عيشة ضنكاء

إعلان

فكري قاسم*

لا أخبار سارة في اليمن.. ويبدو الأمر كما لو أن اليمنيين أبرموا اتفاقًا أزليًّا في ما بينهم على تناوب مهمة تنغيص الحياة على بعضهم بعض، ومافيش عاقل يفرع!

من يوم تكعدلنا إلى الحياة عمومًا هاذكم احنا، عايشين الدنيا في دحيس مستدام، وفي ريبة مستدامة من الآخر، وفي تخندق متكرر ضد بعضنا البعض، وكأننا خلقنا لنعيش كأشتات مبعثرة، أو كأوادم محشورين على الدوام بقسوة في عبوات صغيرة وناسفة في أغلب الأحيان، ومن النادر جدًّا أن تجد يمنيًّا محسوبًا على اليمن!

ودائمًا لازم نكون في الأول شخوص محسوبين على فلان وعلان.. على الحزب الفلاني، أو على الجهة الفلانية. 

حتى أصبح الواحد منا يعيش حياته كلها وهو مجرد اسم لصيق بجهة ما أو بجماعة معينة، واليمن دائمًا هي آخر شيء في حسبتنا !

والناس في بلدانهم عايشين بأمان ومبسوطين وهمومهم اليومية بسيطة، واحنا حياتنا في بلادنا كلها تعاسة وعذاب وقلة مروءة.

ولا أمان في بلادنا، ولا أحلام تثمر فيها، ولا أمل يزهر فينا، وأيامنا تمضي ميتة بلا أفراح، وأحزاننا وفيرة لا نهاية لها، وأوقاتنا كلها في الغالب صارت همومًا كبيرة تفصع الظهر وتفقع المرارة وتخلي الواحد عايش وهو مش عارف ما هو الهدف الأساسي من حياته.

ولا اللي في الداخل مرتاحين وهادئين، ولا اللي في الخارج مبسوطين ومطمئنين، ولا اللي في الشرعية ضامنين حياتهم أثناء العودة إلى البلد، ولا اللي يحكمونا بسلطة الأمر الواقع ضامنين البقاء والاستمرار في البلد، ولم يعد لدينا من أساسه بلاد العيش فيها ميسر مثلما بقية بلدان الله.

وكلنا متشعبكين ببعضنا بعض في صراع دموي دائم على السلطة، وكل واحد يشتي حبته وإلا الديك، وكل فئة تصل إلى السلطة تعتقد أنها الصح، وأنها الخير، وأن البقية حولها كلهم أشرار.

ولهذا السبب ذاته أنهكتنا الحروب الأهلية، وجعلتنا أوادم عايشين في سبيل مشاهدة الآخر وهو يسقط ويتدقدق، وهذي عيشة ضنكاء على أية حال.. يهدر اليمني نص عمره فيها وهو يدور له على عمل يقتات منه، ويقضي النص الثاني من عمره هاربًا ملاحقًا مطاردًا ومحاطًا على الدوام بكل التصنيفات، ويموت وهو يحاول جاهدًا إثبات ولائه الوطني للجماعة الحاكمة، وما كوده يحلف لهم يمين وراء يمين:

– أُقسم بالله ما أنا شيوعي

– أقسم بالله ما أنا ناصري

– أقسم بالله ما أنا بعثي 

– أقسم بالله ما أنا إخواني

– أقسم بالله ما أنا حوثي

– أقسم بالله ما أنا سلفي

– أقسم بالله ما أنا من القاعدة

– أقسم بالله ما أنا من الزمرة

– أقسم بالله ما أنا من الطغمة

– أقسم بالله ما أنا من الجبهة

– أقسم بالله ما أنا انفصالي

– أقسم بالله ما أنا حراكي

– اقسم بالله ما أنا انتقالي 

– أقسم بالله ما أنا دحباشي

– أقسم بالله ما أنا عفاشي

– أقسم بالله ما أنا داعشي 

– أقسم بالله ما أنا عميل

– أقسم بالله ما أنا مرتزق 

– أقسم بالله ما أنا مختزق

– أقسم بالله ما أنا مطلع 

– أقسم بالله ما أنا منزل 

– أقسم بالله ما أنا شمالي

– أقسم بالله ما أنا جنوبي

– أقسم بالله ما أنا ضد الثورة

– أقسم بالله ما أنا مع الثورة.

ناقص بس نحلف لهم: أُقسم بالله ما أنا يمني

وناقص أنا برضه أختم مقالي هذا بيمين طارف، وأقول لهم: 

– أقسم بالله ما أنا فكري قاسم.

*كاتب يمني ساخر.

إعلان