Accessibility links

إعلان

وضاح عبدالباري طاهر*

الحسين بن الصديق الأهدل، محدث، وأديب، وشاعر.. ولد بأبيات حسين سنة 850هـ، وأخذ عن أبي بكر بن قعيص، وأبي القاسم بن مطير، وقرأ على الحافظ العامري الأمهات الست، وأخذ عن المؤرخ الحافظ السخاوي، وأثنى عليه في تاريخه (الضوء اللامع) بقوله: «فاضل بارع في علوم، ناظم مفيد، حسن القراءة والضبط، لطيف العشرة، متودد، قانع، عفيف».

ولد حسين بن الصديق سنة 850هـ، وتوفي سنة 903هـ في مدينة عدن، وإليه تنسب الحارة التي في كريتر المشهورة بـ (حافة) حسين، وفيها مسجده الشهير بمسجد حسين، وكذلك قبره.

ترجمه المؤرخ عبدالقادر العيدروس في كتابه (النور السافر عن أخبار القرن العاشر)، ص27 فقال عنه: “الصوفي الأديب الحافظ المحدث البارع في أشتات العلوم”. 

وترجمه تلميذه المؤرخ الطيب بن عبدالله بامخرمة في كتابه (قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر)، ج3، ص3691، فقال: “شيخنا، كان عارفًا بمتن الحديث. قرأ على الإمام الحافظ يحيى العامري الأمهات الست وغيرها من كتب الحديث، ثم عزم إلى مكة ملازمًا لمجالس الفقه والحديث، ثم إنه تصوف ولبس الدلق وحمل الزنبيل”.

وقد ذكر العلامة أبو بكر بن أبي القاسم الأهدل في كتابه (نفحة المندل)، ص340 أن حسين بن الصديق كان مسندًا للحديث، مصنفًا مجيدًا، ناظمًا ناثرًا، وأنه أخذ التصوف عن عمر بن أبي القاسم الأهدل الملقب بخزانة الأسرار. ومن جملة الآخذين عن حسين بن الصديق عمر المشرع الأهدل صاحب المقام المشهور بمدينة الحديدة.

وذكر المؤرخ محمد بن عبدالله بافقيه في كتابه (تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر)، ص32: أنه كان يسعى بين الدولة والعرب المفسدين بالدية والصلح، ثم دخل عدن، وصاهر الكتاب بني إسحاق.

وقد أخطأ الدكتور محمد كريم إبراهيم الشمري في بحثه الذي نشره في مجلة (التواصل) الصادرة عن (دار جامعة عدن) العدد الثاني عشر، يوليو 2004م، بعنوان (من أولياء الله الصالحين في ثغر عدن المحروس الحسين بن الصديق بن عبد الرحمن الأهدل) ص62 – حين رجح أنَّ ولادة حسين بن الصديق الأهدل في سنة 805 هـ، وهذا تاريخ في غاية البعد بالنظر إلى تاريخ ولادة جده العلامة المؤرخ الحسين بن عبدالرحمن الأهدل، وهو عام 779هـ! أي أنه ولد ولجده من العمر ستة وعشرون سنة! والصواب هو ما ذكره أستاذه السخاوي في (الضوء اللامع) والسيد المؤرخ محمد الطاهر البحر في تاريخه (تحفة الدهر) أنَّ ولادته في سنة 850هـ. ولعل الدكتور محمد كريم قد اعتمد على ما ذكره الشلي في تاريخه (السناء الباهر في أخبار القرن العاشر) من أنَّ ولادة حسين بن الصديق في سنة 805 هـ، وما هو إلا وهم ظاهر.

كان حسين بن الصديق الأهدل من كبار الصوفية، وقد عرف الصوفية، وخاصة المتشرعين منهم بمعرفتهم العميقة بالدين وبمقاصده السامية؛ فاشتهروا بتسامحهم، وبعد نظرهم والرأفة بالخلق. وفي الوقت الذي نرى الفقيه الكبير شيخ الإسلام والذي كان يلقب بالشافعي الصغير، وهو الإمام عبدالله بن عمر بامخرمة يفتي امرأة أتته تسأله في أشهر عدتها لوفاة زوجها: هل يجوز لها أن تدهن رأسها؟ فأفتاها بعدم الجواز، فذهبت إلى والده الشيخ الصوفي الكبير عمر بامخرمة وأخبرته، فقال لها: يجوز، ادهني رأسك، ثم أنشأ أبياته التي يقول ويخاطب فيها ولده: 

يا سويلم أرى القاضي يعسر على الناس* ما تغاضى لهم حتى على طرقة الراس

ليش يلقي كذا والدين فيه الانفاس* ما قرا الروضة التي نصها يذهب الباس

وابرز البارزي من ضوء شعلته نبراس* وابن عبد السلام أفتى وفي قوله إيناس

إن قرعه الحسن يأخذ طريق ابن عباس..

وهكذا كان قبله العلامة الصوفي حسين بن الصديق، ففي قصيدة له يخاطب فيها العلماء يقول فيها:

يا سادة الناس ياهل الشرائع* ياهل الأمانات واهل الودائع

وفيها يقول: 

وللوسائل حكم المقاصد* كما يقولون أهل القواعد

والشرع واحد والرب واحد * شرع لنا ووسع المشارع

سهل ويسر ورخص وخفف* وما علينا حرح وعنف

كان الشيخ حسين الأهدل كثير المحبة والإجلال للشيخ الكبير أبو بكر العيدروس صاحب المقام المشهور في عدن.. يحكي العلامة بحرق في كتابه (مواهب القدوس): إني قلت له مرة: إن أحوال سيدي الشيخ أبي بكر أشكلت علينا، فقال: دعها تحت حجابها مستورة بسحابها، فلو أشرقت شمسه لأحرقت الوجود كله. أما ترانا نقف على أبوابه، ونكتفي بتقبيل أعتابه”.   

مختارات من ديوان حسين بن الصديق المخطوط:   

فمنها قصيدته التي قالها عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ياليت شعري ألي قبولُ؟!

وهل إلى السول لي وُصولُ؟!

وهل لحسن الرجاء صدقٌ؟

أم لا، وهل للمنى حصول؟!

لا خيب الله حسن ظني

فإن ظني به جميلُ

قال: أنا عند ظن عبدي

يظن ما شاء فضلي جزيلُ

يا أكرم الأكرمين إني

  ضيفٌ لخير الورى نزيلُ
ُ


والضيف عند الكرام يُقرَى

  وذاك حقٌ له قليلُ

فأنتم أهلٌ لكل فضلٍ

فما ورا فضلكم فضولُ

فأحسنوا يا كرام نزلي

أنتم بكم يحسنُ النزولُ

وبلغوني انتهاء سولي

وسؤلي الفضل والقبولُ

فأوصلوني بكم إليكم

تفضلوا سادتي وطولوا

وأقبلوا بالقبول نحوي

تُرضى فعالي وما أقولُ

يا كامل الوصف كملوني

فلي بتكميلكم كمولُ

وواصلوني وأسعدوني

سعداً مدى الدهر لا يزولُ

وأهلوني لكل خير

إني بتأهيلكم أهيلُ
ُ
واكفوني الهم يا موالي

وكل ما كان لي يهولُ

ولاحظوا بالصلاح حالي

إلى متى الحالُ بي يحولُ؟

واجمعوا لي شتات شملي

بوصل رحم لها شمولُ

وكيف ما كنتُ لي فكونوا

  مالي بكم سادتي بديلُ

لا تهملوني ولا تضيعوا

وإن تروا عثرةً أقيلوا

وكل ذا هينٌ عليكم

بحقكم سادتي أنيلوا

ياسيد الرسل كن شفيعاً

  يا أعظم الخلق يا خليلُ

ياخاتم الأنبياء يا من
 
في جاهه بسطةٌ وطولُ

يا أوجه العالمين وجهاً

  أنت زعيمٌ لنا كفيلُ

وقد أتيناك من بلادٍ

من دونها الوعْرُ والسهولُ

تطوي المطايا بنا الفيافي

وقد طوى جلدها النحول

والشوق سوق لها وحث

ونحن من فوقها نجولُ

ببرد برد الرجا اشتمال

لنا ومن ذكرهم شمول

ويلفح الَحرُّ حُرَّ وجهٍ

عن وجهة القصدِ لا يميلُ

حتى وصلنا إليك نرجو

صلاة جدواك ياوصولُ

يابرُّ با بحرُّ جُد ببرٍّ

ياصفوة الرب يا رسولُ

فقابلونا بما قدرتم

  كلٌّ على قدره يطولُ

وافعل بنا ما له أنت أهلٌ

فأنت للمرتجى فعولُ

بالله بالله لا تضعنا

فلم يضع عندك النزيلُ

إن قيل زرتم بما رجعتم

يا سيد الرسل ما نقولُ؟!
؟!
قولوا: رجعنا بكل خيرٍ
 
واجتمع الفرعُ والأصولُ

…. ….
أنت بشير فكل بشرى

ينشر فيها لنا القبولُ

ويجمع الخير والمزايا

  لنا بها ما يفوت سُولُ

وحسبنا الله من جفاكم

ومن قِلاكم هو المقيلُ

الله حسبي كفى وكيلي

نعم هو الحسب والكفيلُ

عليك من ربنا صلاةٌ

للآل في وصلها شمولُ

وفي أبيات له حمينية:

يا ريم يالعوب* يا خود ياعروب* عويشقك يلوب

عليك شايذوب* ودمعته سكوب* في الخد كالشعوب

وليس بالكذوب* كلا ولا لهوب* والله يا رداح

يا زينة الملاح* ما في هواك جناح* بل للقلوب صلاح

وقال:

ألا يالله بنظرة من العين الرحيمه   تكن للعين قره* وللنعمة مديمه

وتجلب للمسره* وتأتي بالغنيمه* وكم له من مبره* ومن نفحة كريمه

وكم يسرت عسره* ونحيت من مضيمه* بألطاف وقدره* على الأشيا عظيمه

إذا ما ضاق صدري* دعوت الله ربي* ييسر كل عسر* ويذهب كل كربي

له حمدي وشكري* وهو عوني وحسبي*… 

توشيح

يا من يقيل العاثرين* ويا دليل الحائرين* أنت العليم بالشاكرين

ويعلم كل خطره* من النفس المليمه* عسى للكسر جبره

بحاله مستقيمه* فيا مولى الموالي* تولى جبر كسري

ويا عالم بحالي* إليك فوضت أمري… 

من تآليفه:

  • ارتياح الأرواح منتخب مفتاح الفلاح بذكر الله الكريم الفتاح.
  • النظم المبتدع في علمي الخط المتبع والمخترع.
  •  بغية الظريف في المولد الشريف، وشرحه العلامة إبراهيم بن زياد.
  •  مختصر تاريخ جده البدر الأهدل تحفة الزمن.
  • ديوان شعر.
  • مختصر قمع النفوس، للمحصني.
  •  ومختصر سفر السعادة، للفيروزبادي.

انظر ترجمته في: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع لمحمد بن عبدالرحمن السخاوي، (3/144-145)، ونفحة المندل بذكر بني الأهدل (مخطوط) لأبي بكر بن أبي القاسم الأهدل، ورقة رقم 169، والنور السافر للعيدروس، ص27، وغاية الأماني في أخبار القطر اليماني، ليحي بن الحسين بن محمد المؤيد، 2/624، وروح الروح فيما جرى بعد المئة التاسعة من الفتن والفتوح، لعيسى بن لطف الله شرف الدين، ص6، ومصادر الفكر الإسلامي في اليمن، للحبشي، ص98، و335، ومساجد اليمن: نشأتها، تطورها، خصائصها، لمحمد زكريا، ص 13، وبحث مطول عن حسين الأهدل للأخ الفاضل الباحث عبدالقادر المحضار.

كاتب يمني

   
 
إعلان

تعليقات