Accessibility links

إعلان

فكري قاسم* 

يحدث أن يفرش أحدهم سجادة الصلاة والشيطان تحت عمامته، أو في جيبه.

يحدث أن تجد مسؤولاً لصًّا يستقبلك في مكتبه وأعلى رأسه لوحة فاتنة كتب بداخلها: رأس الحكمة مخافة الله! 

يحدث أن تقرأ عرض باب مكتب مسؤول عبارة “الرجاء عدم الإزعاج”، فيما يعود ثلثا موظفيه يوميًّا من العمل وهم منزعجون حد الجلطة من طريقة إدارته العفنة.

يحدث أن يظهر مذيع حالة الطقس في التلفزيون وهو لابس فنيلة صوف ثقيلة، ويخبرك بنباهة عالية أن درجة الحرارة المتوقعة ليوم غد ستكون مرتفعة!

يحدث أن نرطن ساعات كلام عن العولمة، وأن العالم أصبح قرية صغيرة، وعندما يصادفك سؤال عن اسم جارك في نفس العمارة التي تسكنها تتلعثم وتقول له:

– هاه… والله ما لي علم!

يحدث أن تشاهد إنسانًا يكلمك عن الصدق ولسانه مدندل فوق حبل الكذب القصير.

يحدث أن تنتظر وصول خدمة الريبوت ويطلع لك بداله المسيخ الدجال وعشرون “مهدي منتظر” في مبارزة خارج نطاق العصر! 

يحدث أن تشاهد شعارات السلمية في شوارع المظاهرات وهي تتحول إلى رصاص وتفجيرات وقتل ونصع لتطوير السلمية! 

يحدث أن تقوم بما هو واجبك تجاه الآخرين، ويتصور لك في لحظة سخف أنك متفضل على الناس، وأن أخطاءك مغتفر لها سلفًا! 

يحدث أن تقرأ إعلانًا يقول: العروسة عليك والأثاث علينا.. وفي لحظة الصدق ستكتشف أن كل شيء عليك وحدك يا مغفل. 

يحدث أن تقول لزوجتك في لحظة استرخاء:

– والله إنك نورتِ حياتي.

وفجأة ينقطع التيار الكهربائي لتجدك تصرخ في وجهها:

– جني لنا الجن.. أين طرحتي الشمع؟ 

يحدث أن يهمس أحدكم في أذن زوجته:

– تحبيني؟

فتنظر إلى عينيه بشوق، وتقول:

– أكيد حبيبي.. هذا الشهر بنشتري الغسالة؟!

يحدث أن يخبرك ابنك بسرور أنه نجح في امتحان الثانوية، ومن دون حس يلقاك تقول له:

– ذلحين أنت في صف كم؟ 

يحدث أن تنشغل طول الوقت لشوشتك بمحاولات تغيير العالم، وأنت في الأساس مش قادر تقنع عيالك كيف يرتبوا دواليب ملابسهم! 

يحدث أن تتوضأ خمس مرات باليوم وتصلي وأنت لابس كلسون علاقته بالماء والصابون منقطعة من قبل خمسة أسابيع!

يحدث أن تشاهد المتطفلين والفارغين يزرقون إلى كل زوّة بسلاسة مريحة، وينالهم من الحظ الحسن، ومن الدعم والإسناد ما يحلم أن يحصل على رُبعه أيّ مجتهد مثابر لا يعرف للتطفل طريقًا!

يحدث أن تكون مشهورًا في المجتمع، ولك صولات وجولات، ولكن أقرب الناس إليك لا يعرفوك ولا يصرفوك، ولا هم دارين مَن أنت يا حبوب! 

يحدث أن تكون محاطًا بالحب والإعجاب، وبعبارات مديح تلاحقك أينما سرت، وفي لحظة الحاجة لا تجد غير وجهك في المرآة! 

يحدث أن تكون أديبًا، أو فنانًا بارعًا، ولك جمهور كُثُر تتلقى منهم رسائل الإعجاب، وتتلقى من شؤون الموظفين في المقابل ضعفها أقساط غياب!

يحدث أن تشاهد عيال سوق ينصحونك كيف تقع ابن ناس!

ولصوصًا يسرقون الكحل من العيون، ويكلمونك عن الأمانة!

وقُطّاع طُرق يكلمونك عن احترام الطريق! 

يحدث أن تحزن دونما حاجة لذلك، وأن تفرح دونما حاجة لذلك، وأن تعيش وأنت مش عارف ليش تعيش، ولا كيف أنت عائش!

يحدث أن تغادر وأنت تأتي، وتأتي لحظة أن يغادرك الكل.

وأن تنتظر من لا يجيء، وأن تحب من لا ينحب، وأن تراهن على من لا رهان عليه من أصله!

يحدث أن تصاب بإحباط يخليك طول الوقت لا تفعل شيئًا في أيامك كلها غير مواصلة انتظار موعد مرور جنازتك المؤجلة. 

يحدث أن تشتاق لنفسك في مرات كثيرة حينما تشعر بأنك تعيش في بلد لا يحترم آدميتك، ويستمد بقاءه من حريق أعصابك.

يحدث أن تنشغل بقضايا الكل، وتتضامن مع الكل، وتسعى من أجل سعادة الكل، وتنسى أن لك قلبًا يلهو مع النيكوتين فقط.

* كاتب يمني ساخر.

   
 
إعلان

تعليقات