيسكريم


إعلان

ليس عبدالسلام زلعاط الفنان اليمني الوحيد الذي لجأ إلى مهنة أخرى جراء ظروف الحرب، وهذا ما يتطلب سلامًا عاجلاً وحلًّا شاملاً للمأساة الإنسانية اليمنية.

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:

«يغمرني شعور كبير بالرضا عن نفسي كوني ما زلتُ قادرًا على المبادرة والنزول لبيع الآيسكريم على عربة متنقلة في شوارع صنعاء، وكلي أمل أن يفتح ذلك أمامي بابًا للرزق لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرتي المكونة من ستة أفراد، والتي تحملت بصبْرٍ الكثير من الظروف الصعبة خلال الأعوام التي تلت توقف صرف المرتبات الحكومية»، يتحدث لـ”اليمني الأميركي”، عضو فرقة المسرح الوطني، الفنان المسرحي اليمني عبدالسلام زلعاط، (58 عامًا)، موضحًا أهمية القرار الذي اتخذه لمقاومة ظروف الحرب وانقطاع المرتبات بالعمل بمهنة بعيدة عن مجاله الفني؛ انتصارًا للحياة.

وتفاجأ رواد منصات التواصل الاجتماعي بصور منشورة للفنان زلعاط وهو يعمل بائعًا متجولاً على عربية آيسكريم في شوارع صنعاء، لكن الصورة كانت تظهر الفنان زلعاط وهو في حالة رضا؛ لأنه وجد فرصة للعمل يوفر من خلالها احتياجات أسرته المعيشية، مُخفيًا آلامه جراء ما وصل إليه وضع بلده ومعاناة أبنائه، بما فيهم نخبته الإبداعية، وفي مقدمتهم الفنانين (عنوان السلام).

يؤكد الموظف الحكومي (زلعاط): «منذ انقطاع المرتبات تفاقمت أوضاعي المعيشية الصعبة، لدرجة أنني وصلت لمرحلة لا أستطيع معها مواجهة أبسط متطلبات الحياة، والمتمثلة بدفع إيجار المنزل، الذي يبلغ 25 ألف ريال يمني (الدولار يساوي في صنعاء 556 ريالاً)، وتكاليف المعيشة من غذاء وصحة وتعليم وغيرها، وكنت أفكر في البحث عن عمل خلال الفترة الماضية، لكنني لم أجد في ظل انعدام فرص العمل؛ ما اضطرني للعمل في بيع الآيسكريم عندما وجدت شركة تقدم للعامل (عربة متنقلة) لبيع منتجاتها من الآيسكريم دون الحاجة لشراء متطلبات ذلك في المرة الأولى».

ويضيف: «تقدمت لعدد من شركات التوظيف فاعتذروا عن توفير فرصة عمل تلائمني كممثل، ولم أجد أمامي سوى العمل على عربية آيسكريم».

تتجاوز مسيرة الفنان عبدالسلام زلعاط ما يقارب الأربعين عامًا منذ مشاركته في المسرح المدرسي، وتحفل تجربته بعدد كبير من المسرحيات والمسلسلات.

ويُعد الفنان زلعاط من أبرز وجوه المسرح والدراما اليمنية، حيث يمتد عمر مسيرته الفنية لما يقارب الأربعين عامًا، منذ مشاركته في مسرح مدرسة الكويت في مسقط رأسه بمنطقة الراهدة بمديرية القبيطة – لحج، ثم التحاقه مطلع التسعينيات بالمسرح الوطني التابع لوزارة الثقافة في صنعاء، ومن ثم مشاركته بالعديد من العروض المسرحية والأعمال الدرامية التلفزيونية، ومن أبرز المسلسلات التي شارك فيها: مسلسل “كيني ميني” في خمسة مواسم، “مننا فينا”، “الدلال”، “أنياب الشر”، “باقة ورد”، “ماء الذهب”… إلخ.

يعاني المسرح والدراما التلفزيونية في اليمن من مشاكل عديدة، أبرزها محدودية وموسمية إنتاجها، وافتقاد الإنتاج المسرحي والدرامي للعمل المؤسسي والرؤية الإبداعية التنافسية، ولهذا يعاني الكثير من الفنانين والعاملين في هذا القطاع أوضاعًا اقتصادية صعبة نتيجة لعدم تلقيهم أجور مناسبة، تضمن لهم حياة كريمة واستقرارًا معيشيًّا يعزز مسارهم الإبداعي الفني والمعرفي، الأمر الذي جعلهم من أكثر الفئات تضررًا مع اندلاع الحرب المستعرة في البلد.

ويلفت نجم الشاشة اليمنية عبدالسلام زلعاط إلى أنه «قبل الحرب لم تكن ظروف حياتي رغدة، لكن الراتب الحكومي المنقطع منذ 2016، كان يغطي جزءًا مهمًّا من المتطلبات الأساسية، كإيجار المنزل وفواتير الماء والكهرباء، ومع ذلك لم يكن بالقدر الكافي بالنسبة لفنان لا يجد فرصة للمشاركة في الأعمال الدرامية إلا مرة واحدة طوال العام على الأغلب، بسبب ارتباط الإنتاج الدرامي اليمني بالموسمية نتيجة لغياب الاستثمار المؤسسي من قِبل الدولة ورجال الأعمال، ناهيك عن غياب دور نقابة الفنانين لتنظيم العمل في هذا المجال، والحد من الاحتكار والشللية، وتعزيز الاهتمام بأوضاع الفنانين».

الفنان زلعاط: عند بيع الآيسكريم للأطفال تغمرني السعادة وأنسى متاعب الحرب والحال.

 

وردًّا على سؤال “اليمني الأميركي”، للفنان زلعاط، الذي التقيناه أثناء عمله في بيع الآيسكريم، عن تفاعل الشارع في صنعاء معه كوجه مألوف في الشاشة اليمنية، يعمل في مهنة بعيدة عن مجاله.. يقول: «في البداية كان بعضهم يعتقد أنني أؤدي مشهدًا تمثيليًّا، وعندما يعرفون أنني أعمل لكسب الرزق، وجدت منهم الكثير من الدعم المعنوي للاستمرارية في تجربتي الجديدة التي بدأت قبل أقل من شهر».

ويضيف: «في بادئ الأمر كان عندي مخاوف من ممارسة المهنة؛ لأنه لم يسبق لي العمل بائعًا متجولاً في الشارع، بالإضافة إلى الوقوف في الشارع لساعات طويلة لشخص مثلي، كبير السن، فضلاً عمّا يتطلبه العمل من احتراف عملية البيع والشراء… لكن سريعًا ما اندمجت بالعمل، وتكيفت مع التجربة، على الرغم من أن العائد المادي منها ما زال متواضعًا، إلا أنه يكفي أن تغمرك السعادة وأنت تشاهد الفرحة في عيون الأطفال عندما تقدم لهم الآيسكريم، لينسيك ذلك كل التعب».

 

«المعاناة التي نعيشها، كموظفين حكوميين، لا تتوقف عند الفنان عبدالسلام، وإنما تشمل معظم اليمنيين»

 زلعاط: بعض من يشاهدني في الشارع لا يصدق أنني صرت بائعًا متجولاً، بل يعتقد أنني أقوم بدور تمثيلي.

الفنان عبدالسلام زلعاط، واحد من كثير من الموظفين الحكوميين الذين اضطروا للعمل في مهن بعيدة عن مجال تخصصاتهم نتيجة ظروف الحرب وانقطاع المرتبات.

وهؤلاء كانوا يأملون أن تفضي الهدنة الأممية الأخيرة، التي انفرط عقدها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى سلام دائم يكفل صرف المرتبات التي تُعد حقًّا قانونيًّا واستحقاقًا إنسانيًّا لا يجب المساومة فيه وإدراجه ضمن ملفات الصراع السياسي والحرب.

ويوجه الفنان عبدالسلام زلعاط عبر “اليمني الأميركي”، دعوة ومناشدة قطاع واسع من الموظفين الموجودين على الأرصفة في اليمن، إلى الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين للضغط على الأطراف المشاركة في الحرب، من أجل تحييد الملفات الإنسانية، وفي مقدمتها رفع الحصار وصرف مرتبات كافة موظفي الدولة.

يقول: «أنا ممتن لكوني تمكنت، ولو مؤخرًا، من إيجاد فرصة للعمل، لكن المعاناة التي نعيشها كموظفين حكوميين، لا تتوقف عند الفنان عبدالسلام، وإنما تشمل معظم اليمنيين، وتحتاج إلى معالجة عاجلة وجذرية للمشكلة».

   
 
إعلان

تعليقات