Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*

أُعزي صديقي العزيز الشاعر الحارث بن الفضل الشميري في وفاة ولده (مالك) الذي غرق مع رفاقه في محاولة العبور بحرًا إلى اليونان.

إنه حدث جلل، ومصاب أليم، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو لعن جميع السياسيين اليمنيين من كافة الأطراف، لأنهم اضطروا هذا الشاب وآلاف من الشباب أمثاله إلى المخاطرة بأرواحهم بحثًا عن وطن بديل وحياة كريمة.

ولكن لا أعتقد أن السياسيين اليمنيين بحاجة إلى لعناتي، فهم في الأصل مصابون باللعنة منذ القدم، فالوطن الكبير في القرن الماضي والقرن الحالي كان دومًا صغيرًا لا يلبي إلا حاجة الطبقة العليا من النخبة السياسية والتجارية، وأما بقية الشعب فكان فقيرًا ويعيش بلا أمل، ويبحث عن فرصة للهجرة والعيش الكريم.

إذا تأملنا أحوال اليمن في القرن العشرين وجدنا أن العنوان البارز هو (الهجرة)، سواءً كان النظام ملكيًّا أو جمهوريًّا، رأسماليًّا أو اشتراكيًّا، فالنتيجة واحدة، والوطن الطارد للشباب هو نفسه.

الفترة الاستثنائية في تاريخ الشعب اليمني التي لم يكن فيها الوطن طاردًا لأبنائه، بل جاذبًا لهم، هي فترة الاحتلال البريطاني، ولجزء مخصوص من الأرض هي عدن، حينما لم تكن هناك سلطة لأيّ سياسي يمني ليخرب بسياساته المعوجة حياة الناس ومعاشهم.

إنه لعار على السياسيين شمالًا وجنوبًا فشلهم الذريع في إقامة دولة يمنية عصرية حديثة، على الأقل كما وعدوا الناس في خُطبهم وبرامجهم السياسية.

تناقلت وسائل الإعلام تصريحًا لرئيس وزراء يمني يقول فيه بوقاحة: “الفساد ملح التنمية”! لو صدر هذا التصريح على لسان مسؤول في الصين لحكموا بإعدامه، ولو صدر عن مسؤول في الغرب لتمت محكمته وسجنه، وأما في اليمن فقد أدى هذا التصريح إلى رفع ذلك الفاسد إلى مرتبة الحكماء، واعتبروا مقولته حكمة يجب أن تنقش على أبواب الوزارات والمؤسسات الحكومية!

لا يمكن أن تُبنى دولة على أكتاف اللصوص، ولا يمكن أن تنهض أمة ومواردها السيادية منهوبة على يد قادة عسكريين كبار وشيوخ قبائل متنفذين.

منذ سمعت تلك المقولة المنسوبة لرئيس الوزراء شعرت بالتشاؤم، وتشاءمت أكثر عندما سمعت قطاعًا واسعًا من المثقفين والشخصيات اليمنية البارزة تُثني على تصريحه، وأدركت أن مصير اليمن المحتوم هو (الخراب).

نحن نجني اليوم ثمار مقولة ذلك البائس، فهو بحكم موقعه كرئيس للوزراء قد فتح الباب على مصراعيه لنهب المال العام، ووضع استراتيجية لإدارة الدولة بتلك الطريقة المدمرة.

ردًّا على مقولته أقول “إن الفساد سُم التنمية”، وإن الفساد الذي ساد في عهد علي عبدالله هو الذي سمم التنمية في اليمن، فسقطت اليمن في النهاية كجثة تتنازع الذئاب على نهشها.

عندما يُنشئ قائد عسكري جيشًا لا يتبع الدولة، وعندما يُنشئ تنظيم دولة داخل الدولة، وعندما يستولي أفراد على آبار النفط وتذهب الإيرادات لجيوبهم، فإن أيّ شخص عاقل حتى لو كان أميًّا سيخبرك أن هناك قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة.. ما الذي فعله اليمنيون؟ كان يمكن بقوة القانون تفكيك هذه القنبلة وإنقاذ اليمن من الانفجار، ولكن القانون لم يُستخدم، لم يُفعّل، وتعامى اليمنيون عن وجودها، وربما دعا البعض إلى التعايش معها، أو بتبرير سفسطائي اعتبارها حجرًا يضاف إلى البناء!

ومن أصدق من الشاعر عبدالله البردوني الذي أطلق تحذيره منذ وقت مبكر:

من دمنا على دمنا.. تُموقِع جيش إرهابك.

عندما حدث الانشقاق في الجيش عام 2011 كان الأوان قد فات لتطبيق القانون، وتحولت اليمن إلى غابة، الأقوى هو الذي يحكم.

أكثر الناس سخطًا من حكم الانفصاليين في الجنوب والحوثيين في الشمال هم الذين عملوا عبر عشرات السنين على إضعاف الدولة اليمنية، إما عبر الفساد، أو عن طريق تكوين مراكز قوى مناوئة للحكومة الشرعية.

نسمع ولولة، وهناك من يحث التراب على رأسه، أقول له افعل، وستفعل ذلك كثيرًا، لأن الأيام أثبتتْ أنك لا تُحسن بناء الدولة، ولكنك تُحسن هدمها.

*روائي وكاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات