عبدالله الصعفاني*
حاولتُ أن أعيش في رمضان حالة من الهدوء والسلام الداخلي، مواكبةً لِما يجب أن نكون عليه في الشهر الكريم.. لكن لا عاصم من منغصات تجلب التوتر لكلِّ شخص يشكو وقوع عينيه بسرعة على الخطأ، وهات يا وجع دماغ يصنعه من يتخطون مكان وزمان ما قبل الإفطار على حساب حياة وأعصاب آخرين توقعهم حظوظهم العاثرة أمام من يطاردون لحظة الإفطار بنفوس زجاجية هشة تصنع الخطر..!
* وسأكتفي بقراءة الساعة الزمنية التي تسبق أذان المغرب.. إنها ساعة تكفي من يضطره ظرفٌ ما للحركة في الشوارع لِأنْ يشد شعره وربما تقطيع جيبه، وقد يلطم خدوده على طريقة نساء الجاهلية.
* في دقائق ما قبل أذان المغرب تحديدًا، لن يحتاج أحدنا لِأنْ يطلب الجن ليركضوه؛ لأنَّ الجن في الواقع سيركضوه حتى لو لم يطلبهم، بل وستجد نفسك جزءًا من حوادث غير ظريفة ما دمت تقضي مشاويرك في أوقات السرعة والزحام وانفلات أعصاب هي عارٌ على رمضان، وعلى شعبان.
* في شوارع ما قبل موعد الإفطار يقع بعض سائقي السيارات والدراجات في وضع عجيب من حماقات تصل حد الاشتباك الجسدي لأسباب أقل شأنًا من جناح ذبابة.. هل رأيتم مثلي الصميل عندما يكرر خروجه من تحت مقاعد بعض السائقين..؟
* اللافت أنك ترى نفسك وقد وقعت في العدوى الجماعية داخل مشاهد عابثة ترفضها ثم تقع فيها بخلفية الدوران حول قوة عادة استذكار ما تحتاجه في دقائق الجنون اللوزي، فهل هو الجوع.. أم هبوط سكر الدم، أم نقص النيكوتين والكافيين واختفاء تأثير قات الليلة السابقة..؟
* زمان كانت إذاعة صنعاء تبث برنامجًا يوميًا في رمضان تحت عنوان “لا تحاكي صائم بعد العصر”، وتسمية البرنامج توحي بعواقب أن تحتكّ ببعض الناس قبل المغرب.
واليوم، ومع ازدحام العاصمة صنعاء أكثر وأكثر، ودخول الأطفال الصغار دنيا القيادة بلا ضابط ولا رابط، سترى العجب من المخاطرة بالأرواح، فلا تعرف أيضًا هل هو تورُّم الأنا أم انتفاخ الغرور أم حرقان جوع أو داعي الحاجة لإسكات إدمان العجينة الخضراء.. ويا أسفى على مستهترين مهووسين بالسرعة وسط زحمة لا تحتمل سوى رمي “الرأس البطيخة”، وتفعيل الدماغ..!
* وكنت قررت أن اقضي مشاويري في وقت مبكر من كل يوم رمضاني إلى أن دعاني صديق كريم إلى وجبة إفطار، ليس قبل ساعة، وإنما قبل دقائق على أذان المغرب، حاولتُ الاعتذار، لكنه قابل اعتذاري بإصرار الكريم.. ومن أكرمك بدعوة أكرمه بتلبيتها.. لكن ما عشته في الشارع جعلني أعاتبه على الإفطار: لماذا تعزمني على الإفطار من المسافة “صفر” لمدفع رمضان.. وتفهمتُ تبريره، وهاجس تأخير الدعوة للعزومة..!
* تعثَّر خط السير أكثر من مرة، إما بسبب شجار أو صِدام..!
وبعد الإفطار، عدتُ من نفس الطريق، فأدهشني كمّ الزجاج المتطاير في أكثر من مكان جراء الحوادث المجنونة قبل المغرب، وسألتُ نفسي: ما الذي يحدث لنا قبل وأثناء وبعد أذان المغرب.. ما تلك السرعة المجنونة وكأننا في سباق راليات بين مصابين بضيق الصدور، وضيق الأفق.
* صحيح أننا لا نعرفُ محيط خصر الدب، لكننا حتمًا نعرفُ أن البطن مجرد كيس مطاطي، كلما ملأته اتسع أكثر.. ولا يستدعي الأمر ما يحدث في شوارع اليمن قبل الإفطار، ما يثير السؤال الاستفهامي: هل يحدث نفس الشيء في شوارع العالم الإسلامي..؟
بجد.. أشتي أعرف..!
* كاتب يمني.
تعليقات