Accessibility links

إعلان

عبدالباري طاهر*
في العام 2007 نشر حلمي سالم قصيدته “شرفة ليلى مراد” قامت الدنيا ولم تقعد، سُحب عدد (إبداع)، وتبرأت المجلة من القصيدة ومن الشاعر.. اُتِّهم بالزندقة والإلحاد، أُحيل للمحكمة، وسُحبت منه جائزة مستحقة “جائزة التفوق الأدبي”.
دافع حلمي عن نفسه دفاعًا مجيدًا في ظل ضعف المؤازرة والتعاطف.
كان حلمي، يرحمه الله، يدفع أثمانًا باهظة، ثمن سرقة نار الآلهة زيوس، وحمل صخرة سيزيف، وأكل التفاحة المحرمة.
مطلع سبعينيات القرن الماضي أسس مع زملائه الشعراء الشباب رفعت سلام، وأمجد ريان وآخرين مجلة إضاءة.
كتبت عنه زميلته أمينة النقاش في (أدب ونقد) المجلة الأدبية والثقافية، التي رأس تحريرها… انتمى حلمي سالم إلى جيل السبعينيات من القرن الماضي الذي حطمته هزيمة يونيو 67 فانفجر في مظاهرات الطلبة 1968 التي طالبت بمحاكمة المسؤولين عنها، وتصدى عقد السبعينيات للدفاع عمّا تبقى من منجزات ثورة يوليو الاجتماعية والوطنية، مشيرة إلى بروز أسماء، أحمد عبدالله رزة وأحمد بهاء الدين شعبان.
وبرز حلمي سالم ككاتب وشاعر ومؤسس بمدرسة مجلة (إضاءة 77) مع زملائه: حسن طلب، جمال القصاص، ورفعت سلام، وأمجد ريان، وعبدالمنعم رمضان، ومحمود نسيم، وشعبان يوسف،
حاضرًا ومحضّرًا بقوة في المظاهرات ما بعد هزيمة 67، وكان في رأس مظاهرات الخبز التي سماها السادات (انتفاضة الحرامية) 19 يناير 1977.
رأس تحرير “قوس قزح” الثقافية والأدبية المستقلة، كما رأس تحرير مجلة (أدب ونقد) الصادرة عن حزب التجمع الوحدوي، وكان في طليعة التأسيس “للإضاءة”، و”للأصوات”، وكتب في عدة صحف ومجلات عربية في مجلتي (فكر ونضال الشعب) و(اليمن الجديد).
وحلمي إلى جانب كفاحه الديمقراطي وانتمائه لليسار ومشاركاته الواسعة في الندوات والمحاضرات والنقاش العام غزير الإنتاج، واسع الاطلاع، أصدر 18 ديوانًا، ومنها: حبيبتي مزروعة في دماء الأرض، سكندريا يكون الألم، الأبيض المتوسط، مسيرة بيروت، ولعل آخرها معجزة التنفس، والذي أبدعه في مرض موته، وله من المؤلفات الكثير: هيا إلى الأدب، العائش في الحق، حكمة المصريين، وأخرى كثيرة، ولعل أهمها كتابه فترة كفاحه في بيروت “الثقافة تحت الحصار”، وهو الكتيّب الذي أصدره عن الثقافة في بيروت الغربية وعمله في الهلال الأحمر، وقد تناول فيه بالنقد “تخمة الورق المكتوب”.
وانتقد الضخ الإعلامي الفلسطيني في الرقعة الضيقة من بيروت الغربية.. 

انتقاد حلمي، وهو المناضل القومي والصحفي، موجّه لسيادة الإعلامي على الفكري، وغلبة الخبر على التحليل، والتحريض المباشر على الإبداعي العميق.
كما ينتقد سيادة المدرسي الخطابي على الأيديولوجي والفكري، والتكتيكي على الاستراتيجي.
وحلمي لا يعمم الانتقاد على كل الإصدارات الفلسطينية، فهو يستثني مجلة (شئون فلسطينية)، ومجلة (الكرمل).
ورأى أن الأولى كانت تنشر دراسات فكرية وسياسية وثقافية لا تحد البصر بموقع القدم اليومي السيار، بل تطلقه إلى أقسام استراتيجية الصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل القضية الفلسطينية بخاصة، والقضية العربية بعامة، أما الثانية فبما كانت تنشره من إبداعات عربية شعرية فلسطينية وعربية عمومًا، متقدمة المستوى الفني والفكري مما كانت لا تستطيع المجلات الدورية نشره.
وقد كتب فيه عن ناجي العلي وسعدي يوسف، وقضايا المقاومة الفلسطينية في الجوانب الفكرية والأدبية.
كتابه الآخر المهم “الحداثة أخت التسامح ..الشعر العربي المعاصر وحقوق الإنسان”. يقع الكتاب المتوسط في ثلاثمائة صفحة، قطع متوسط، تناول فيه الشعراء: صلاح عبدالصبور، وعبدالمعطي حجازي، أمل دنقل “الصقر المجنح”، وهو أيضًا اسم الكتاب الذي أصدره حلمي عن الشاعر أمل دنقل.
ويقرأ الناقد المهم تجارب الشعراء الكبار والحداثيين، سعدي يوسف والسياب وأدونيس والبياتي وقباني وتوفيق زياد ودرويش ونازك.
كما يدرس تجارب زملائه الشعراء الشباب في موجة القصيدة النثرية في مصر:
حسن طلب وقنديل وأبو سعدة وعبدالمنعم رمضان، وأحد أبرز رموز القصيدة الحديثة محمد عفيفي مطر.. ومحمد عفيفي شاعر حداثي كبير له تأثير على الرموز الشابة في أصوات مجموعة (إضاءة 77)، وبرز تأثيره الكبير في الشاعرين علي قنديل وحسن أحمد اللوزي.
ويحتوي الكتاب النقدي المهم على دراسة ضافية لتجارب هؤلاء المبدعين، والنزعة الإنسانية الداعية للتفتح والنقاش والتسامح واحترام حقوق الإنسان.
يدرس حداثة التعذيب عند محمد عفيفي مطر، وهذا الشاعر الكبير تعرض لتعذيب قاسٍ وأليم بقيت آثاره على جسده، كما يقرأ الكتابة النسوية والتمييز ضد المرأة ونقد قانون الحسبة الذي فتح الباب لقمع الحريات ومصادرة الإبداع والتنكيل بالأدباء والشعراء والمثقفين.. لقد كان واسع الاطلاع، قوي الحجة.
كنت حاضرًا ندوة النقاش التضامنية لقصيدة “شرفة ليلى مراد”، قدم الناقد شعبان يوسف قراءة نقدية للقصيدة والمأساة أن هذا الأديب والمثقف المتعدد المواهب والشجاع تحاصره المتاعب، فمن الملاحقات والاتهامات الجزاف إلى الأمراض الفتاكة من البلهارسيا التي أكلت الكلى إلى سرطان الرئة. وظل حلمي سالم شامخًا وعاشقًا للحرية والحياة والجمال.

نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.

   
 
إعلان

تعليقات