Accessibility links

طلابُ اليمن.. ملاحم كفاح تتحدى معاناة الحرب


إعلان

صنعاء – “اليمني الأمريكي” – أحمد الكمالي:

يستيقظ مُحمّد أحمد خالد، طالب مستوى ثالث في كلية الطب جامعة صنعاء، في تمام الساعة الخامسة فجرًا قبل ذهابه إلى الكلية، للعمل على دراجته النارية لتوفير مصروفه اليومي، وهو ما دأبَ عليه بعد توقف صرف راتب والده الذي يعيل أسرة مكونة من سبعة أشخاص.

وأوقفت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا صرْف رواتب معظم موظفي الدولة منذ سبتمبر/ أيلول 2016، ما تسبب بمضاعفة معاناة الناس، وهو ما انعكس على أحوال العائلات، بما فيهم الأبناء/ الطلاب… فكثير من طلاب الجامعات الحكومية باتوا مضطرين للعمل بجانب الدراسة لتوفير ما يمكّنهم من الاستمرار في القاعة الدراسية.

(مُحمّد)، واحد من طلابٍ جامعيين يمنيين كثُر يكافحون لإكمال تعليمهم الدراسي، متحدّين الظروف التي فرضتها الحرب جراء انقطاع المرتبات وانهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار، وغيرها.

 

الأمم المتحدة: 20% من طلاب جامعة صنعاء غير قادرين على الحضور إلى قاعات الدراسة بسبب الوضع الاقتصادي.

 

يقولُ الطالب مُحمّد لـ”اليمني الأميركي”، «كنتُ سعيدًا بتحقق حلمي عند قبولي في كلية الطب (النظام العام) [نظام حكومي شبه مجاني]، لكن سرعان ما فاجأتني ظروف ومتطلبات الدراسة، كما وجدتُ نفسي دون سكن، ولم أستطع من خلال مصروفي المتواضع شراء الكُتب والمراجع؛ ما اضطرني للبحث عن عملٍ لتوفير مصاريف دراستي، ولسبب إجادتي قيادة الدراجة النارية اتجهتُ للعمل عليها».

يعمل مُحمّد على دراجته النارية نحو ساعتين قبل ذهابه للجامعة، ومثلها بعد خروجه من المحاضرات الجامعية، كما يستثمر الساعات التي يقضيها في العمل في مراجعة محاضراته، وذلك عبْر سماعة الهاتف المحمول، الذي يُسجل عليه المحاضرات.

أضافت ظروف الحرب المستعرة هناك منذ مارس/ آذار 2015 أعباء أخرى على كاهل طلبة الجامعات الحكومية، فدفعت كثيرًا منهم للخروج مبكرًا إلى سوق العمل، بل إنّ بعضهم بات غير قادر على الحضور للدراسة بسبب ظروفهم الاقتصادية.

 

نائب عميد كلية الآداب – جامعة صنعاء: اللوائح التنظيمية مرنة لمراعاة ظروف الطلاب العاملين.

 

ووفق تقارير للأمم المتحدة، فهناك ما يُقارب 20% من طلبة جامعة صنعاء فقط، باتوا غير قادرين على الحضور إلى قاعات الدراسة بسبب الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلد، وذلك ما ينطبقُ على الطالبة هاجر أبو الخير، التي حُرمت من الحضور إلى مدرجات كلية الإعلام بجامعة صنعاء (مستوى ثالث)، لكن ذلك لم يحُل بينها ومواصلة تعليمها وتحقيق حلمها كـ(مذيعة) في المستقبل.

تعملُ الطالبة (هاجر) في محل ملابس نسائية بأجرٍ يومي لا يتجاوز الـ (1000 ريال) [أقل من دولارين] بدوامٍ يومي يصلُ لثمان ساعات.. تقول لـ”اليمني الأميركي”، إنّ «ظروف الحرب دفعتني للخروج إلى العمل، ما أثّر فعلاً في حياتي العلمية كطالبة جامعية من المفترض أنْ أداوم على الحضور للكلية، لكي أتخرج بكفاءة عالية، وأكون إعلامية متميزة، لكن الوضع الاقتصادي قلب كلّ الموازين؛ نتيجة تدهور عمل والدي الذي انخفض مرتبه الشهري إلى النصف، فيما الوضع الاقتصادي للبلد تغيّر كثيرًا، وارتفعت الأسعار بما يتجاوز قدرة المواطن».

تعملُ هاجر على تعويض ما يفوتها من محاضرات عبر تكثيف القراءة والاطلاع في المراجع وإنجاز المتطلبات البحثية، مؤكدة أنها لن تسمح للحرب «أنْ تكون سببًا لتوقّف حياتي، بل على العكس سنقاومُ من أجل تحقيق أهدافنا، وبإذن الله ستنتهي الحرب وتتحسن أوضاعنا».

 

محمد خالد – طالب كلية الطب يعمل على دراجة نارية ويراجع دروسه عبر سماعة الهاتف خلال عمله.

 

كذلك الحال مع الطالب وحيد فارع، طالب مستوى خامس في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة صنعاء، فقد وجد نفسه مضطرًّا لتحمّل مسؤولية إعالة أسرته، التي نزحت بسبب الحرب من تعز/ جنوب غرب إلى العاصمة صنعاء، فكانت مهمته عسيرة، لكنه تحمّلها، فضاعف ساعات عمله في محل خياطة إلى ثمان ساعات يوميًّا بعد مغادرته الكلية.

يقول (فارع) لـ”اليمني الأميركي”، «ضاعف نزوح أسرتي وتحمّلي مسؤوليتها من الأعباء على عاتقي، الأمر الذي جعلني أضاعف ساعات العمل لمواجهة متطلبات الحياة، حيث أذهب إلى عملي بعد عودتي من الجامعة الساعة الثانية ظهرًا حتى الساعة العاشرة مساء».

 

هاجر أبو الخير، طالبة كلية الإعلام تعملُ بائعة في محل ملابس نسائية، بأجر يومي لا يتجاوز ألف ريال (أقل من دولارين).

وحيد فارع، طالب كلية الهندسة، يعول أسرته النازحة ويعمل خيّاطًا ثمان ساعات بعد وقت المحاضرات يوميًّا.

 

لا يتبقى من وقتي، في يومي، سوى ساعتين فقط لمراجعة الدروس، وذلك «وقت، بالتأكيد، غير كافٍ لطالب بكلية الهندسة المعروفة بتخصصاتها الدقيقة التي تحتاجُ إلى ما لا يقل عن أربع أو خمس ساعات مذاكرة يوميًّا»، يقول.

بالنسبة لموقف جامعة صنعاء من معاناة طلابها العاملين، توضح الدكتورة سُكينة هاشم، نائب عميد كلية الآداب لشؤون الطلاب في جامعة صنعاء، لـ”اليمني الأميركي” أنّ «اللوائح التنظيمية لشؤون الطلاب مرنة جدًّا؛ إذ تترك للدكتور والقسم العلمي تقدير احتساب درجات أعمال السنة بحيث لا تزيد عن 30 درجة، فيما يتم احتساب 70 درجة أو أكثر للاختبار النهائي مراعاة لظروف مثل هذه الفئات من الطلاب في ظل الأوضاع التي تمر بها البلد»، داعيةً «أرباب العمل إلى مساعدة الطلاب ومنحهم بعض الوقت لحضور المحاضرات ومواصلة الدراسة».

بين قاعات الدراسة وأماكن العمل، يُسطر عدد كبير من طلاب اليمن    ملاحم من الإصرار لعبور واقعهم المؤلم، وتجاوز المعوقات التي زرعت في طريقهم بفعل ظروف الحرب، وتحقيق أحلامهم، معلّقين في ذلك آمالاً كبيرة على يمنٍ موقنين أنه سيتجاوز محنته.

   
 
إعلان

تعليقات