Accessibility links

إعلان

عبد الباري طاهر*
(حال الأُمّة) تقرير سنوي دأب «مركز دراسات الوحدة العربية» على إعداده سنويًّا أستعيره هنا كعنوان، وهو تقرير ضافٍ عميق وشامل يُشخّص حال الأمة العربية، ويشترك في إعداده باحثون ومختصون من أقطار الوطن العربي.

أحداث الأمة العربية منذ انبلاج فجر الثورة الشعبية السلمية في تونس عام 2011، وامتداد أنواره إلى ميدان التحرير في مصر، فسوريا، والبحرين، وليبيا، واليمن – هي الحدث الأكبر في تاريخ الأمة في فاتحة القرن الواحد والعشرين.

الثورة الشعبية السلمية في أهم مدن ومراكز الحضارة العربية لا تزال مشتعلة رغم ما واجهته وتواجهه من ارتدادات وعنف أعمى ومدمِّر.

الثورة العربية السلمية تدفِن، وإلى الأبد، ثورات العنف والدماء، وتهيل التراب على الانقلابات العسكرية الخائبة التي كمّمت الأفواه، وجعلت حق القوة فوق إرادة الأمة، وضدًّا على قوة الحق.

الثورة العربية السلمية في غير منطقة أزرت بالتعريف العلمي للأمة: (الأرض الواحدة، والاقتصاد المشترك، والتاريخ، والتكوين النفسي العام، والمصير الواحد).. أزرت به؛ لأنه ما إنِ اشتعلت الشرارة في تونس إثر اعتداء الشرطة على بائع متجول، حتى سرت بسرعة البرق إلى عواصم التمدن العربي، وهي لا تزال خبيئة تحت الرماد في عديد من البلدان العربية.

الثورة السلمية حوّلت عواصم المدن العربية إلى ما يُشبه شوارع المدينة الواحدة؛ فهي تخفت في شارع، لتشتعل في شارع آخر.. انتصارها في تونس والسودان يُمهّد لانتصارها في الجزائر، وانطلاقتها في العراق تؤذن بامتدادها إلى الجزيرة.

فلسطين هي المبتدأ والخبر؛ فانتفاضتها الأولى 1987 هي الموقِظة للانتفاضات في عموم المنطقة العربية كلها.

تقود فلسطين منذ أكثر من عام مسيرة العودة الكبرى، وتؤكد هذه المسيرة المحاصرة بالقوة الإسرائيلية الفاشية والمدعومة أميركيًّا والمحاطة بتواطؤ النظام العربي، وبانقسام فلسطيني بين سلطة فاسدة، وأخرى مؤدلجة لا تمتلك رؤية حركة تحرُّر وطني – صلابة الإرادة الفلسطينية.

أعداء الأمة العربية وأعداء الثورة الشعبية السلمية هم مَن يقود الحرب ضد هذه الثورة؛ ففي الجزائر يحاول قائد الجيش الإبقاء على جوهر وطبيعة النظام، وفي مصر جرى احتواء الثورة وعسكرتها بعد أسلمتها، وفي سوريا شنّ النظام الحرب عليها، وتدخلت تركيا وإيران وروسيا لدعم الحرب مع وضد النظام، ورفدت المليشيات الإرهابية الممولة والمدعومة من إسرائيل وتركيا ودول الخليج، وعندما فشلت المنظمات الإرهابية الآتي بعضها من بلدان عديدة، وبالأخص من البلدان العربية، عن تجزئة سوريا – تدخلت القوات التركية للاستيلاء على أجزاء واسعة في شمال وشرق الفرات، وتخلّت أميركا عن الحليف الكردي الذي راهن عليها، والكارثة أن الوضع السوري المنقسِم يسهم في إفساح السبيل أمام التدخل الأجنبي لتدمير سوريا، وتُوَاجَه الانتفاضة في العراق بعنف أعمى ومتفلّت يودي، خلال ثلاثة أيام، بحياة أكثر من مائة قتيل وآلاف الجرحى، ويتواصل القتل، وتتواصل الانتفاضة؛ لتُعبّر عن رفض حكم المليشيات الطائفية، وتقاسُم السلطة، والفساد المستشري، والاستبداد، والنفوذ الأميركي والإيراني.. أما اليمن، فإن ربيعها العربي قد تم الانقضاض عليه منذ (جمعة – مذبحة الكرامة)18 مارس 2012 ، التي قُتل فيها أكثر من خمسين في شارع الدائري، وأدت إلى تصدّع السلطة، وانضمام الجنرال علي محسن الأحمر ومعه الأحزاب الكبيرة، ونصف سلطة صالح إلى الميادين في المدن؛ فكانت بداية الانحراف.. وكردٍّ على تمرد الجنرال محسن، قاد صالح، بالتحالف مع أنصار الله الحوثيين، انقلابًا في 21 سبتمبر 2014؛ لتدخل اليمن – كل اليمن – في حروب أهلية وتدخُّل إقليمي مدعوم دوليًّا.

الأمة العربية كلها متعطشة لرياح ربيع عربي يجتثّ جذور أنظمة الفساد والاستبداد، وينتصر للانتفاضة الفلسطينية التي قادها أطفال الحجارة عام 87، وجرى الالتفاف عليها بما يُشبه التواطؤ.

المظاهرات في العراق رفضٌ وإدانة للنفوذ الأميركي الإيراني، وللتقاسم الطائفي، وتسيّد الفساد والاستبداد، والوضع في سوريا مأساوي حدّ الكارثة، وهدفه الأساس تفتيت سوريا، وتدمير كيانها، وتبقى اليمن في انتظار أمطار السلام كوعدٍ حقيقي للإرادة اليمنية في الحرية والديمقراطية والوحدة والعدل الاجتماعي.

من جديد تشهد الانتفاضة العربية السلمية حالة اشتعال جديدة تعُمّ جُلّ المدن العربية، وهي بالأساس موجهة ضد الطغاة المحليين، وضدّ التدخل الأجنبي الإيراني التركي، وضد الاستعمار.

تنتصر الانتفاضة في تونس؛ فتشتعل في لبنان، ويتم التوافق في السودان؛ لتتجدد في العراق؛ فهذه الانتفاضة تُعبّر، أعمق تعبير، عن مقولة الزعيم الصيني ماو: “رُبَّ شرارة أشعلَت السهل كله”.. والوطن العربي كله سهلٌ تضطرم فيه الانتفاضة بعد أن تغوّل الفساد، وشاخت النُّخب السياسية، وتفشّى الجوع، وعمّت البطالة، وأُهدِرت الكرامة، وهي قد تنحسر في هذا القُطر أو ذاك، وقد تنتكس هنا أو هناك، وقد تهمَد أو تُحاصَر، ولكنها تبقى الوعد الآتي، والظاهرة الكونية التي ترسم ملامح القرن الواحد والعشرين.

,

   
 
إعلان

تعليقات