Accessibility links

إعلان

فكري قاسم*

هذاك اليوم أنا  كنت في بيت خالي الدكتور محمد عبدالرب بحوض الأشراف بتعز جالس جنب التلفزيون أشوف الحدث الكبير.

كان عمري 13 سنة تقريبًا حينها ومش فاهم أي شيء عن السياسة، وكل اللي فاهمه وأعرفه أن بلادي اليمن كانت في الماضي دولة واحدة؛ الاستعمار والإمامة جعلوها شطرين الفاصل بينهما برميل واقف في الطريق

لكن الدموع التي انسكبت من عيون خالي لحظة رفع علم الوحدة صبيحة ذلك اليوم الأغر وهو واقف وسط الديوان يشوف التلفزيون بزهو وفخر وإجلال وإكبار كانت حافزي الكبير لمتابعة الحدث المهم بعينين دامعتين من شدة الفرح، وعرفت ما الذي تعنيه الوحدة اليمنية.

هاذاك اليوم خرجت الشارع في الظهر..

لقيت الناس يتسالموا بعناق حار، يتبادلون التبريكات فيما بينهم بكلام مليح، ومشيت أسلّم وأهني وأبارك من جيزهم.

وقلبي من فرط السعادة يد فرحانة ممدودة تصافح المارة طريق طريق.

اللي أعرفهم واللي لا ما أعرفهم، واللي يتكلموا في البوفية عن عظمة الوحدة  أسلم عليهم  واحد واحد بوس وعناق كأني في عرس عائلي كبير لم أشهد له مثيل في حياتي.

وطول ما أنا ماشي في الشارع ما لقيت واحد ضابح ولا صادفت واحد زعلان أو متضايق أو ضجران، الكل في فرح عارم متدفق مثل الشلال، فرح عام مؤجل من سنين طوال، فرح مصحوب بمشاعر محبة قصوى، وبأمل كبير نط من قلوب الناس مثل مارد حبيس خرج من القمقم ليتمشى في الشارع العام مرفوع الهامة في يوم مبارك خالد لا يمحى من الذاكرة على الأقل بالنسبة لليمنيين الذين عايشوا الحدث.

في هاذاك اليوم نفسه وانا ماشي في الشارع وشمس الظهيرة عمودية فوق رأسي

شفت ظل جسدي الناحل الصغير فوق الرصدة عملاق ضخم يتقدمني في الطريق إلى المستقبل اللي يتكلموا عليه الناس في الشارع..

ويسير بين المارة والسيارات بخطوات فرحة ومتسارعة إلى المجد العظيم الذي بلغته بلادي في ظرف ساعتين من الزمن.

بينما كنت أمشي في الشارع الممتد من جولة فندق الأخوة إلى جولة حوض الأشراف وأشاهد لأول مرة أعلام الوحدة ترفرف فوق الأبنية وعرض بيبان المحلات والدكاكين كانت الدمعة تفر من عيوني زفرة زفرة..

ولا أستطيع الإمساك بها من فرط السعادة الغامرة التي في الشارع العام.

في هاذاك اليوم تحديدًا عرفت ما الذي تعنيه دموع الفرح.

كبرت في يوم واحد وأنا أمشي بين الناس فرحًا في شارع مبتهج بالوحدة، وشعرت بأني فتى من بلاد لن تزورها الأحزان مرة أخرى، ولن يفرق شملها أيّ شيء بعد الآن، ولن يعترض طريقها أيّ برميل.

وكانت أيام الوحدة جميلة بما يكفي لأنْ يخطف اليمنيون إعجاب العالم ولأنْ تكبح جماح الشياطين وسراق المجد.

لكن تلك الخرافة الجميلة لم تدُم طويلاً، والشياطين ما خلونا حتى نتهنى بها ساع الناس الله يلعنهم لعنة وقف من ذلحين لا يوم الدين.

*كاتب يمني ساخر

   
 
إعلان

تعليقات