Accessibility links

بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس التجمّع الوحدوي.. الجاوي الذي عرفْت


إعلان

عبدالباري طاهر*

أول مرة عرفته في صنعاء عام 1967م، استأجرَ ومحمد عبدالولي منزلاً في القاع، قريبًا من منزل رئيس الجمهورية المشير عبدالله السلال، وكان عبدالقادر سعيد أحمد طاهر يحلُّ ضيفًا عليهم كلما طلع من تعز.

كان مقيله ينافسُ مقيل مساوى أحمد الحكمي والأستاذ علي لطف الثور.. في العامين (63 و64) كان يدور الخلاف هل تطلع صحيفة (الثورة) إلى صنعاء أو تبقى في تعز، كان التنافس بين حركة القوميين والماركسيين.. أعمدة الثورة (الصحيفة) في تعز جلّهم من القوميين: أحمد طربوش، وسالم زين، وسعيد الجناحي، ومالك الإرياني، والبركاني، وعز الدين ياسين.

في تعز تولى الرئاسة أولاً أحمد طربوش كتوثيق الباحث الصحفي عبدالحليم سيف، وبعده سالم زين محمد، وفي صنعاء تولى رئاسة التحرير مالك الإرياني.
يذكر الباحث الصحفي عبدالحليم سيف أنه، ومنذ العدد الخامس، صدر العدد برئاسة أحمد طربوش الشرجبي، وهو قيادي ناصري، أجرى معه الزميل حليم مقابلة، وجرى تكريمه في العفيف.

إنّ أفضل من يتحدث عن الثورة سعيد الجناحي كأحد المشاركين والموثِّقين، والأستاذ عبدالحليم سيف كدارسٍ وباحث.

بعد العودة من موسكو عام 1966 كان الجاوي من أكثر الشباب نشاطًا وفاعلية وتأثيرًا، كان يوزِّعُ وقت عمله في الوكالة (وكالة سبأ للأنباء)، أو في الجامع الكبير للاطلاع، وقراءة مجلة (الحكمة) التي كان مهتمًّا بها.

في الأعداد الأولى لصحيفة (الثورة) كان الجاوي من أهم الداعين للتصدي لأعداء الثورة والجمهورية، والمدافعين عن الدسترة والقانون.. أسهم الجاوي في تأسيس وكالة سبأ للأنباء، كما ساهم في تطوير خطاب (الثورة) بكتاباته، وإبان ترؤس تحريرها بعد انسحاب المصريين، وبداية إطباق الملكيين على صنعاء، وفرْض الحصار، كان الجاوي في طليعة الداعين إلى تشكيل المقاومة الشعبية لمساندة القوات المسلحة والأمن في حماية صنعاء – عاصمة الثورة والجمهورية – في حصار السبعين يومًا.

حمل الجاوي السلاح، وكان عضوًا في قيادة المقاومة إلى جانب سيف أحمد حيدر كممثلين للماركسيين المستقلين حينها، وترأسَ في تلكم الفترة رئاسة تحرير صحيفة الثورة حتى العام 68، فقاتل في السبعين يومًا بسلاح الكلمة والموقف والسلاح.

كان الجاوي شجاعًا في مواجهة أعداء الثورة والجمهورية بقدر شجاعته في نقد رفاق السلاح من كبار الضباط والحركيين والبعث في قيادة المقاومة.

في كتابه حصار صنعاء درس عميقًا الموقف من اللجنة الثلاثية التي قرأ فيها العمل لعودة الملكيين في ثوب لباس “الأطراف المعنية”، وانتقد شعار من وقف ضد الملكيين بالسلاح فهو معنا، ومن وافق على انقلاب الـ 5 من نوفمبر فهو ضدنا.

كان الجاوي دقيقًا في تحديد الخصومة السياسية، وفي نقد المفاهيم الخاطئة، وكان يميّزُ ما بين النشاط الحزبي، والعمل السياسي الشعبي الواسع والعام.

بعد أحداث أغسطس كان الجاوي مطلوبًا لِما هو أخطر من الاعتقال. اختفى في منزل صديقه الأستاذ عبدالله الوهابي، وقليل من كان يعرف مكان اختفائه.
زرته عدة مرات مع الفقيد إبراهيم فتيني، وترك صنعاء إلى الحديدة أولاً متخفيًا في منزل رفيقه عبدالعزيز الأغبري.
كان الجاوي وهو مختفٍ يُعِدُّ دراسة عن حركة القوميين العرب، وأخرى عن التيار الماركسي، ولم يكملهما.. أكمل الزميل عبدالقادر هاشم الدراسة عن التيار الماركسي، ولا أذكر من أكمل الدراسة عن حركة القوميين العرب.

كان الجاوي مسكونًا بتجربة العمل النقابي، وبالصحافة النقابية العمّالية التي أعد فيها رسالته للماجستير (الصحافة النقابية في عدن 57 – 67)، واحتفل بتجربة الدعوات الإصلاحية الإحيائية والتجديدية في مجلة (الحكمة اليمانية) التي أصدرها الأستاذ أحمد عبدالوهاب الوريث، وعكف على قراءتها عدة أشهر في الجامع الكبير.

كان مأخوذًا بتجربة المقاومة الشعبية، وأعدّ كتابه (حصار صنعاء)، ويُعتبر كتابه، وكتاب الشهيد جار الله عمر القيمة التاريخية لمعارك حصار السبعين من أهم الوثائق، وإنْ تناولا التجربة من موقعين مختلفين؛ فقد ناقش جار الله عمر الحصار كضابطٍ مقاوم في الجبهة الشمالية لصنعاء، والتي تُعَدُّ أخطر الجبهات في مواجهة قاسم منصر، أقوى المهاجِمين الملكيين، أما الجاوي فيتناول الأبعاد المختلفة للحصار.

لا أتذكرُ حين أنزل عند الجاوي، سواء في صنعاء أو عدن، إلا والكتاب في يده، وكانت الموسوعة الإنجليزية من أهم المَراجع لديه، وكانت قصائد الزبيري الأحب إلى قلبه

يوم من الدهر لم تصنع أشعته

شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا

وثّق الزميل الصحفي الفقيد علي العلفي لتجربة الحصار، ودوَّنَ العديد من الوثائق، إضافة إلى عدة مقابلات مع شخصيات مشاركة، وكتاب الأستاذ فتح الأسودي (الحصار والانتصار) تدوين مهم لمشاركٍ سياسيٍّ من موقعٍ مدنيٍّ للتجربة بموضوعيةٍ وصدقٍ، كما أنّ كتاب الفقيد علي محمد هاشم يغطي جوانب مهمة في تجربة الصمود كنائبٍ لرئيس الأركان، ومن موقِعٍ سياسيٍّ شأن كتاب الفقيد حمود ناجي – أحد أبطال الحصار.

كان الجاوي في حياته العامة يبدو فوضويًّا إلى أبعد حدٍّ، ولكن التزامه لا يبارَى، فما إنْ يأتي وقت الكتابة حتى يقومُ إلى مكتبه، وهو يملكُ ذاكرة ذهبية يدوِّنُ أقوال علي ابن زايد، وهو من أوائل مَن اهتم بكتاب الروسي اناتولي أجارشيف، كما اهتم بأقوال الحميد بن منصور، وكتب عنهما في الحكمة.

يمتلكُ الجاوي حسًّا إنسانيًّا رفيعًا، وتواضُعًا قَلّ نظيره، وخبرة بالحياة والناس، واطّلاعًا واسعًا على التاريخ، يكره الديكتاتورية والفساد، مبادر للقضايا الوطنية وما ينفع الحياة والشعب، دافعَ عن ضحايا القمع في الشمال والجنوب، انتظم باكرًا إلى “حدتو” مع رفاقه خالد فضل منصور، وأبو بكر السقاف، وعبدالغني علي، وطاهر رجب، وآخرين من طلاب القاهرة في خمسينيات القرن الماضي كشهادة الدكتور أحمد القصير.

في عدن لم يكن على وفاق مع بعض قيادات التنظيم السياسي، ولكنهم كانوا يقدِّرون مواقفه، ويحترمون رأيه.
لم يستقر في الوظائف التي عمل بها: وكالة أنباء عدن، التلفزيون، وكان العمل الأهم اللجنة الدستورية إلى جانب الأستاذ الجليل محمد عبدالله الفسيل، وقد أنجزا، إلى جانب الدكتور عبدالرحمن عبدالله (الخبير الدستوري) أخطر وثيقة أسستْ للوحدة، كان الجاوي والدكتور عبدالرحمن عبدالله “ضمد”، بالمفهوم اليمني؛ فلا تراهما إلا معًا، والجلسة معهما متعة، خصوصًا إذا ما كان معهما الصومالي حامد، فجلساتهم علمٌ وحلمٌ وصفاء.

منذ سبعينيات القرن الماضي بدأ الحديث والاتصال واللقاءات المتواصلة لتأسيس اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين، ولتحقيق الغاية النبيلة، كوَّنَ لجنة تحضيرية من مختلف الأفق الفكري والثقافي والأدبي، وأصدر (الحكمة) عام 1970م؛ لرصِّ صفوف الأدباء لتأسيس الاتحاد الأدبي.

كان الجاوي حريصًا على الوحدة عبْر الحوار السياسي، وتوحيد المنظمات الشعبية والمدنية. كان ضد انفصال الأحزاب على أساسٍ شطري، وضد تأسيس المنظمات الجماهيرية والإبداعية على الأسس الشطرية. خاض ومعه الأستاذ أحمد قاسم دماج وعبدالله الوصابي معركة مع الأستاذ عبدالله الخامري لتوحيد الصحفيين أُسوة بالأدباء، ولكن رأي الخامري انتصر في النهاية لاختلاف مهام المنظمتين، وارتباط الصحفيين بالعمل السياسي اليومي المعبِّر عن سياسات نظامين مختلفين، بل ومتصارعَين.

في مجلة (الحكمة) التي رأس تحريرها فتَحَ عدة ملفات: القصيدة، القصة، النقد الأدبي، واهتم بحوارات الوحدة اليمنية، وقبلاً كان الجاوي والدكتور عبدالرحمن عبدالله رجلا إطفاء الحرائق؛ فقد لعبا الدور المهم في التواصل مع القيادتين الشطريتين في صنعاء وعدن لوقف الحرب، والتمهيد لاتفاقية القاهرة وبيان طرابلس.

ملف الوحدة فتحه الجاوي عام 74 بنشر مقالٍ له بعنوان (فهْم الوحدة اليمنية)، وأُعيدَ نشر المقال في (الشبيبة)- مجلة الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وشاركَ في النقاش الدكتور عبدالرحمن عبدالله، وشاركَ في الملف الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وإسماعيل الشيباني من التنظيم السياسي، وأنيس حسن يحيى – الأمين العام للطليعة الشعبية، والأستاذ علي باذيب عن الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وسلطان أحمد عمر – السكرتير الأول للحزب الديمقراطي الثوري، وعبدالعزيز عبدالولي، ومحمد علي الأكوع، ومحمد يحيى الحداد، وفؤاد غاشير، وسلطان ناجي.

الجاوي الوحدوي والداعية للتعددية السياسية والحزبية كان المبادر لتأسيس التجمع الوحدوي، واعترضَ على التقاسم، وعدم توفر الأسس الكفيلة بثبات الوحدة وديمومتها، وقاومَ الانفصال، ودانَ الحرب، وظل ثابتًا على موقفه الداعي إلى تجريم الحرب، وإدانة الانفصال.

الجاوي والدكتور عبدالرحمن عبدالله هُما مِن أوائل الدعاة إلى التعددية السياسية والحزبية، وكان إعلان الجاوي عن تأسيس حزب التجمع الوحدوي، بعد أسابيع من بيان الثلاثين من نوفمبر 1989، العودة الفعلية إلى ما كانت عليه عدن في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وكان تأسيس اتحاد الأدباء والكتّاب 72، وافتتاحيات مجلة (الحكمة)، ومقالات الجاوي والدكتور عبدالرحمن عبدالله هي الدعوة الحقيقية للتعددية الثقافية والسياسية، وعملا إلى جانب أعضاء اللجنة الدستورية لإقرار الحق في التعددية، وحق المواطنين في تنظيم أنفسهم حسب المادة الدستورية 36، وكان الأستاذ محمد عبدالله الفسيل من أهم الداعين لدستورٍ ديمقراطي.

*نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق

   
 
إعلان

تعليقات