وجدي الأهدل*
يقول السيناريست والمخرج الفرنسي فرانك هارو مؤلف كتاب فن كتابة السيناريو:
“البطل هو الشخصية التي ينبغي أن تثير في المشاهد أكبر قدر ممكن من التماهي العاطفي معها، أيّ أنه يجب أن يرتجف المشاهد من أجلها ومعها وأن يأمل أنها ستنتصر على أخصامها في النهاية”ص56.
كُتَّاب السيناريو المحترفون يحتاجون بضعة أشهر لمعايشة الشخصيات، لكي يتمكنوا من الإحساس بها، ومعرفة أدق التفاصيل عنها.
والخطوة الأولى الصحيحة هي قيام السيناريست بإنجاز سير ذاتية لشخصياته، فهذه السير ذاتية تساعده في فهم أعمق وأوسع للشخصيات، وكذلك قد تكون هذه السير الذاتية مفيدة للممثلين فيما بعد.
وكذلك يحتاج السيناريست إلى إجراء مقابلات شخصية مع شخصياته ما أمكنه ذلك، فإذا كان البطل صاحب بسطة خُضار، فلا يكفي الاعتماد على النماذج التي عرفها السيناريست بصورة سطحية في السابق، ولكن يتطلب الأمر عدة مقابلات مع صاحب بسطة خضار حقيقي، لكي يحكي له عن مهنته وأسرارها، وبهذا يُغني رسم شخصية صاحب بسطة الخضار في السيناريو ويجعلها تنبض بالحياة.
ومن البديهي أنه لا توجد شخصية خيِّرة 100% ولا شخصية شريرة 100%، والسيناريست الذي يقع في هذا التسطيح هو سيناريست عديم الخبرة بالنفس الإنسانية. إذن لابد للبطل بجانب خصاله الطيبة من رذيلة ما، وكذلك الحال مع الغريم، فإلى جانب رذائله الشريرة لابد أن يتميز بخصلة ما طيبة. فكل إنسان لا يخلو من الخير والشر، الخير المطلق والشر المطلق مستحيلان.
وتصوير هذه الخصال نُعبر عنه بـ(تطوير الشخصية)، فالشخصيات في السيناريو ليس معقولًا أن تظل على حالة نفسية وعقلية واحدة من أول السيناريو وحتى آخره، وهذا يتطلب أن تمر بتحولات نفسية وعقلية بحسب المواقف التي تمر بها. لأن هذا هو ما يحدث فعلًا في الواقع، فالثبات الانفعالي مستحيل، إلا إذا كانت الشخصية منحوتة من الصخر وليست مخلوقة من اللحم والدم.
يحبذ عند الظهور الأول للشخصيات أن يشير السيناريست إلى صفاتها الجسدية وماذا ترتدي.
توصيف الملامح الخارجية للشخصية مسألة مرغوبة بشدة، ولكن المخرج ليس ملزمًا بالبحث عن ممثلين يتطابقون مع تلك الأوصاف، إذ أن اختيار الممثلين من حق المخرج وحده.
ومن المهم التوصيف الاجتماعي والعائلي للشخصية، أيّ الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الشخصية، ولا يتم ذلك بواسطة الكلمات مثل أن نكتب “غيمان من عائلة فقيرة”، ولكن عن طريق الصور التي توحي بطبقته الاجتماعية، مثل الملابس والإكسسوارات وديكورات المكان الذي تسكن فيه والأماكن التي ترتادها.
ويأتي الوصف الداخلي للشخصية من خلال أفعالها، فلا نكتب أن “غيمان شجاع”، ولكن نجعله يقوم بأفعال تدل على شجاعته، وكذلك تكشف المواقف التي نضعه فيها عن معدنه.
لابد أن يُركز السيناريست على التباين في صفات الشخصيات. وأن يبني شخصياته بناءً جيدًا، وخصوصًا شخصية البطل. ولابد عند بناء شخصية البطل أن يكون له هدف يسعى إليه.
وعلى السيناريست الانتباه إلى أن المشاهد سوف يتماهى مع الشخصية الأفضل بناءً، ولذلك ليس مستغربًا أن يتماهى ويتعاطف المشاهد حتى مع البطل المضاد -الشرير- إذا قام السيناريست ببناء شخصيته بإتقان وإبهار!
يمكن أن تكون شخصية البطل مناقضة للفكرة السائدة عن البطولة، فقد يقوم السيناريست ببنائها كشخصية تنقصها المثل العليا أو النبل أو الشجاعة، فهو بطل (antihero) يخلو من البطولة.
ومن الشخصيات المهمة التي يُوصى بخلقها في السيناريو: شخصية (البطل السنيد). ومهمة هذه الشخصية مساندة البطل في تحقيق هدفه الذي يسعى إليه. وهي حل درامي بسيط وعبقري لكيلا يضطر السيناريست إلى ارتكاب هفوة (الحوار الداخلي) المرفوض تمامًا في الدراما، فهو -أيّ البطل- يتكلم مع هذه الشخصية ويُفصح عن خلجات نفسه.
وكأمثلة للبطل السنيد نذكر (مورغان فريمان) في الأفلام الأمريكية، و(عبدالسلام النابلسي) في الأفلام المصرية القديمة، و(حسن حسني) في الأفلام المصرية الحديثة.
في فيلم الخلاص من شاوشانك (The Shawshank Redemption) 1994، يلعب الممثل مورغان فريمان شخصية البطل السنيد، ويؤدي شخصية إليس ريدنج، صديق بطل الفيلم آندي دوفرين الذي أدى دوره الممثل تيم روبنز، وهو أيضًا يقوم بدور الراوي لقصة الفيلم.
على السيناريست التدقيق عند اختيار أسماء الشخصيات، ويفضل أن تكون الأسماء سهلة الحفظ، ولا تكون متقاربة في مخارج حروفها من مثل أن يكون اسم البطل قايد واسم الغريم عايد، ونحو ذلك.
يستحسن أن يضع السيناريست في باله منذ البداية مسألة عدد الشخصيات في السيناريو، وهل لدى المنتج المال الكافي ليدفع لكل هؤلاء الممثلين؟ والمسألة نسبية طبعًا.
كم هو العدد المناسب من الشخصيات؟ لا ننظر للمسألة من هذه الزاوية، ولكن حبكة السيناريو هي التي تفرض عدد الشخصيات. مثلًا فيلم الجميع فُقد (ALL IS LOST) بطولة النجم الأمريكي روبرت ريدفورد، يعد أول فيلم في تاريخ السينما يقوم به ممثل واحد فقط (أُنتج عام 2013).
نصيحة مهمة من السيناريست الأمريكي سِد فيلد:
“الفيلم شيء بصري. وما عليك إلا أن تجد طرقًا لتكشف بها صراعات الشخصية (بصريًا) فأنت لا تستطيع أن تكشف شيئًا لا تعرفه” كتاب السيناريو، ص38.
والمقصود أن السيناريو مختلف عن الأدب، من هذا الوجه تحديدًا، فإذا كان بإمكان الأديب أن يكتب في قصته “غيمان يكره أباه” فإن هذه المعلومة تصل للقارئ بيسر، ولكن إذا كتب السيناريست هذه الجملة نفسها فقد ارتكب هفوة جسيمة، لأن الكاميرا لا تستطيع التقاط هذا الشعور! والحل هو إيجاد معادل بصري لترجمة هذه الكراهية إلى صور مرئية.
قرأت في العديد من السيناريوات وصف مشاعر الشخصيات بطريقة أدبية، وهذا الوصف الأدبي لا يمكن مع الأسف نقله إلى الشاشة.. وللتخلص من هذا العيب يحتاج السيناريست إلى تحويل المشاعر إلى أفعال.
إذا أخذنا المثال السابق “غيمان يكره أباه”، فإن هناك عددًا لا يحصى من الأفعال الدرامية التي يمكن لـ(غيمان) القيام بها ليعبر عن كراهيته لأبيه، وهذه الأفعال هي التي يمكن للكاميرا أن توصلها بيسر للمشاهدين فيستنتجوا منها مشاعر غيمان تجاه والده.
ملاحظة أخيرة تتعلق بالمعلومات الغزيرة التي يفترض أن نمتلكها عن الشخصيات، هل يجب إظهارها كلها للمشاهدين؟ الجواب قطعًا لا. السيناريست المحترف يعرف قدرًا كبيرًا من المعلومات عن شخصياته، ولا يكشف للمشاهدين إلا القدر الضروري فقط للمشاهدين.
على سبيل المثال، يعرف السيناريست الاسم الرباعي لـ(غيمان) وتاريخه منذ مولده حتى لحظة ظهوره في أول مشهد، ولكن بالنسبة للمشاهد قد لا تكون هناك ضرورة درامية ليعرف ماضي الشخصية واسمها الكامل.
يمكن أن نتعلم الكثير عن (الشخصية) من خلال مشاهدة الأفلام، ولكن الواقع يظل هو المعلم الأعظم.
* روائي وكاتب يمني.
تعليقات