Accessibility links

إعلان

 
مثل أيّ مُلاحظ عادي جالس – حاليًّا- في قاعة محكمة المنطقة الـ19، وهي مكان غير مألوف، وجدنا أنفسنا هناك في صباح أحد أيام الأسبوع، فأدهشنا هدوء القاعة وسكينتها الطبيعية المألوفة.. وبينما كنا نجول بأبصارنا في المكان تقدم خمسة أشخاص، الواحد تلو الآخر إلى أمام القاضي (إيوجين هنت)، الذي يوحي مظهره بالشدَّة الراسخة المكينة، ولكن مع قدرٍ هائل من اللطف والرقة والاهتمام الصادق في أن يجعل الأمور تسير بشكل صائب لهؤلاء المتهمين الواقفين أمامه، وللمجتمع ككل. وبعد أن انتهت الجلسة، فتح لنا (القاضي هنت) مكتبه لبعض الوقت، أوضح خلاله وجهة نظره التي يدير بها قاعة المحكمة.

ديربورن- ” اليمني الأميركي”- أجرى المقابلة: رشيد النزيلي واستيفن قوتس

الفرصة “الثانية والثالثة”

      سألناه، في المستهل، عن مفهومه الشخصي لِما يُسمّى الفرصة “الثانية والثالثة”، فتوقف لوهلة، ثم : “يتوقف الأمر إلى حدٍّ بعيد على طبيعة الحالة التي أمامنا.. أحيانًا تكون الفرصة الثالثة جيدة ومناسبة إنْ هي ستساعد الناس على التعلّم. إنك تتقدم في السن، وتصير أكثر نُضجًا وحكمة، فتستطيع إدراك كيف أنّ سلوكك يؤثر على تطوير حياتك.. وفي بعض الأحيان – عند نقطة ما –  يتبين بعض الناس ذلك في المرة الأولى، فيما يتبينه البعض الآخر في المرة الثانية، وآخرون يُدرِكونه في المرة الثالثة.. في حين أن هناك من لا يُدرك ذلك إلا في المرة العاشرة”.

   وأضاف موضحًا: “طالما أنك تبينت الأمر، فإن ذلك هو ما أسعى إليه.إنني أؤمن بجدوى الفرصة الثانية، وإذا رأيت أنني أستطيع مساعدة شخص ما في الفرصة الثانية، ووجدت أن الظرف تحت السيطرة فلِمَ لا أفعل؟!.. إنّ عليك أنْ تزِنَ كل شيء، غير أن الأمر ليس كما لو أن كل شخص يدخل إلى هنا ويخرج إلى هناك.. ليست المسألة هكذا… فأنا أودُّ أن أمنحَ الناس فرصة ثانية. أريد أن أجعلهم يقفون ثانية على أقدامهم بعد سقوطهم”.

الوعود الانتخابية

      وعندما سألناه عن انتخابه للمقعد الثالث في محكمة المنطقة، وكيف يفي بوعوده التي قطعها على نفسه أثناء الانتخابات؛ قال إنه يعتقد أنه ما يزال ملتزمًا بتنفيذ تلك الوعود التي وعد بها، من خلال معاملته لكل فرد على حدٍّ سواء، وبكل إنصاف. لقد وعد بأنْ يساعد الناس الذين يأتون للوقوف أمامه في المحكمة، وأن ذلك هو ما ظل يفعله بالذات.

  وقال: “إنني أحمي دستور الولايات المتحدة، وأحمي حقوق الناس الذين يجيئون إلى هنا، ولا يهمني – أبدًا – أي شيء يتعلق بمكانتك.. إنك تأتي إلى المحكمة أيًّا كانت ديانتك أو سلالتك أو ميولك الجنسية، أو إنْ كنت ذكرًا أم أنثى، عجوزًا أم شابًّا، كل ذلك لا يهمني على الإطلاق”.

   وأضاف: “أنك تأتي إلى هنا وتتوقع أن تُعامل بإنصاف واحترام، وهذا هو بالضبط ما أفعله مع كل إنسان. إنني أحاول مساعدتك قدر ما أستطيع.. بل  وأعطيك الفرصة لتحاول مساعدة نفسك. أنا أولي هذه المسألة أهميتها إنْ أنت أريتني أنك لا تحاول استغلال فرصة الفسحة التي منحتك إياها، وعندئذ أنتقل إلى الخطوة الثانية. إنني لا أفضل الخطوة رقم (2)، لكني لا أخشى أن أذهب إليها إنْ كان عليَّ أن أفعل”.

اتخاذ موقف المدافع

     أخبرنا (القاضي هنت) عن تصورنا الذي جمعناه عنه في الوقت القصير، الذي شغل فيه مقعد القاضي.. الجدير بالذكر أنّ (هنت) كان حينها محامي دفاع لسنوات عدة.. فردّ علينا قائلاً: “عندما تكون محامي الدفاع، فإن وظيفتك هي أن تضع نفسك في موضع موكلك، وأن تفعل أفضل ما تقدر عليه في حدود القانون لمصلحة موكلك تمامًا، كما يمكن أن يفعلوه هم لو أنهم يتمتعون بخبرتك ومعرفتك”.

وأضاف: “إن تكون قاضيًا، فالأمر مختلف… إنك –بطبيعة الحال – ما تزال تريد أن تساعد الناس قدر الإمكان، لكنك لا تضع نفسك موضع المتهم، بل تضع نفسك موضع الجمهور.. فإذا استطعت أن أساعد شخصًا ما، وفي الوقت نفسه أساعد الجمهور، فإن ذلك هو ما سأفعله. أمَّا إن كان عليَّ أن أعاقب شخصًا ما لكي أساعد الجمهور، فإنني عندئذ سأعاقب ذلك الشخص. الأمر يتوقف – بلا ريب – على طبيعة الموقف والحالة التي بين يديك”.

مخاوف أساسية

     وفيما يتعلق بالمشكلات الأساسية التي يواجهها المجتمع، قال: “هناك مشكلتان تُواجِهانا: إحداهما مشكلة صغيرة والأخرى كبيرة.. والأخيرة هي مشكلة إدمان “الأفيون”، التي صارت متفشية. عندما يدمن أشخاص على الأفيون فإن ما يحدث هو أنهم في البداية يتناولون الحبوب، إما حسب وصفة حصلوا عليها، أو من خلال شراء الحبوب في الشوارع. وعندما يصيرون مدمنين لها فإنهم يعرفون أن الهيروين أرخص ومتاح أكثر، فيتحولون إلى استخدام الهيروين”.

     وأوضح أن الشخص إذا ما اعتاد على نمط حياة معيّن، فإنه يصبح من العسير أن يُغيِّره ويخرج منه. وقال: إنه يحافظ على التشديد في كبح أولئك المدمنين على الأفيون والكوكايين. وذكر أنه يفحصهم طوال الوقت، وخلافًا لمجرد وضعهم تحت التجربة فإنه يُلزمهم أن يُقدموا إليه تقريرًا شهريًّا عن حالتهم، أو خلال شهرين؛ ليستطيع التحقق من تحسُّن نتيجة ما يفعلونه.

       أما عن المشكلة الصغرى، فأوضح: هي حالات التراخيص الموقوفة.. إن الشباب يحصلون على بطاقات مخالفة المرور ولا يسددونها، فإذا كرروا ذلك مرةً ثانية تسحب تراخيصهم، إذ أن هذه تُعدُّ جنحة مخالفة القيادة بتراخيص موقوفة.. ثم يحصل أولئك الشبان على بطاقات مخالفة لقيادتهم بتراخيص موقوفة؛ فيتحتم عليهم أن يدفعوا غرامات باهظة وتكاليف أخرى غيرها.

     وقال: “يتوجب عليهم أن يدفعوا للمسؤول الأول في الولاية رسوم مسؤولية القيادة، وتلك رسوم مضاعفة مثنى وثلاث ورُباعا.. إنها تصل إلى حد يكون من المستحيل عليهم أن يحصلوا على تراخيصهم.. وتلك مشكلة فعلاً. فعندما لا تدفع غرامة بطاقة المخالفة، يوقف ترخيصك وستعتقل وتودع في السجن. إنه ليُدهشُني – حقًّا – أن أولئك الشبان يسمحون لكل هذا أن يحدث لهم”.

كلمة  أخيرة

    وعندما سألنا (القاضي هنت) عن توصيته للمواطنين، قال: “إنني أفعل أفضل ما أقدر عليه، آخذًا في الحسبان كل الملابسات بوعي تام.. فوظيفتي هذه لا تخصني أنا، وهي لا تتعلق بي شخصيًّا، ولا برغباتي وأهوائي على الإطلاق.. بل تتعلق بالناس الذين يجيئون للوقوف أمامي في قاعة المحكمة ليروا ما مشكلتهم، وليُحاولوا أن يُسووا تلك المشكلة.. وهذه هي الطريقة التي أتصرف بها في كل يوم، وإني لأرجو أنني أقوم بواجبي على الوجه الأكمل”.

مع الناشر

   
 
إعلان

تعليقات