Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر* 

عندما شن علي عبدالله صالح الحرب ضد الجنوب في 1994، كان يعتقد أنه يؤسس دولة لأسرته لا تختلف عن إمارات الخليج، وكان الوهم كبيرًا، وداخل هذا الوهم الكبير أوهام تبدأ ولا تنتهي.

كان الوهم الكبير في ثورة الربيع العربي في اليمن هو المقامرة على الانتصار بدون قيادة ثورية من شباب الثورة، وبدون برنامج سياسي، أما استيلاء المشترك بقيادة التجمع اليمني للإصلاح على الساحات، فقد كان بداية النهاية، ثم إن أوهام الحوار الوطني الشامل هو قبول المتحاورين، وهم نخبة من ألوان الطيف المجتمعي والحزبي، بالتحاور، في حين أن الاشتباكات تدور تحت أرجلهم في موفمبيك، وفي العديد من مناطق اليمن.

لقد همشت الحرب الحوار، فالطرفان الرئيسيان في الحكم وفي الحوار، وهما: المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، لا يراهنان على الحوار، وإنما على الحسم العسكري، وينظران إلى الحوار كاستراحة محارب، وقد دعم الخليجيون والدول الراعية خيار الحرب، أو أنها كانت تدرك أنه الواقع، والحوار هدنة مؤقتة.

الصخب الإعلامي، وهبوب رياح الربيع في المنطقة العربية، وتطمينات الدول الكبرى، عززت أوهام الانتصار.

لقد كان وهم الحسم العسكري حاضرًا لدى الطرفين الرئيسيين: علي صالح، وعلي محسن الأحمر، وهما المسيطران على القوة العسكرية المنقسمة، ولهما امتدادهما في الحوار، ولم تكن السعودية ودول الخليج وأمريكا وأوروبا بعيدة عن اللعبة وصناعتها.

كان التحاور الهامش، والمتن هو الحرب.. صحيح أن الحوار الوطني الشامل، ومخرجات الحوار مثل أهم وثيقة يصوغها اليمنيون في مطلع القرن الواحد والعشرين، ولكن التحاور كان يدور في وادٍ، والحرب الأساس في وادٍ آخر.

لم يكن انقلاب 21 سبتمبر 2014 بداية الحرب، وإنما استمرارًا لها بتحالف صالح وأنصار الله (الحوثيين)، وكان انتصار طرف ضد آخر، وضدًّا أيضًا على الحوار ومخرجات الحوار نقلة نوعية، ولا يعني ذلك أن الطرف المنكسر كان مع الحوار ومخرجاته، فالغالب والمغلوب كلاهما ضد الحوار، ومخرجات الحوار، وهما ضد ثورة الربيع العربي، شأن السعودية ودول الخليج، وهي الأطراف الإقليمية الداخلة على الحرب الأهلية، إذ كلهم أعداء للوحدة والحرية والديمقراطية والدولة المدنية، وكان الوهم الكبير رهان دول التحالف العربي على حسم المعركة في أسابيع، وربما في شهور، وتفشى هذا الوهم كالوباء في أحزاب المشترك بقيادة تجمع الإصلاح، وشخصيات عامة، ومثقفين، وقادة مجتمع مدني وأهلي.

الانتصار الخاطف لأنصار الله (الحوثيين)، وبدعم من جيش صالح وأمنه، أغرى بمواصلة الزحف إلى تعز وعدن والجنوب، ورغم الانكسار في الجنوب وتعز ومأرب، إلا أن الرهان على الحرب ما زال قائمًا.

اعتقد الإيرانيون أن عاصمة عربية رابعة قد سقطت في أيديهم، ولا شك أن طرفي الصراع الأهلي والإقليمي قد أوغلا في غرس الأوهام وتسويقها، وتحويلها إلى أسلحة في معركة حرب تمتد لثمانية أعوام دون حسم.

الطرف الدولي في الرباعية: أمريكا وبريطانيا، هما الأكثر إدراكًا لزيف الأوهام، وهي من غرستها، وتغذيها وتسوق لها؛ خدمةً لأهدافهم الاستعمارية، فالوهم – كمصطلح علمي – ليس أكثر من تشويه يعبث بالدماغ، ويفسر الإثارة الحسية، ويشوه الحقائق، ويزيف الوعي والإدراك، وهو كغريزة بشرية توظفه قوى الطغيان في كل زمان ومكان، إلا أن القوى الاستعمارية تظل الأقدر على تسويقه وبيعه.

الشعب اليمني ضحية هذه الحرب الإجرامية، وقادة المليشيات هم المستفيدون من الحرب، وتسويق أوهامها ومعانيها، وشعاراتها الخائبة، فالإصرار على إطالة أمد الحرب يعني المكابرة في استمرار التمسك بالأوهام الساقطة والمكشوفة.

من العبث إنكار طبيعة وأسباب الصراع اليمني بين أطراف حاكمة تتصارع على التفرد، واحتكار السلطة عبر الاحتكام إلى القوة، وإلغاء إرادة الناس واختيارهم.

الحرب الأهلية أساس في استدعاء الإقليمي والدولي، فما أن اشتعلت الحرب واستطالت، حتى أصبح الإقليمي والدولي هما اللاعبان الأساسيان، وخرج الأمر من يد قادة الحرب الأهلية، فتحولوا إلى أدوات في حرب بالوكالة، فعلى أرض اليمن، وبعد حرب ثمانية أعوام لا تصفي الأطراف الإقليمية صراعاتها فحسب، وإنما يقوم طرفا التحالف العربي (السعودي والإماراتي) بتصفية خلافاتهما أيضًا على الأرض اليمنية، وما نشهده من صراع بين الشرعية والانتقالي والمليشيات التابعة والممولة من كليهما، هو شاهد الحال، وهما لا يجتران خلافاتهما فحسب، وإنما يمتد الصراع على اقتسام مناطق الوجود قبل حسم المعركة، ويتنكران لحلفائهما في الحرب تحت وهم الانتصار.

تتصرف السعودية والإمارات كدولتين استعماريتين، والمأساة أن خلافاتهما التكتيكية تتحول لدى الأتباع إلى حروب.

قصر الصراع في اليمن، أو تحليله، أو العودة به إلى الماضي البعيد، أو الأعراق، أو السلالات: العدنانية، القحطانية، أو الطائفية: زيدية، شافعية، أو كلامية: شيعية، سنية، أو قبائلية: حاشدية، وبكيلية، ومذحجية، أو جهوية، وجنوب، وشمال، وهمٌ وضلال كبير، كل هذه المكونات موجودة، ولها خلافاتها وهوياتها الصغيرة، إلا أن ما يحرك الصراع الدامي، ويدفع به إلى المواجهة، وصولاً إلى الاستنجاد بالآخرين هو التنازع على الثروة، والتفرد بالسلطة، وهو ما تقوم به القوى النافذة المغروسة في السلطة بالقوة، أو الطامعة فيها بالاحتكام للقوة، وهو حال اليمن.

اليوم سقطت أوهام الحرب كلها، وسقوطها يستدعي إسقاط مشعليها، وزبانيتها، ودعاتها.

* نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات