Accessibility links

إعلان

بلقيس محمد علوان*
على وسائل التواصل الاجتماعي يطلق الكبار على الصغار مصطلح Snowflakes، أو جيل رقائق الثلج للاستهزاء بهشاشتهم وتفاهتهم، فيرد الصغار عليهم بمصطلح Boomers ؛ وهو عنوان جيل الكبار، لكنهم أصبحوا يستخدمونه بصفته وصمًا وسخرية من شيخوختهم وضيق أفقهم. ووفقًا للمصطلحين يعتقد الكبار أن جيل الشباب هَشّ نفسيًّا، ويتحطم شعوريًّا مع أول صدمة، وليس أهلاً للمسؤولية، ولا يُعتمد عليه، ويرى الشباب أن الآباء لا يفهمونهم، ولا يتفهمون وضعهم.

 ويمكن وصف الاختلاف العالق بين آراء ووجهات نظر الشباب وأولياء أمورهم بأنه فجوة بين الأجيال، وسبب الفجوة بين الأجيال هو اختلاف سلم أولويات هذين الجيلين، فبينما يتحدث الآباء على أساس كل تلك التجارب والأحداث والمعاملات التي واجهوها في حياتهم والقناعات التي تبنوها، والإنجازات التي حققوها، يتحدث الشباب وفقًا لمحيطهم وتطلعاتهم، والقناعات التي يتبنونها أيضًا.

تظهر الفجوة وتتسع بين الجيلين، ويصبح الاختلاف واضحًا في الأفكار والأذواق، وفي الآراء، اختلاف قد يصل إلى الرفض المتبادل، وجوهر مشكلة الفجوة بين الأجيال هو الحصول على قيمة أو مكانة باعتبارها قضية خطيرة للغاية لكلّ من الأبناء والآباء. هذا الوضع لا يؤدي فقط إلى معاناة هذين الجيلين، ولكنه يؤثر في البيئة المحيطة بهما.                  

من منّا راضٍ عن أبنائه؟

وهل أبناؤنا راضون عنا؟

هل إجابات هذه الأسئلة مفصح عنها أم أنها حبيسة الصدور؟

من السهل جدًّا أن نتعرف على حالة اللوم المتبادلة بين جيليّ الأبناء والآباء، وكثيرًا ما نلحظ حالة عدم الرضا المتبادلة أيضًا.

يقول لي ابني: لقد عشتم ظروفًا مواتية أفضل من التي عشناها ونعيشها، كان أمامكم فرص أكثر، وأقول له، لم يكن جيل آبائكم ينال من الاهتمام والإسناد ما تنالونه، كنا نشعر بالمسؤولية أكثر منكم، وكنا نتكئ على أنفسنا من وقت مبكر، ويؤكد ابني إنه سيحكي لأبنائه عن الكثير من فصول حياته كشابّ يمني ولد في مطلع الألفية وعايش الكثير من التفاصيل العاصفة التي سلبت منه الكثير من الأمن والاستقرار والطفولة والفرص، وأرد عليه: لا نعلم ما الظروف التي سيولد فيها أبناؤك.

وفي حوار ساخن علت فيه الأصوات كان الأب يعدد ما قدّمه لأبنائه، وكم هم جاحدون، ولا يسمعون إلا أنفسهم، وأنه لم يرَ خيرهم أو برهم، وبدورها الأم بدأت تسرد قائمة ما يجب وما لا يجب، عندها فجّر الولد والبنت في وجه والديهما جملاً صادمة، ربما سمعاها لأول مرة: لم نطلب منكم القدوم إلى هذه الحياة الصعبة! وما دمتم أنجبتمونا فتحملوا مسؤوليتنا… استمر الجدل، واستمر كل طرف في طرح وجهة نظره معززة بالبراهين والأدلة العقلية منها والنقلية، ومن الواضح أن لا أحد يسمع الآخر، ولكنه يقول ما هو مقتنع به، لكن الواضح أكثر أن ثمة فجوة موجودة بيننا وبينهم، وإن كانت بتفاوت من أسرة لأخرى، بل ومن مجتمع لآخر، ونظرًا لأن الوقت يمضي قدمًا والتغيير أمر حتمي، فإن القيم والرؤى والأذواق والتوقعات في الحياة تختلف مع كل جيل، بل ومن جيل إلى جيل.

 إنها فجوة الأجيال التي غالبًا ما تتسبب في قصور التواصل والتفاهم بين الجيلين، ومع اتساع وضيق الفجوة بيننا وبين أبنائنا نتساءل: هل نحن على حق؟

هل نحسن صنعًا؟

 لكن السؤال الأكثر أهمية: كيف نردم تلك الفجوات؟ كيف نكون أقرب إليهم، نفهمهم ونستوعبهم، يفهموننا ويستوعبوننا؟ 

يشغل هذا التساؤل بال الكثيرين، وقد يكون ترفًا غير متاح للأكثر! وقد نجد البعض يتصرف كما لو أن الأمر برمته مخيب للآمال، وقد خرج عن أيديهم.

نعتقد دائمًا أننا نفهم أبناءنا، لأننا مررنا بمرحلتهم العمرية، والحقيقة أن العالم وأسلوب الحياة كانا مختلفين في ذلك الوقت عمّا هو عليه الآن، وستكون طريقة تفكيرهم مختلفة جدًّا، وقد تكون صادمة لنا، لذلك من المهم أن نعي خياراتنا كآباء وأمهات لردم هذه الفجوة، وعلى رأس هذه الخيارات الحفاظ على ذهن منفتح، فليس من العدل أن نفترض دائمًا أنه يجب أن يكونوا مثلما كنا في سنّهم، أو كما نتوقع منهم… يبدو أن علينا أن نتقبلهم ونقبلهم، هذا يعني بالضرورة أن تزيد مساحة التواصل بيننا وبينهم، والاستماع لهم، مهما كنا لا نتفق معهم، أو لا يرضينا ما يطرحون، لكن هل نحن نسمعهم؟ أم فقط نوجههم؟ ثم نلقي باللوم عليهم؟ 

أن نسمعهم يعني لهم أننا أقرب إليهم، وهذا سيجعلهم يستمعون إلينا أيضًا، وهذا الاستماع المتبادل سيخلق مساحة تفهّم بيننا تردم تلك الفجوة إلى حدّ ما.

يظل الحب والدعم وسيلة لعبور الحدود وجمع الناس معًا إذا تم التصرف بناءً عليه، ومع ذلك يحجم بعضنا عن إظهار الحب لأبنائه، ويظل ينتقدهم ويؤنبهم، فتزيد الفجوة اتساعًا… أتحدث عن الحب والدعم غير المشروط الذي لا يتأثر بالاختلاف، أو ما نصنفها أخطاء، وهذا مشجع للغاية، ويجعل الأبناء أكثر ميلًا لإظهار نفس الحب والتفاهم.

لن تتطابق وجهات نظرنا، وستظل فجوات الأجيال قائمة، بل وتزيد بوتيرة متسارعة تواكب سرعة التحولات والتغيرات في كل جوانب الحياة وعلى رأسها التكنولوجيا، وهنا تحديدًا تظهر الفجوة الرقمية بين الآباء والأبناء، لكنها ليست الأكثر خطورة فردمها ممكن، وتستمر الحياة بوجودها، لكن الفجوات النفسية والعاطفية والفكرية بين الآباء والأبناء هي ما يجب أن نسعى بكل ما نستطيع لتضييقها وردمها، ودائمًا لا بد أن نلتقي في مساحة وسط.

*أكاديمية وكاتبة يمنية

   
 
إعلان

تعليقات