Accessibility links

التشكيلية والناقدة آمنة النصيري: تُلهمني القصيدة.. وتأثرتُ بالصّيغ اللونية في الفنون الشعبية


إعلان

حاورها/ عبدالباري طاهر – صنعاء – “اليمني الأميركي”:
الفنانة متعددة المواهب سردية حياتها تحكي ولادة ساردة.. منذ الطفولة تُشخبط على الكتب وجدران المنزل.

في المرحلة الثانوية بدأت كتابة القصة القصيرة، ناشرة في عدة مطبوعات، ورسمت الكاريكاتير في صحيفة “26 سبتمبر”.. كان أول معرض لها في المركز الثقافي بصنعاء، وقد أثار اهتمام الكثيرين.

حصلت على المرتبة الخامسة ضمن أوائل الجمهورية في الثانوية العامة. لم تتمكن من الحصول على منحة لدراسة الفن التشكيلي؛ فالتحقت بقسم الفلسفة، وبعد ثلاثة أعوام من دراسة الفلسفة حصلت على منحة لدراسة اهتمامها وموهبتها الأساس (الفن التشكيلي)، كما حصلت بمساعدة أستاذها الدكتور أبو بكر السقاف على منحة لدراسة الأدب في معهد جوركي، ولكنها فضّلت دراسة الفن التشكيلي.

نبتت المبدعة في أسرة عميقة الصلة بالهمّ الثقافي، وكانت أمها مشغوفة بالرسم، مُحبة للمعرفة.. الإبداع عندها ليس مقيدًا بزمن، أو محصورًا بمكان.

ليست من أتباع انتظار لحظة الإبداع؛ فهي تخلق اللحظة، وتعتبر الموسيقا والتأمل والتخيل والتفكير من أهم العوامل المحرضة.

في العلاقة بين الرسم والنقد تؤكد الانغماس في اللوحة، وتغوص في تفاصيلها، متخلية عن القيود المسبقة على الإبداع.

لا تنظر إلى تنوّع العطاءات الإبداعية معزولة عن بعضها؛ فهذه المفردات: الرسم، القصة، النقد الأدبي تترافد وتتداخل حد التمازج، وتتناول الناقدة، الرسامة والساردة لحظة تشكيل لوحتها، وتوالد أفكار اللوحة من التأمل، والتخيل، والتفكير، وأحيانًا المباغتة، كما تأتي على ذكر الفنانين الذين تأثرت بهم، وقضية التناظر بين اللوحة والقصيدة في تجربة الإبداع المشترك بينها، وبين الشاعر الكبير أحمد العواضي، أما عن فلسفة الألوان، فتعبّر عن الحيرة في الإجابة المنطقية المحددة لكل ملامح التجربة.

 

في هذا الحوار نحاول الاقتراب من أبرز معالم تجربتها مع اللوحة:

* لنبدأ مع البدايات الباكرة…؟

منذ طفولتي المبكرة كنت شغوفة بالرسم، حتى إنني كنت أترك شخبطاتي على حواشي الكتب، وفي الدفاتر والأوراق المتاحة، وعلى جدران المنزل.. وفي المدرسة لفت انتباه الأساتذة، خاصة في السنوات التي عشنا فيها في الإسكندرية، ووجدت تشجيعًا كبيرًا من مدرسة الرسم.

عندما عدنا إلى صنعاء، وفي المرحلة الثانوية، كنت بدأت كتابة القصة القصيرة، ونشرت في مختلف المطبوعات المحلية، كما كنت أنشر رسومات كاريكاتير في صحيفة 26 سبتمبر، وأقمت أول معرض شخصي في المركز الثقافي اليمني في العام 1986، احتوى المعرض على عدد من بورتريهات لكتّاب وشعراء من مختلف أنحاء العالم، وقد أثار اهتمام الوسط الثقافي طبيعة اختيار الشخصيات المصورة، والتي شملت أسماء يسارية، وأخرى ذات اتجاهات حداثية في الأدب؛ حينها حظيت بالكثير من الحفاوة؛ ربما لكوني فتاة تُقدم نفسها في عدة نشاطات إبداعية، ففي ذلك الوقت كانت مساهمات النساء في العمل الثقافي والإبداعي ما زالت محدودة، وقليلة هي الأسماء المعروفة في الساحة آنذاك.

 

التعليم

* ماذا عن مراحل التعليم وظروفها؟

أكملتُ دراستي الثانوية بمدرسة أروى في صنعاء، ورغم تفوقي الدراسي، وحصولي على المرتبة الخامسة بين أوائل الجمهورية، إلا أنني لم أتمكن من السفر لدراسة الفن التشكيلي؛ حيث إن قلق والدتي من ابتعادي عنها جعلني أتردد، فالتحقتُ بقسم الفلسفة في جامعة صنعاء؛ وذلك لأنني كنت أرى في الفلسفة أقرب مجالات الدراسة لاهتماماتي في الفن والكتابة.

بعد ثلاثة أعوام وصلت لقناعة بضرورة تحقيق حلمي، والسفر لدراسة الفن، خاصة وأنني خلال دراستي في كلية الآداب لم أتوقف عن المشاركات في المعارض التشكيلية الجماعية إلى جانب مواصلة الكتابة القصصية، وقد حصلت على المنحة الدراسية بيُسر؛ نظرًا للمعدل المرتفع، كما حصلتُ، بمساعدة أستاذي في قسم الفلسفة – الدكتور أبو بكر السقاف، أطال الله في عمره، على منحة أخرى لدراسة الأدب في معهد جوركي للآداب في موسكو، لكنني فضلت الفن على الأدب، وهكذا سافرت إلى موسكو، والتحقت بأكاديمية الدولة العليا للفنون، لأعود بعد سنوات (1994) وأعمل معيدة في قسم الفلسفة، حيث إن كثيرًا من مواد الدراسة ذات طبيعة فلسفية، وخاصة في فلسفات الفن وعلم الجمال، وهو ما جعل أساتذتي يشجعونني على الالتحاق بالقسم لإعدادي كمتخصصة في علم الجمال، وفلسفات الفنون، وهكذا عملتُ لمدة ثلاثة أعوام، ثم سافرت عائدة إلى موسكو للدراسات العليا، ومن ثَمَّ، وبعد حصولي على شهادة الدكتوراه، عدتُ للعمل مرة أخرى في الجامعة، ومنذ ذلك الحين صار وقتي موزعًا ما بين العمل الأكاديمي، والرسم والكتابة.

 

القراءة

* لنتوقف قليلاً عند القراءة والارتباط بها…؟

نشأتُ في بيتٍ مثقف، الجميع فيه يمتلكون اهتمامًا بالشأن الثقافي وبالقراءة.. ساهمت والدتي في بلورة شخصياتنا، وتوجيهنا نحو القراءة أنا وأختي منذ مرحلة الطفولة، فهي كانت شغوفة بالرسم، وبكتابة الشعر وبالقراءة، وقد حكيت عن ذلك في أكثر من مناسبة.

استطاعت هذه المرأة التي تلقت تعليمًا بسيطًا أن تُطور من معارفها ووعيها بالكثير من القراءة في شتى مجالات الفكر، وكانت تحكي لنا قصص الأدب العالمي التي تقرأها بصورة مبسّطة، ونحن في سنّ صغيرة، ونجحَت إلى حدّ كبير في أن تنقل لنا شغفها بالمعرفة؛ لهذا استطعنا قراءة جزء ليس بالهيّن من الأدب الكلاسيكي والمعاصر، وكذا الأعمال الشعرية، والسِّير التاريخية وغيرها مما توفر من كتب في بيتنا، ولمّا نتجاوز الصف التاسع، وفيما بعد استمرت القراءة بالنسبة لي جزءًا مهمًّا من روتيني اليومي، بالإضافة إلى كونها أصبحت إحدى ضرورات عملي، ليس في مجال البحث العلمي والكتابة النقدية فحسب، بل وكمصدر مهم، إلى جانب عوامل أخرى، في خلق رؤاي وتصوراتي الفنية، وأعتقد أن ثراء أيّ تجربة إبداعية مرهون بتنوّع خبرات صاحبها وبالمخزون المعرفي.

* وماذا عن الكتاب المفضّل؟

– من الصعب جدًّا، في تصوري الشخصي، اختيار كتاب واحد مفضل، فوسط الكم الهائل من الكتب، قديمها وحديثها، توجد عشرات الأعمال المفضلة في أقلّ تقدير، ولكني أستطيع ذكر أسماء أثيرة لديّ في عالم الكتابة، وإنْ كنتُ على ثقة أنني لن أستحضرها جميعها في هذه اللحظة، فمنهم، مثلاً: نجيب محفوظ، وكونديرا، وأليف شافاق، وجورج أمادو، وأمل دنقل، والمتنبي، والبردوني، والمقالح، وأورهان باموق، وطيب تيزيني… قائمة طويلة للمفضلين، لا أعتقد أني سجلت جميعهم.

* هل للقراءة وقت؟

لا يوجد وقت محدد للقراءة.. كل الأوقات تصلح لأنْ نقرأ فيها، لكن في ما يعنيني إذا أردت القراءة في النهار، فإنني أفضّل أن أكون في مكتبة، أو في مَرْسَمي، أو في مقهى ثقافي هادئ.

لا أدري لماذا لا أفضّل القراءة في المنزل خلال النهار، على الرغم من توفر الهدوء في بيتنا، أما الوقت الأفضل لي، الذي أكون فيه بكامل تركيزي مع الكتاب الذي أقرأه، فهو المساء.

إنني انتقائية بالنسبة للوقت عندما تكون القراءة لغرض القراءة، أي لذاتها، لكن إن كنتُ أشتغل على دراسة، وأحتاج إلى قراءة في موضوعات ذات صلة بها، فكل الأوقات سواء.

 

اللحظة الملهمة

* هل للإبداع وقت أو طقوس؟

– من تجربتي الشخصية، لا أعتقد أن الاشتغال الإبداعي محكوم بزمن أو ساعة بعينها؛ فقد تولد الفكرة في أيّ وقت، وقد أشعر بالرغبة في العمل على اللوحة في أيّ لحظة، بغض النظر عن التوقيت، فأحيانًا قد أبدأ النهار بالرسم، وفي أحيان أخرى قد أعمل طيلة الليل، لكن يحدث في بعض الأوقات أن نفتقد المزاج الرائق للعمل أو الحماس.. هذا الشعور تصبح معه كل الأوقات غير ملائمة، وهي حالة قد لا تكون كثيرة الحدوث، لكنها عندما تخيّم على الفنان، تكون ثقيلة وكابوسية.

وأنا من أولئك الذين لا ينتظرون اللحظة الملهمة بطابعها الكلاسيكي بمعنى التوقف عن الإنجاز بانتظار زيارة من الإلهام الغامض المصدر الذي من الممكن أن يطول انتظاره، بل هناك ما نسميه الاستدعاء، أو التعاطي مع محرضات لاستنطاق اللحظة الملهمة.. من هذه المحرضات سماع الموسيقى، والقراءة المتنوعة، والاطلاع على معارض وتجارب جديدة، وتتوفر في وقتنا الحالي في المواقع الفنية على الإنترنت، كما أن التأمل والتفكير مفيدان أيضًا.

إن فنانين كُثر يحاصرون أنفسهم في مراسمهم، ويهيئون هذه البيئة الذهنية والوجدانية لتوليد، أو لتخليق الأفكار والتصورات، وينجح الأمر في النهاية، حيث تتجلى الصور في ذهن الفنان.. صحيح أنها عملية مرهقة، وقد تتطلب أيامًا من البحث والتفكير، والإصغاء للفنون، والمشاهدات الواسعة، لكنها تثمر دائمًا، ويمكن أن أشير إلى أنّ هذا الشكل من التهيئة والاستعداد هي الطقوس التي أعتمدها للبدء في أيّ تجربة فنية.

 

التشكيل والنقد

* أبدعتِ في رسم اللوحة التشكيلية والوصول بها إلى مستوى رفيع، وأبدعتِ أيضًا في النقد.. النقد يفرض قيودًا على الإبداع.. كيف تجمع الفنانة بينهما؟

المشترَكات بين الممارسة التشكيلية، والكتابة النقدية قليلة، ولعل من أهمها أن  كلا المجالين يستلزمان تحصيلًا معرفيًّا متنوعًا، كما أن الاشتغال النقدي في الفهم المعاصر صار يُمثل تجربة إبداعية لا تختلف كثيرًا عن صنوف الكتابة والفنون بأشكالها، ويُنظر للنص النقدي كسياق إبداعي يوازي العمل الفني الذي  يتمحور حوله، لكنه لم يعد يدرس اللوحة الفنية على سبيل المثال ضمن مسارات تطبيقية، وبات الناقد يبحث في العمل الفني عن ومضات تضيء له مناطق خلّاقة تتيح إنجاز قراءات تتجاوز التحليل المباشر، والتفسيرات النظرية الجامدة لمفردات العمل، أما ما يفرق النقد عن الممارسة الفنية، فهي الاشتراطات العديدة لكلٍّ منهما؛ فالكتابة النقدية تشترط حضور الذهن ونشاطه، وحيادية الوجدان، بل وتحييد النوازع الذاتية بغْية الحفاظ على موضوعية التناول والتنظيم الدقيق في الكتابة، إلى غير ذلك من قيود تفرضها طبيعة فعل الكتابة النقدية، بينما في أثناء الاشتغال الإبداعي يشتبك الوعي باللا وعي، والذاتي بالموضوعي، ويمارس الفنان أكبر قدر من حريته.

من هذه المقارنة أردتُ فقط تأكيد الاختلاف الكبير بين الفضائين: فضاء الفنان، وفضاء الناقد؛ ولهذا عندما أشتغل في أحد المجالين أستبعد الآخر، فعندما أكتب نصًّا نقديًّا أعمل على أن أستجمع كل تركيزي وطاقتي الذهنية، وأتجاهل الفنانة التي بداخلي، ويحدث العكس إذا ما جلست إلى اللوحة، حيث أتعمد تغييب الناقدة، والتخلي عن المقولات القبْلية التي يمكن أن تطال طراوة ونقاوة الصورة، أو تحُدّ من تلقائية الأداء الإبداعي.

 

تنوّع التجربة

* كتبتِ القصة القصيرة، ومارستِ النقد، ورسْم اللوحة.. كيف تقرئين تجربتكِ الإبداعية المتنوعة؟

– لا أنظر لهذه الاشتغالات معزولة عن بعضها البعض، ذلك أنني أجدُ كل واحد منها أفاد من الآخر.. فالسرد، وإن قام على تقنية مختلفة، يلتقي مع الرسم في عدة مناطق، فالكاتب يرسم باللغة صورًا من الحياة، ويشكّل بورتريهات لشخصياته حتى يستحيلوا إلى هيئات شديدة الوضوح في ذهن القرّاء، ويصنع عوالم غامضة، وأخرى مجردة أو رمزية …إلخ.. كل هذه المفردات تحضر في العمل التشكيلي أيضًا.. إنها علاقة في جوهرها ذات جذور متعالقة، لكن كِلا الممارستين تحتفظ بأدواتها وتقنياتها، ويحدث كثيرًا عندما نقرأ نصوصًا بصرية أن نتحدث عن نزوعها السردي، وهو ما يؤكد شكلاً من التداخل والتبادل بين عناصر الأعمال الإبداعية؛ ولهذا

لم أشعر قط بفجوة بين الرسم والتصوير والسرد، وبالنسبة لممارسة النقد، فقد أفادتني كثيرًا دراستي للفن، وممارستي العملية له في تعميق خبرتي بطبيعة العمل التشكيلي واتجاهاته، وتلك القضايا الأدق والأبعد في صميم التشكيل والعملية الإبداعية، والتي يُصبح التقاطها أسهل عندما تتوفر فرصة اختبار الفن على المستويين (النظري والعملي).

من جهة أخرى، فإنّ اشتغالي في الكتابة القصصية سنوات جعل مهمتي في احتراف النقد أقلّ صعوبة، وأتحدث هنا عن العلاقة باللغة وبالكتابة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الجوهرية بين هذين المجالين، لكن السرد شكّل مرانًا على صياغة المحتوى، والإمساك بالأفكار في قالب مكتوب.

 

اللوحة

* ماذا عن لحظات بناء اللوحة؟

هناك دائمًا التصور المتخيل الذي يتشكل في الذهن.. بالنسبة لي الخطوة التالية اختيار حجم اللوحة، ثم إعادة تصور الشكل الذي تخيلته كما لو كان على سطح اللوحة، وتستغرق هذه العملية لحظات تأمّل في قماشة اللوحة البيضاء، ويليها بدء تنفيذ الصورة، وتحويلها من حالتها الذهنية المجردة إلى شكل بصري، وهذه المرحلة غير محسومة زمنيًّا، فقد يستغرق الإنجاز ساعات أو يومًا، وقد يمتد العمل لعدة أيام أو أكثر.. تتدخل في هذه العملية أمور مختلفة مثل الحالة المزاجية، وتفاصيل التكوين، ومقاس اللوحة…إلخ.

ويحدث كثيرًا أنْ تأتي صورة العمل في شكله النهائي مغايرة عن التصور المتخيَّل، ولكني أشعر بشيء من الرضا إن اقترب على الأقل مما كان في ذهني، وأحيانًا أحصل على لوحة مفاجئة مختلفة كليًّا عن تصوري، وهذه إحدى مخاتلات النص كما يسميها الأدباء، فهو في بعض التجارب يأخذنا إلى مسار لم نخطط له، وأتذكر أن الأديب الكبير نجيب محفوظ أشار في حوار له إلى هذه القضية.

* كيف تتوالد أفكار اللوحة؟

– بالنسبة لي، الأفكار وليدة عوامل متعددة: قراءات، ومشاهدات، وارتباط بالأحداث الخارجية، وبحكايات الناس، وإصغاء للشعور الداخلي.

روح الفنان تشبه كوبًا فارغًا يحفل بأشياء كثيرة، وعندما يمتلئ تفيض منه الأفكار؛ ولذلك عندما أشعر أنني استنفدت موضوعًا ما في اللوحات، أتوقف لفترة؛ للاستزادة برؤى جديدة عبر عملية البحث والعودة بطاقةٍ جديدة.

* بمن تأثرتِ؟

– تأثرتُ بعدد هائل من الفنانين في بداياتي، من هاشم علي، وفؤاد الفتيح، والرسامين المصريين: حلمي التوني، وبهجت عثمان، واللباد، وإنجي أفلاطون، وتحية حليم، ثم كانت مرحلة الانبهار ببيكاسو، وبول كلي، وماتيس، كما تأثرت أيضًا بالعفوية والفطرية للفنون الشعبية البصرية، ليست اليمنية فحسب، وإنما الكونية أيضًا.

 

شاعر وفنان

* ماذا عن تجربتكِ في “التناظر” مع الشعر في ديوان الشاعر الكبير أحمد العواضي، حيث تتجسد وتتجلى القصيدة في اللوحة، وتُعبّر القصيدة عن اللوحة.. قمة الروعة والإبداع في امتزاج الفنّين…؟

أنا مولَعة بالشعر، وأجد أن القصيدة ملهمة لي كمصورة، وقد خططتُ لأنْ أقوم بعدة مشاريع إبداعية مشتركة مع شعراء، وكان ديوان الشاعر الكبير أحمد العواضي “مواقيت لأحزان سبأ” فاتحة هذه التجارب.

اخترتُ قصائد الأستاذ أحمد؛ لأنها تحمل شيئًا من عوالم طفولتي، فنحن نشترك في مَنشئنا من مشرق اليمن، وهي بيئة تحتفظ بطابعها التاريخي القديم العائد للحضارات اليمنية الماضية، وبعمارة طينية اكتسبت مع الوقت حيوات كثيرة؛ لتتحول المدن العتيقة إلى فضاءات فريدة مفعمة بالحكايات التي يختلط فيها الأسطوري بالواقعي، والروحي بالدنيوي.. هذه الأجواء تضمنها القصائد، وعثرت فيها على متوالية من الصور الملهمة لإنتاج صور بصرية موازية، وقد كان، وطُبع الكتاب كعمل فني مشترك بين شاعر وفنان.

التجربة الثانية كانت مع شاعر قدير، صاحب لغة متفردة، وأعتبر تجربته بالغة الخصوصية، هو الشاعر المصري إبراهيم المصري، وكنت سعيدة بالعمل على قصائده، وإنْ أُتيحت لي الظروف مرة أخرى قد ننجز مشروعًا في المستقبل، نجعل من القصائد كتابًا فنيًّا مخطوطًا، مصاحَبًا باللوحات، وبمعرض تشكيلي تتخلله قراءة القصائد.. آمل أن يكون لدينا متسع لهذا العمل في السنوات القادمة.

هناك تجربة أخرى مهمة مع الشعر، لكنها قُدِّمت خارج اليمن، وكان يفترض أن يكون العرض التالي في اليمن لولا قيام الحرب، حيث أقمتُ معرضًا في ألمانيا مع صديقتي الفنانة الألمانية “أولريك هينه” في مدينة ويبرتال، حمل المعرض عنوان “الشعر واللوحة”، وكانت لوحاتنا أنا وزميلتي في العرض تتمثل نصوص الشاعر الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح في كتابه “صنعاء”، وقد لقي المعرض صدىً كبيرًا في ألمانيا، وكان يُفترض أن ننقله إلى صنعاء، غير أن نشوب الحرب أوقف كل نشاط.

 

الألوان

* فلسفة الألوان الزاهية في لوحاتك.. ما دلالاتها؟

أحيانًا لا يمتلك الفنان إجابة منطقية لكلّ ملامح تجربته؛ ولذلك أواجه صعوبة في تفسير الأمر، ربما يكون مردّ هذا الطابع اللوني تأثري بشكلٍ مباشر وغير مباشر بالصِّيغ اللونية في الفنون الشعبية، وربما هناك عوامل مرتبطة بتكويني الوجداني، والتي تنعكسُ على إحساسي باللون إن استخدمنا لغة فلسفات الفن، والتحليلات النقدية المنطقية.

يمكنني قول الكثير هنا، لكن الحقيقة هي أنني كفنانة لا أدري لِمَ أختار هذه التراكيب اللونية دون غيرها.. أنا في التلوين أتبع شعوري، ولا شيءَ آخر.

   
 
إعلان

تعليقات