Accessibility links

إعلان

بلقيس محمد علوان*

الملف الصحي حيث يكمن الوجع، وتتضح كارثية الوضع.

 على موقعه على الإنترنت، المركز الوطني للمعلومات في بلادنا يقول: إن القطاع الصحي في اليمن شهد تحسنًا وتطورًا من خلال زيادة عدد المستشفيات والوحدات الصحية والمراكز الصحية وعدد الأسرة والكوادر الطبية مع التوسع في إنشاء المراكز الوقائية والعلاجية، إضافةً إلى انتشار الخدمات الصحية، وبرامج التحصين، ومكافحة الأمراض.

وعلى موقعه أيضًا يقول: إلا أن اليمن لا يزال في مصاف الدول التي تعاني كثيرًا من المشاكل والأمراض الصحية، كون هذا القطاع لا يزال يواجه الكثير من التحديات، وأهمها: تدني نصيب الصحة من الإنفاق العام، والذي يتراوح بين (3 – 4%) تقريبًا، مما جعل الكثير من المراكز الصحية تعاني من نقص في تجهيزاتها وفي مواردها المالية وكوادرها الفنية والطبية، إضافةً إلى محدودية انتشار الخدمات الصحية، وهذا النص ما زال صامدًا على موقع المركز بلا تحديث، ولا كأن حربًا أكلت الأخضر واليابس، وألقت بظلالها التدميرية على كل جوانب حياتنا، وإذا كان هذا الوضع قبل الحرب، فما هو وضع القطاع الصحي في اليمن بعد ثمان سنوات من الحرب؟

 أظهر مسح نفذته منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة والسكان، أن أكثر من نصف المرافق الصحية في البلاد إما أغلقت أبوابها أو لا تزال تعمل بجزء من طاقتها، وأن هناك نقصًا حادًّا في عدد الأطباء في أكثر من 40% من المديريات، وهو ما أكدته ورقة سياسات صادرة عن البنك الدولي من تدهور النواتج الصحية وسوء الأوضاع الصحية، ويشمل ذلك ارتفاع مستويات سوء التغذية بين الأطفال، وانخفاض معدلات التحصين، وتفشي الأمراض السارية، وتأثر صحة الأم والطفل على وجه الخصوص، إذ تموت أم واحدة وستة أطفال حديثي الولادة كل ساعتين، ووفقًا لورقة السياسات المشار لها فإن الصراع في اليمن هو السبب الرئيسي الثالث للوفاة، بعد مرض تروية القلب (نقص وصول الأكسجين إلى القلب) وأمراض حديثي الولادة.

وفي حين أن التدخلات الحكومية في هذا القطاع مخجلة، وتكاد لا تُذكر، وأقصى ما تقوم به هو التطلع للدعم الخارجي لقطاع الصحة، يجد المواطن نفسه بلا حول ولا قوة في مواجهة الأمراض كبيرها وصغيرها.

في كل الدول الذي يكون فيها الإنسان مواطنًا له الحق في الرعاية الصحية والتأمين الصحي يكون حدوث المرض أمرًا عاديًّا أو طارئًا يتم التعامل معه بشكل طبيعي وسلس، لكن في اليمن مجرد الإصابة بأبسط عارض صحي عبء من الصعب تحمله أو التعامل معه، وفي الغالب يتم التعايش مع الوجع والصبر على الألم، أو اللجوء للوصفات الشعبية، أو الصيدلية لطلب الدواء والاكتفاء بمسكن.

الأمر أكثر صعوبة وألمًا مع مئات الآلاف من ذوي الأمراض المزمنة: مرضى ارتفاع ضغط الدم والقلب والسكر والفشل الكلوي ومرضى السرطان، وغيرها، كل أولئك وذويهم يعيشون تفاصيل المعاناة الحقيقية صباحًا ومساءً، وبسبب نقص الدواء وعدم التمكن من الحصول عليه يقرر الكثير عدم الاستمرار في أخذ الدواء أو إلغاء بعض الأدوية من تلقاء أنفسهم لعجزهم عن توفير ثمنه، وبعبارة أخرى فإن توفير ما تيسر من الغذاء لأفراد الأسرة ومواجهة متطلبات الحياة الأساسية من غاز وإيجار منزل ومواصلات وغيرها كلها أولى من الدواء، أما مراجعة الطبيب وإجراء الفحوصات والتحاليل المطلوبة، وبعدها شراء الدواء فليست أولوية، وغير ممكنة في أغلب الحالات، وغالبًا يظل المريض المصاب بأحد الأمراض المزمنة الذي يتمكن من شراء دوائه يكرر الدواء من تلقاء نفسه، في الوقت الذي يُخرب المرض ومضاعفاته جسمه من الداخل.

إن عبارات مثل: (ادعوا له ربنا يسهل له)، أو (الله يعزه بالموت) أصبح معتادًا أن نسمعها لأن الموت أيسر وأقرب من العلاج.

من يهتم للمرضى؟ من يأبه للأصحاء أن يظلوا بخير؟

ندرك – جميعًا – كم هو الأمر صعب على المريض وأسرته، وكم وقفنا عاجزين لا نقدر على تقديم شيء لقريب أو صديق يصارع كلفة المرض وحيدًا، فقد أصبحنا كلنا عُزًّلًا إلا من الدعاء، بينما يظل المرض معركة المريض وأسرته.

الشخصيات المعروفة، وتلك التي تُطلَق لأجلها المناشدات قد تكون محظوظة بأن يتكفل هذا أو ذاك أو الحكومة بنفقة علاجها، لكن الكُثر الآخرين من العاديين لا يراهم أحد، ولا يلتفت لهم أحد، لأن كلفتهم أكثر، ولأن الالتفات إليهم لا يضيف لمن ينقذهم شيء من ذكر أو تلميع، ولأنهم مجرد عاديين، لذلك يعانون بصمت، منهم من يقاوم فيستدين من القريب والبعيد، إن وجدوا من يستدينون منه، وقد يبيعون ممتلكاتهم بما فيها المنزل الذي يأويهم في سبيل علاج مريضهم في الداخل أو الخارج، وكلنا عشنا أو عايشنا تفاصيل كهذه.

لا يكشف ستر الناس العُزَّل من دولةٍ تكفل لهم الحق في الوصول إلى مرافق الصحة والتأمين الصحي أكثر من المرض، وفي حقيقة الأمر فإن ملف الصحة في اليمن على وجه الخصوص الملف الأكثر صعوبة وألمًا، وتفاقم صعوبته محصلة طبيعية للأزمة الاقتصادية والغذائية في ظل حرب في عامها الثامن، والتصدي لهذا الملف مسؤولية لا يمكن لأيّ جهود مجتمعية أن تُحدِث فرقًا فيه، وأقصى ما يستطيع الفرد هو أن يسلك في حياته سلوكًا صحيًّا، أما مواجهة المرض وكلفته فأمر صعب على الأصحاء من أقارب المريض، فكيف بالمريض نفسه؟

 إنه ملف الدولة ومسؤوليتها، الدولة الذي يتساوى فيها المسؤول والمشهور والمواطن العادي في الحق، في الصحة والتأمين الصحي.

* أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات