Accessibility links

عفوًا.. المعاناة تخنقُ الإبداع!.. وقفة مرتبكة أمام مضامين إبداعية


إعلان

جائزة الربادي: فكرة تشجيعية.. وحجَر في مياه راكدة           

عبدالله الصعفاني*

في مناسبة الإعلان عن جوائز الأستاذ المرحوم محمد الرَّبادي، وتكريم الفائزين بالنسخة الأولى من المسابقة الخاصة بالقصة القصيرة للكُتّاب الشباب اليمنيين، يُلِحُّ عليَّ اعترافٌ مجّاني بأنه ليس عندي من خيالٍ روائي، فضلاً عن سهولة انبهاري بقصائد ماركة السهل الممتنع لعدد من الشعراء اليمنيين بمبالغة، إما لِأنهم مبدعون، وهذه حقيقة، أو لِأنّ علاقتي بكتابة القصيدة والرواية تشبه علاقتي باللغة الصينية.

    وعلى أيّ حال، البداية المرتبكة للكاتب كثيرًا ما تُلازم كلّ مَن يُجرِّب الكتابة حول مجال بعيد عن دائرة معارفه، فيتناولُ ما لا يُجيده على حساب ما يُجيده، متجاوزًا الساحة التي يبرع أو يجيد (البرعة) فيها.

                                          قاعدة موجِعة

 وفي مناسبة الإعلان عن جوائز أدبية ما يفرضُ نقاشًا تبقى فيه الأسئلة معلَّقة كلما اقتضت اللحظة تأمُّل الوضع الذي يعيشه المبدِع اليمني في زمن الحرب والحصار، وانقطاع المعاشات، وما يمكنُ وصفه بحياة  شديدة التعقيد.

 وإذًا.. ارتباك الداعي لكم بطول العمر بعد أنْ كنت وعدتُ بالكتابة عن مناسبة إعلان الفائزين جعلني استمر فأجرِّب السير على قاعدة نقدية قرأتها ذات فضول.. تقول القاعدة بالنَّص: (كلّ روائي غير موهوب يبدأ مشواره بكتابة قصة حياته)، ثم يُسارع القُساة من النُّقاد لتوضيح الفكرة، منطلقين من القناعة بأنّ كتابة قصة حياتك أمر لا يحتاج موهبة ولا خيال؛ فهو مجرد نسخة مكررة لكلّ مَن يبدأون روايتهم اليتيمة بسطرٍ يقولون فيه: (هناك في مسقط رأسي فتحتُ عينيّ على أول خيوط الفجر فصرخت…)، ثم يخوضون تفاصيل مستوحاة من واقع أسماء رجال ونساء وبقر وقطط القرية وسوقها الأسبوعي، غير مدركين أنّ جميع الناس في لحظة الميلاد يفتحون أعينهم على مكانٍ ما، وأنّ كلّ المواليد يصرخون وهُم يغادرون أرحام أمهاتهم، وأنّ استخدام الذاكرتين الطويلة والقصيرة لا تكفيان للفوز بلقب روائي.. وكذلك هي مساعي الكتابة خارج امتلاك معارف وأدوات الكتابة.

                                         مضمون إبداعي

وعودة إلى موضوع جائزة الربادي، فإنّ لجنةً مكونة من أبرز الفرسان في عالم الرواية، هما: وجدي الأهدل وسمير عبدالفتاح، ومعهما الناقد الأدبي أحمد الأغبري، لا بُد أنها  أحسنتْ اختيار القصص الفائزة بالجائزة، بحكم مكانة أعضائها في المشهد الأدبي، وأرواحهم الإبداعية والنقدية المتوقدة، ثم إنهم كما عرفتُ حرصوا على تقييم المضمون الإبداعي بِدِقّة وعدالة، مستوعبين حقيقة أنَّ القصة صارت إبداعًا مدهشًا، ولم تعد تحصر نفسها في تقليدية قال الراوي يا سادة يا كرام.. وإنما تقنية، وفضاء تنفُّس، وفضفضة لكاتب موهوب، وقارئ تعددتْ خياراته أمام زيادة الإنتاج العالمي المتاح، من طويل الرواية إلى أصغر وحدة في دنيا القصة القصيرة.

وما يسبقُ أيّ بداية، وأيّ نهاية، وأيّ أحلام هو حاجتنا في اليمن وحدانًا وزرافات، أفرادًا ومؤسسات أهلية ورسمية للاعتراف الغيور بأنّ المناخ الثقافي عندنا صار في وضع يصعبُ حتى على الكافر والزنديق… بسبب تراجعه في ما تبقى من قائمة الاهتمامات الفردية والمؤسسية، ما يجعلُ الحاجة ماسة للاعتراف بحاجتنا إلى الاهتمام بالثقافة ورعاية كلّ ما له علاقة بتنمية الوعي ورعاية الإبداع.

                                         رجاء وأُمنِيَة

في مناسبة إعلان أسماء الفائزين بجائزة الربادي في القصة، وتكريم كوكبة من أرباب الكلمة تبرز الحاجة لتحقيق الرجاء الذي تحوَّلَ إلى أملٍ بلا أُفق بأنْ يسارع كلّ مَن يملكُ قرارًا إلى إيقاف الحرب، وتهيئة البيت اليمني لاستعادة عَمارِه ودفئه، وتأمين الحياة الكريمة لجميع من سحقهم الفقر والحاجة، بالإضافة إلى تنظيم المناشط الثقافية، وإعادة الروح إلى إصدارات وفعاليات ومسابقات تنتصرُ للإبداع في مختلف مجالات الآداب والفنون.

                                          الثراء المظلوم

اليمن غنية بما يأسر القلوب من التاريخ والثراء الإبداعي الباحث عمّن يزيح عنه غبار الإهمال وشرارات الحرب وقصور النظرة إلى حاجتنا للاستثمار في الإنسان، والشباب تحديدًا.

مهم جدًّا استعادة الحياه اليمنية في كافة المناحي، وتوفير مناخ عام يصقلُ المواهب، ويُنمّي القدرات، ويثري الخيال.

لقد راعى المنظِّمون للجائزة أهمية أنْ تكون المسابقة للمبدعين اليمنيين الشباب داخل الوطن فقط مراعاة للبُعدين الاجتماعي والإنساني اللذين فرضتهما الأوضاع المعيشية العامة داخل البلد، ولِمَ لا وقد ثبت أنّ القول مِن أنّ المعاناة تولِّد الإبداع ليس سوى عبارة (مقلية) سامجة وصعبة الهضم.

 فالتحية للصديق الناشر رشيد النزيلي الذي أعلنَ عن رعاية وتمويل جائزة الربادي، وانتظامها كلّ عام، وهي فرصة لدعوة كلّ القادرين لتسجيل مبادرات مشابهة، بما يُعزِّز القيم الإيجابية وسط مناخ ملبَّد بالحرب والحصار والتدمير، وما إلى ذلك من أمور أفسدتْ الحياة حتى صحّ ما يترددُ من أنّ الاهتمام بالشِّعر والقصة القصيرة والرواية والفنون مسألة ترفيهية، وربما زائدة دودية داخل حياة يمنية عامة موجوعة العناوين والتفاصيل.

*كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات