Accessibility links

إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*
الاسم الذي يتداوله الكثيرون لأيّ (حواء) صغيرة أو كبيرة، أما الاسم الذي أُطلق عليها عند ولادتها فهو سر، أو عيب، وفي أقل تقدير من غير اللائق اجتماعيًّا تداوله، وهذا أصل الحكاية التي طوال تفاصيلها، إذ يفضل أن تتوارى المرأة وراء تلك الكنى، فما بالنا أن يكون لها وثيقة باسمها وبياناتها.

في اليمن إن لم تكن المرأة طالبة جامعية أو موظفة، ولم يحدث أن سافرت خارج اليمن، ففي الغالب هي بلا بطاقة شخصية، أو جواز سفر، أو أي أوراق ثبوتية، والاستثناء قليل، ولا يخلو من اضطرار.

وفقًا للمادة (49) من قانون الأحوال المدنية اليمني يجب على كل شخص من مواطني الجمهورية اليمنية بلغ السادسة عشرة أن يحصل من إدارة الأحوال المدنية والسجل المدني الذي يقيم في دائرتها على بطاقة شخصية فإذا أصبح المواطن رب أسرة وجب عليه أن يقدم بطاقته الشخصية إلى إدارة الأحوال المدنية والسجل في دائرته للحصول على بطاقة عائلية.
ومن النص فإن الحصول على البطاقة الشخصية أمر واجب على كل مواطن ومواطنة، وبالرغم من أن هناك المئات وربما الآلاف من الرجال بلا وثائق ثبوتية، وهم حرفيًّا غير مرتبطين بالدولة بعمل أو معاش تقاعدي أو تأمين طبي، يعيشون على حِرفهم وأعمالهم الخاصة، ومن وجهة نظرهم ليس هناك ما يستدعي أن تكون لأيّ منهم بطاقة شخصية، أو أي أوراق ثبوتية والاضطرار وحده هو ما يدفع أمثالهم لاستخراج بطاقة شخصية أو جواز سفر.

لكن بين النساء الظاهرة منتشرة بشكل أكبر، مئات الآلاف من النساء في طول البلاد وعرضها بلا أوراق ثبوتية، بلا أي وثيقة تعطي عنهن بيانات، أو تثبت وجودهن أصلاً.

الموضوع ثقافي اجتماعي قانوني: ثقافيًّا، وجود الأوراق الثبوتية ليس أمرًا ذا أهمية على مستوى التعريف بالأشخاص؛ لأن المجتمع يعتمد طرقًا أخرى للتعريف بالناس، ليست هذه الوثائق محل اعتزاز وحرص، بدليل أن كثيرين ممن لديهم هذه الأوراق يتحركون بدونها، والأمر مرتبط في الأساس من الميلاد: فكم الأسر التي تحرص على استخراج شهادة ميلاد للمولود ذكرًا كان أو أنثى بعد الولادة؟ والإجابة أن العدد أقل بكثير مما نتوقع، ويظل المولود بلا شهادة ميلاد، ويبدأ أخذ التطعيمات ويصبح كرت التطعيم بمثابة شهادة الميلاد، ثم يدخل الطفل المدرسة بهذا الكرت غالبًا، وكلنا يذكر أن المدرسة للتأكد من السن التقريبي للكثيرين كانت تطلب من الطفل لمس أذنه بيده للاستدلال على عمره، واجتماعيًّا ما زال الكثيرون يعيبون التصوير للنساء كما يعيبون دخول النساء لمصلحة الأحوال المدنية، ويعتبرون أن النساء لسن بحاجة للبطاقة أو أي أوراق ثبوتية، فهم يتولون عنهن كل شيء، ويعرّفون بهن في كل المواقف التي تستدعي ذلك، وتعرف الواحدة منهن بنت فلان أو عائلة فلان، أو أم فلان، أو بيت فلان، ونعرف أن هذه المحاذير الاجتماعية تتلاشى في المواسم الانتخابية، حيث تجيّش النساء من كل حدب وصوب للتسجيل في قوائم السجل الانتخابي، الريف والحضر والسهل والوادي والساحل والجبل، الجميع يذهبون بكل النساء من مختلف الأعمار للتسجيل، الإلزام هنا سياسي ومجتمعي ووجاهي، تدفع الوجاهات الاجتماعية والدينية والمشايخ والشخصيات الاجتماعية الأسر لتسجيل كل النساء بما فيهن الطفلات، ونعرف جميعاً كيف يتم تقدير الأعمار وكم الضغوط التي تحدث على اللجان الإشرافية للتسجيل لعدم وجود ما يثبت أن هذه الفتاة أو تلك في السن الذي يعطيها حق الاقتراع، وأورد هذا المثل فقط للتدليل على أن المحاذير الاجتماعية تتلاشى متى ما وجد الضغط الاجتماعي.

وقانونيًّا؛ برغم النص القانوني الذي يوجب ضرورة تسجيل المواليد والوفيات وحالات الزواج والطلاق والوفاة، ويوجب الحصول على البطاقة الشخصية لكل من بلغ السادسة عشرة من العمر ذكرًا أو أنثى، إلا أن هذا الوجوب لا يترتب عليه أي عقوبة في حال عدم وجود هذه الوثائق، ولا يلجأ الأفراد لتوفيرها إلا بسبب الاضطرار. ويتحرك الشخص بالبطاقة الانتخابية أو العسكرية، أما المرأة فهي بنت فلان أو عائلة فلان أو أم فلان، وهذا يكفي للتعريف بها مجتمعيًّا، ولكنها بهذا الوضع بلا وجود رسمي موثق، فلا يمكنها أن تعمل عملاً منظمًا، أو تبدأ عملاً خاصًّا، أو تحصل على قرض، أو تفتح حسابًا في بنك، أو تنجز أي شكل من أشكال المعاملات.

 وفقاً لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان في نوفمبر 2020م، فإن هناك في محافظة ريمة ما يزيد عن 100 ألف امرأة بدون أوراق ثبوتية، وخلال الفترة من 2007 إلى منتصف العام 2021 بلغ عدد من استخرجن بطاقات شخصية في المحافظة 4850، وفي كثير من المحافظات اليمنية ستكون التقديرات مشابهة تزيد أو تقل، لكنها ستقول إن أغلب النساء بلا أوراق ثبوتية، ولنفس الأسباب الاجتماعية والثقافية، وقد يقول البعض هل هذا الوقت المناسب لطرح مثل هذه القضية ونحن في ظل حرب؟

أولاً؛ هذا حق وواجب في الوقت نفسه، وثانيًا؛ المرأة في ظل الحرب أحوج للأوراق الثبوتية، فثمة تغيرات كثيرة ومستحدثات دفعت النساء لسوق العمل، والتنقل والسفر، وهي أمور تتطلب وجود أوراق ثبوتية، وبدونها يصبح إنجاز أي معاملة أو عمل غير ممكن، وأقرب مثل الحصول على المساعدات الإغاثية، أو الحصول على ترخيص لبدء عمل خاص، ومع موجات النزوح الواسعة يصبح حمل النساء للأوراق الثبوتية أكثر أمنًا وأهمية منه في حال الاستقرار، وفي كل الأحوال والظروف لا بد أن يصبح الحصول على البطاقة الشخصية واجبًا فعليًّا للنساء والرجال كما هو منصوص عليه قانونيًّا، ولا يتحرك أي شخص إلا وهو يحمل ما يثبت هويته، وفي دول كثيرة هناك عقوبة على من يتحرك بدون بطاقته الشخصية.

من المهم أن يتحول الأمر لقناعة بأن هذا حق وواجب، وأن بنت فلان، وعائلة فلان، وأم فلان هي إنسانة لها اسم وهوية وبطاقة تثبت وجودها، وتتضمن بياناتها، ومن المهم أيضًا أن يصبح استخراج البطاقة الشخصية أمرًا ميسرًا، وبرسوم رمزية، وبمجرد ولادة المولود ذكرًا أو أنثى تستخرج شهادة ميلاده التي هي بداية الحكاية. 

* أكاديمية وكاتبة يمنية

   
 
إعلان

تعليقات