Accessibility links

سَكنَ تحت الأنقاض لمدة عامين: حكاية معلّم يمني تختزل مأساة وطن


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – محمد العلفي
ككل المعلمين في بلده، الذي يشهد حربًا منذ سبع سنوات، لم يأبه المعلم عبدالله الحمادي (48 سنة) باليوم العالمي للمعلم (5 أكتوبر/ تشرين الأول)؛ فحقوقه مهدرة بدءًا من تخليه عن التدريس والعمل في مجالات أخرى بحثًا عمّا يسد رمق جوع عائلته، وانتهاء بمعاناته من وضع معيشي غاية في التعقيد.. وهو حال عشرات الآلاف من المعلمين اليمنيين، الذين يعانون من انقطاع صرف مرتباتهم جراء الحرب.. الأمر الذي أحال حياتهم إلى جحيم في بلد يشهد أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر في التاريخ.

توالت المآسي على عبدالله الحمادي، الذي أمضى عقدين ونصف من عمره في تدريس اللغة العربية، بدءًا من نزوحه مع أسرته نتيجة المواجهات الدامية التي اندلعت في مدينته تعز/ جنوب غرب، ولجوئهم إلى إب/ وسط، حيث سكن تحت الأنقاض، مرورًا بانقطاع مرتّبه كغالبية المعلمين، وممارسته العديد من الأعمال في سبيل توفير ما يسد به رمق أسرته، وصولاً لانتقاله إلى صنعاء ومكابدته اليومية لكسب لقمة العيش، وتوفير إيجار المسكن، الذي يهدد مالكه حاليًّا بإخراجهم في حال لم يدفعوا مبلغ 15 ألف ريال كزيادة في الإيجار.


النزوح 

يروي الحمادي لـ”اليمني الأميركي” فصولاً من الرعب الذي عاشته أسرته عقب اندلاع الحرب في مارس/ آذار 2015؛ ما أجبره على النزوح من منزله في حيّ الجحملية بمدينة تعز، إلى مديرية جبلة بمحافظة إب؛ بحثًا عن مسكنٍ يأويه مع أفراد أسرته الخمسة.

«سكنتُ هناك عند أحد أقاربي، إلا أنه ونتيجة لضيق المنزل وزيادة العدد في ظل عدم توفر سكن بديل، اضطررت للسكن وسط أنقاض بناية مكونة من أربعة أدوار، تم قصفها من قِبل الطيران، ولم يتبقّ فيها إلا غرفة ومطبخ وحمام في الدور الثاني، فعملتُ على ترميمها، وسكنت فيها مع عائلتي، رغم تحذيرات الأهالي لنا من احتمالية انهيارها أو معاودة ضرب الطيران لها… واستمرّينا فيها لأكثر من عامين».

 

سكن الحمادي لمدة سنتين مع عائلته في أنقاض عمارة تحت ضغط الحاجة التي اضطرته للنزوح والعمل في مجالات عديدة تتطلب مجهودًا بدنيًّا.


صعوبة العيش 

تجرّع عبدالله وأسرته مرارة العيش، التي لم تخفف من حدتها مساعدات أسرة زوجته والأجر الزهيد الذي كان يتحصل عليه مقابل عمله المتقطع في بعض أعمال الحمالة والبناء لعدة أشهر، ما دفع إحدى السيدات من جيرانهم إلى توفير رأس مال صغير، لتجهيز محل لبيع الشبس، الذي استمر بالعمل فيه لأكثر من عام.

بعدها عاد عبدالله ليكابد مع أسرته شظف العيش، ما دفع نجليه (مهند ومدين)، اللذين أكملا دراستهما الثانوية في جِبلة، للبحث عن عمل لمساعدة والدهما، فذهب النجل الأكبر (مهند) للعمل في إحدى ورش إصلاح الدراجات النارية، بينما تنقّل مدين للعمل من مطعم إلى آخر.

وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أن تلك الأعمال لم تلبِّ عائداتها الاحتياجات الضرورية للأسرة، ما اضطر الأب للعمل على دراجته النارية، التي كان يستخدمها في قضاء مشاويره قبل اندلاع الحرب، بعد أن تمكن من إخراجها من منزله بحيّ الجحملية/ تعز.

 

“يونيسف” تُحذر من انهيار تام للنظام التعليمي حال استمرار انقطاع رواتب المعلمين.


الانتقال إلى صنعاء

غادر عبدالله ومعه زوجته وابنتيه جِبلة مطلع 2017 متجهًا إلى العاصمة صنعاء، عقب اتصال أحد أقاربه يخبره بتوفر فرص عمل، لكن الوضع بصنعاء لم يكن أحسن حالاً، فهناك لم يجد عبدالله سوى أعمال البناء، فتارةً يعمل في بناء المنازل وتلييس الجدران (طلاء بالإسمنت)، وتارة في السباكة، وأخرى حمّالًا.

عقب استقرار عبدالله في صنعاء، لحق به نجلاه، وفور وصولهما، تناوب الأب ونجله الأكبر العمل على دراجته النارية، فيما قام نجله الآخر باستئجار دراجة أخرى للعمل عليها مقابل 1000 ريال يوميًّا (الدولار يساوي 600 ريال في مناطق سلطة صنعاء، وضعفها في مناطق الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا).

«بالكاد نعيش نظرًا لغلاء المعيشة وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وإيجار المسكن، حيث أشعرنا المالك مؤخرًا برفع الإيجار، بزيادة 15 ألف ريال فوق ما كان عليه سابقًا»، يقول عبدالله.

 
انهيار النظام التعليمي

تختزل قصة المُعلم عبدالله فصولاً من معاناة المعلم اليمني في رحلة بحثه عن فرصة عمل يؤمّن من خلالها الاحتياجات الضرورية لأسرته؛ نظرًا لتردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، ما أدى إلى الارتفاع الجنوني للأسعار، في ظل ندرة فرص العمل، وهو ما جعل التدريس آخر اهتماماته.. الأمر الذي انعكس سلبًا على الوضع التعليمي في البلد؛ وهو ما يُشكل تهديدًا على مستقبل أطفال اليمن.

ويشير تقرير لمنظمة اليونيسف، صادر في يوليو/ تموز 2021، إلى انقطاع رواتب قرابة 171600 معلمًا ومعلمة، منذ أربع سنوات؛ ما دفعهم للبحث عن فرص عمل أخرى لإعالة أسرهم.

وحذّر تقرير للمنظمة، بعنوان “عندما يتعرقل التعليم”، من الانهيار التام للنظام التعليمي حال استمر انقطاع رواتب المعلمين، مشيرًا إلى تعرّض ما يقرب من 4 ملايين طفل لخطر فقدانهم فرص الحصول على التعليم، بالإضافة إلى مليوني طفل خارج المدرسة، وهو ما يعني ارتفاع عدد الطلاب خارج المدرسة إلى 6 ملايين طفل.

ووفقًا للتقرير، فقد «دفعت الحرب أكثر من 400 ألف طفل للخروج من المدارس بشكل مباشر، وتسببت بتضرر 2507 مدارس، أو استخدمها النازحون، أو سيطرت عليها جماعات مسلحة».

نخلص إلى أن استمرار انقطاع رواتب المعلمين يهدد بانهيار النظام التعليمي في اليمن.. وهنا يرى عديد من التربويين أنه لا يمكن معالجة الوضع الراهن إلا بتوقف الحرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن مزقته الحرب.

   
 
إعلان

تعليقات