Accessibility links

اللواء علي محمد هاشم وكتابه “مسيرة الحركة الوطنية”


إعلان

عبدالباري طاهر*

من مسيرة ثورة 26 سبتمبر، حتى إعادة الوحدة – رؤية نقدية.. يقع الكتاب في 83 صفحة، قطع متوسط.

اللواء علي محمد هاشم من القيادات العسكرية من شباب الحرس الوطني، المدافع عن الثورة والجمهورية منذ الأيام الأولى لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وكان من أوائل شباب حزب البعث العربي الاشتراكي 1959.

وصل الى عضو قيادة، ومسؤول المكتب السياسي العسكري، وهو خريج الكلية الحربية – صنعاء 1965 كملازم ثاني.

عُيِّن قائدًا لكتيبة المهندسين، ومدرسًا للهندسة العسكرية في المركز الحربي. انتخب نائبًا لرئيس الأركان، ورئيسًا لعمليات المقاومة الشعبية، وكان ضمن الضباط المبعدين إلى الجزائر، بعد أحداث أغسطس 1968.

درس هاشم في الاتحاد السوفيتي، وعمل في مواقع اقتصادية عديدة. يدرس في كتابه بعد الإهداء، والمقدمة، والمدخل.. يقرأ في العناوين: اليمن في مواقع الثورات العربية، وبداية المشاركة في الحركة الوطنية، البعث، الأمل، والانتكاسات، وحركة 5 نوفمبر 1967، وهي الحركة التي كان البعث طرفًا في تحالفها، ثم حركة تحرير جنوب الوطن، وخروج الاستعمار، وكسر حصار السبعين يومًا، وأحداث أغسطس 1968، واستشهاد المناضل عبدالرقيب عبدالوهاب، وحركة 13 يونيو 1974، ومرحلة علي عبدالله صالح، ثم الوحدة 1990، ويأتي على قراءة الثورة الشعبية (ثورة الربيع العربي)، وإنجازات يتيمة.

وميزة كتاب اللواء علي محمد هاشم أنه يرصد ويعبِّر بصدق وموضوعية عن مواقف، وعن طرف أساس في الثورة القومية، وفي الحركة الوطنية، وكان طرفًا أساسيًّا في الصراع.

أهمية الكتاب مردها أن اللواء علي محمد هاشم واحد من أبناء الثورة، ممن التحقوا بها منذ الأيام الأولى، وكان ارتباطه بالجيش اليمني منذ التكوينات الأولى، فهو من أوائل الدارسين في المركز الحربي، وخريج الكلية الحربية، ثم مدربًا في المركز، ودارسًا أكاديميًّا في العلوم العسكرية في الاتحاد السوفيتي، ثم – وهذا مهم أيضًا – أنه كان في الحزب القومي (البعث العربي الاشتراكي)؛ الطرف الثاني في الصراع في الحركة الوطنية في الشمال والجنوب.

قرأت الكتاب، وسجلت عدة ملاحظات تتفق وتختلف مع المؤلف، ولكن مناسبة يوم الثلاثين من نوفمبر – يوم الاستقلال الوطني هو الأنسب لأعرض قراءتي للكتاب، ورؤية المؤلف لليوم الوطني الذي مثّل نقطة خلاف بين قطبيّ الصراع: الجبهة القومية – حركة القوميين العرب، وحزب البعث العربي الاشتراكي ذي الحضور الكبير في جبهة التحرير، وقبلها في حزب الشعب الاشتراكي، والحركة النقابية العمالية، والصحافة، وليس الموقف من قضية الكفاح المسلح، و5 نوفمبر، وأحداث أغسطس هي وحدها نقاط الاختلاف والصراع.

يرى اللواء أن تحول حركة القوميين العرب في جنوب الوطن من النضال السياسي إلى الكفاح المسلح كان بدعم من القوات المصرية، بعد أن كان هناك خلاف حول هذا التحول، مؤكدًا أن حزب الشعب الاشتراكي، وبعض القوى الأخرى كانت ترى أن الاستقلال قد تم تحديد موعده، وأن المهمة هي الإعداد لما بعد استلام الاستقلال، بينما تبنت بعض القوى السياسية الكفاح المسلح.

 والمؤلف هنا يعرض بموضوعية ما جرى بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962.. والسؤال الذي يتبادر: ما دلالة وأبعاد هذا الخلاف؟

يعيد المؤلف الأمر إلى استغلال الفرصة، ووجود الدعم المصري لتدريب وتسليح الفدائيين للسيطرة على الشارع الذي كانت الحركة بعيدة عنه، ويشير إلى دور قحطان محمد الشعبي لتأسيس الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن، والواقع أن ميل حركة القوميين العرب، والجبهة القومية للكفاح المسلح حاضر منذ فترة باكرة؛ إذ يعود إلى العام 1959.

والإشارة للدعم صحيح، وكان في البداية فقط، ثم إن الإشارة إلى الوصول للسيطرة على الشارع ليس على إطلاقه؛ فحضور القوميين في النقابات، والحياة المدنية موجود. صحيح أنه أضعف من وجود البعث، والليبراليين، والقوى المدنية الأخرى.

أدركت الجبهة القومية بمكوناتها العديدة المزاج الثوري العام حينها، مستفيدة من قربها من الوجود المصري، وكان الكفاح المسلح مصدر قوة الحركة، ونقطة ضعفها في آن! وهناك أسباب تتعلق بموقف حزب الشعب الاشتراكي من الكفاح المسلح، وهو رهانها على نفوذها السياسي في الشارع، وعلاقتها بحزب العمال البريطاني، وبالاتجاه الفابي، ودور الأستاذين: عبدالله عبدالمجيد الأصنج، ومحمد سالم باسندوة، وخلافات القيادتين: قيادة حركة القوميين العرب، وقيادة حزب البعث، والصراعات في المراكز القومية: بغداد، سوريا، ومصر، وانعكاساتها السلبية على اليمن.

ولخلافات الأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج البالغ حد العِداء لليسار الماركسي، وللقوميين العرب، وللكفاح المسلح، دور سلبي في تباعد المواقف.

وليس في الخلاف ما يعيب إلا تحوله إلى عنف وصراع دامٍ كانت نتائجه كارثية على اليمن شمالاً وجنوبًا.

يشير اللواء علي محمد هاشم إلى وجود عمليات فدائية قبيل ثورة سبتمبر، وأيضًا إشارة الأستاذ محمد سالم باسندوة في إدخاله السلاح بسيارته إلى عدن، وما قام به الأستاذ محمد عبده نعمان في المقاومة المحدودة الأثر التي انطلقت من بعض مناطق الشمال.

كما يدرس الأستاذ علي محمد هاشم بموضوعية الانطلاقة من جبال ردفان، والآتية من كتائب الحرس الوطني المدافعين عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وأنها من قامت بتفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963، ويشير – محقًّا – أنه بعد فترة التحق حزب الشعب الاشتراكي بالكفاح المسلح، وكوَّن منظمة تحرير جنوب اليمن المحتل؛ لعدم إشراكه في الجبهة القومية، ويشير إلى انقسام الجبهتين في إشارة إلى الدمج القسري في يناير 1966، وخروج الجبهة القومية في 13 يناير في 1967.

في منتصف الستينيات أيضًا جرى تشكيل طلائع حرب التحرير الشعبية التي رأسها الملازم أحمد قايد الصايدي، وإلى جانبه عبدالوكيل السروري، وكانت الفترة فترة تصاعد الكفاح في غير منطقة: فيتنام، وبلدان عديدة في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا.

وبرز دور يسار البعث في سوريا، وربما كانت الأوضاع في مصر هي الأكثر تعقيدًا، وأشد خطورة.

يشير الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه “الانفجار”، (ص 243): “في الشهور الأخيرة من سنة 1965، والشهور الأولى من سنة 1966، ورغم محاولات متعددة على جبهات مختلفة لاستثارته، كان جمال عبدالناصر يشعر بحسه أن دواعي الحرص واليقظة تدعوه إلى ممارسة سياسة تهدئة عامة في المنطقة”.

ويؤكد أن القاهرة – كما تظهر شواهد الأحداث وتطوراتها – متفائلة أكثر من اللازم بالنسبة لموقف وزارة حزب العمال البريطاني، وبالنسبة لغيرها من الأطراف أيضًا، وبصرف النظر عن كل محاولات السياسة المصرية لإبقاء بعض الأبواب مفتوحة، والطرق سالكة، فقد كان هناك آخرون لا يهمهم ذلك. (ص 231).

يضيف: “وأخيرًا هناك عناصر متفرقة جمعتها أهداف متباينة، وبينهم حلف الأطلنطي، وبينهم بعض دول أوروبا الغربية، ثم كانت هناك في نهاية القائمة أو بدايتها بمعنى أصح إسرائيل التي كانت رؤاها أوسع من رؤى الآخرين، وأكثر تحديدًا وتركيزًا. (ص 232).

ويشير في (ص 233) إلى مؤتمر حرض: “وعلى أية حال، فقد انعقد مؤتمر حرض في موعده. في الجلسة الأولى التي عقدت يوم 23 نوفمبر أثار وفد الملكيين قضية غريبة، هي طلبه إلغاء اسم الجمهورية العربية اليمنية؛ لأن بقاء هذا الاسم معناه أن الملكيين يعترفون بوجود شيء اسمه الجمهورية، ورد الوفد اليمني الذي كان يرأسه القاضي الإرياني – نائب رئيس الوزراء بأن فهمه هو أن الوفد الملكي يحضر المؤتمر بصفته وبوصفه، كما أن الجانب الجمهوري يحضر المؤتمر بصفته ووصفه، وأن هذا الوفد لا يستطيع التخلي عن اسم الجمهورية العربية اليمنية”.

 واضح أن مطلب إلغاء اسم الجمهورية هو ما توافق عليه الملكيون، والقوى الثالثة، والجمهوريون المنشقون في مؤتمر الطائف مع الملك فيصل، وأيضًا معناه إطالة أمد الحرب في اليمن للتحضير لـ 5 حزيران، وهو ما تريده وتحضّر له إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وإيران، وبعض الدول العربية، وربما مراكز القوى المصرية التي لعبت أقذر الأدوار في حرب اليمن، وحرب 5 حزيران لإسقاط ناصر.

يشير هيكل (ص 347): أن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون كان يتصرف في موضوع صفقات السلاح لإسرائيل وغيره بدون أيّ دواعٍ للحذر، فقد كان العالم العربي أمامه مفتوحًا لكل محاولات التأثير، والضغط، والاختراق، كما أن عناصر عديدة في العالم العربي كانت على استعداد لأنْ تعترف معه بأن العدو في الشرق الأوسط هو الجمهورية العربية المتحدة، وليس إسرائيل، مؤكدًا أنه في الأيام الأخيرة من عام 1966 كان القرار الأمريكي هو الخلاص من ناصر. (راجع ص 371).

اضطررت للعودة كثيرًا لما كتبه الباحث والمفكر الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل؛ لأدلل أن اللعبة اليمنية لم تكن يمنية فحسب، وإنما امتدادها العربي والدولي كان كبيرًا، واستخدمت اليمن، والصراع في اليمن لضرب مركز الثورة العربية – مصر، والخلاص من ثورة 23 يوليو القومية، ولم تكن مراكز القوى المصرية بعيدة عن المخطط الجهنمي، والتدخل البشع في الشأن اليمني، واعتقال الزعماء، والحكومة اليمنية، والدفع لحرب 5 حزيران، وعدم الإعداد لها كان خاتمة الفصل الأخير.

كتاب اللواء علي محمد هاشم “مسيرة الحركة الوطنية” موضوعي، والمهم مناقشة التقييم لانقلاب الخامس من نوفمبر، وأحداث أغسطس 1968.

* نقيب الصحافيين اليمنيين. 

   
 
إعلان

تعليقات