(31) شخصًا بين متوفٍّ ومفقود في محافظة الحديدة جراء السيول.
جرفت السيول مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في مديرية مقبنة.
(12) منزلاً دمرتها السيول في قرية بحجة.
صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
حتى مساء الثلاثاء، الموافق 7 من أغسطس الجاري، لم يكن في توقعات أسرة المواطن اليمني “أحمد حسين حداد” أن تجد نفسها في لحظة واحدة وقد فقدت كلاً من ابنته علياء وابنة أخيه نرجس، (3 – 4) سنوات على التوالي، جراء السيول التي اجتاحت منزلهم الواقع بقرية “القحمة” بعزلة بلاد الرقود في مديرية زبيد بمحافظة الحديدة غربي اليمن، والتي دمرت منزلهم بكل ما يحتويه من ممتلكات مادية ومعنوية، ومعه منازل عديد من أسر القرية، بحسب المواطن حداد، متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.
خلال الفترة من 28 يوليو/ تموز حتى 9 أغسطس/ آب، تسببت السيول التي شهدتها عدة محافظات يمنية، بوفاة 57 شخصًا، وإصابة 16 آخرين كحصيلة أولية رسمية قابلة للزيادة، حسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن “أوتشا”، مشيرًا إلى توزُّع فاتورة الضحايا بين الحديدة (31 شخصًا) وتعز (15 شخصًا) وصعدة (شخصين)، الأمر الذي يجعل البلد الذي يعيش لأكثر من تسعة أعوام في ظل حالة حرب وحصار، أمام كارثة طبيعية لها تداعيات سلبية عميقة على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، وغيرها من الأصعدة.
كما يشير تقرير “الأوتشا” إلى إلحاق السيول الضرر والتأثير بنحو 34,260 أسرة في جميع أنحاء البلد، ويأتي في مقدمتها الحديدة وتعز وحجة وصعدة، حيث أجبرت الكثير من تلك الأسر التي طالها الضرر على النزوح من منازلها المدمرة إلى أماكن أخرى، كأسرة المواطن، أحمد حداد، الذي يصف ليلة الحادثة بـ “الـكابوس المفزع”.
يقول حداد: “بدأت الأمطار الغزيرة منذ وقت العصر، وكانت تزداد شدتها مع الوقت حتى وصلت إلى ذروتها عند تمام الساعة التاسعة مع مهاجمة السيول منزلي الواقع في رابية بعيدة عن مجرى السيول المعتاد، دخلت السيول من كل جانب في المنزل، وتسببت بتساقط بعض جدرانه مما أدى إلى وفاة الطفلتين.. كانت أصوات أطفالي ونسائي تملأ المكان، لكن لا مجيب، فالقرية بأكملها تغرق، وقرابة عشرين منزلًا من منازلها تعيش نفس المشهد”.
ويشير إلى أنه بالإضافة إلى “خسارة الأرواح فقد جرفت السيول كل ممتلكاتي وما جمعته سنوات عمري من أموال ومقتنيات وأثاث ومواشي حيوانات ودراجة نارية (موتور) هي مصدر رزقي الأساسي، وتركتني وأسرتي في العراء قبل أن ننتقل إلى منزل خالٍ من السكان، في قرية مجاورة بدعوة كريمة من مالكه”.
وحول التعويضات التي قدمت للأسرة، يلفت إلى أن كل ما وصلهم حتى اللحظة يقتصر على مواد غذائية متنوعة، مطالبًا الجهات المعنية وكل من له علاقة بتعويضه وغيره من أهالي قريته المنكوبة وإعادة بناء منازلهم.
السيول التي ضربت قرية “القحمة” لم يسبق أن شهدتها المنطقة منذ قرابة عقود وفقًا لما نقله أهالي القرية لـ”اليمني الأميركي”، على لسان الحاجة فاطمة علي، معمرة في عقدها الثامن، ولم يسبق أن شاهدت سيولًا وفيضانات في حياتها بذلك الشكل الذي حصل مؤخرًا، وهي كذلك أيضًا بالنسبة لأهالي قرية “بني يوس” في مديرية أفلح اليمن بمحافظة حجة، والتي تعرض 12 منزلاً فيها للدمار بسبب السيول غير المتوقعة، بحسب المواطن علي العكيري، الذي يرقد – حاليًا – في أحد مستشفيات حجة جراء إصابته نتيجة انجرافه مع السيول مسافة تزيد عن 150 مترًا من منزله.
ويذكر العكيري: “كنت قد أخليت منزلي من النساء والأطفال، وعندما عدتُ مع ثلاثة من أولادي إليه لإخلاء مواشي الأغنام والماعز، انهار المنزل فوق رؤوسنا وجرفتنا السيول معها، تعرضتُ للإصابة بكسور ورضوض في أجزاء متفرقة من جسمي، وتجلط في شرايين قدمي اليسرى، بالإضافة إلى تعرض أولادي الثلاثة لإصابات مماثلة ومتفاوتة”.
أضرار كارثة السيول التي شهدتها محافظات الساحل الغربي الثلاث لا تقتصر على الأرواح والمنازل فقط، وإن كانت هي الخسارة الأكثر فداحة على الصعيد الإنساني، لكنها تشمل كذلك تجريف المزارع وتدمير مصادر الدخل ومقومات الاقتصاد المحلي لتلك المجتمعات، ففي مديرية مقبنة بمحافظة تعز على سبيل المثال، طمرت السيول أكثر من 80 بئرًا، وجرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى 50 مضخة و6 منظومات طاقة شمسية مخصصة للقطاع الزراعي، وإلحاقها الضرر بستة مشاريع مياه، بحسب معلومات متطابقة وردت في تقريرين، أحدهما صادر عن المجلس المحلي للمديرية، والآخر من مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن “أوتشا”.
المُزارع عزالدين غالب، من أهالي قرية النشيمة بعزلة بيدحة في المديرية، يروي لـ”اليمني الأميركي”، جانبًا من الخسارة التي تعرضت لها مزرعته وأملاكه، بالقول: “جرفت السيول بشكل كلي معظم مزرعتي المكونة من ستة أحوال (الحول وصف للقطعة الزراعية)، والتي كانت تنتج حبوبًا بمختلف أنواعها، وبقوليات وخضروات وفواكه كالمانجو والموز والنخيل والزيتون وعنب الفلفل وغيرها، بالإضافة إلى طمرها لبئر المزرعة، وإعادة كل هذا يحتاج إلى سنوات”.
التصاعد الحاصل في الكوارث الطبيعية التي تشهدها اليمن خلال السنوات الأخيرة، يعزيه خبراء ومختصون إلى آثار التغيرات المناخية الحاصلة في العالم، في حين يعود تضاعف الخسائر إلى الضعف الحاصل في البنية التحتية للبلد، والتي رغم عدم اكتمال مقوماتها الإنشائية من شبكات طرق شاملة تربط كافة أجزاء البلد ومشاريع خدمية وتكنولوجية، يغيب عمّا هو موجود منها أي مقومات تراعي الاستدامة البيئية، ولها القدرة على الاستجابة والتكيف مع كوارث التغيرات المناخية، بحسب المدير التنفيذي للمنتدى الوطني للبيئة والتنمية المستدامة (منظمة محلية متخصصة بالبيئة)، محمد اليتاري، في حديثه لـ”اليمني الأميركي”.
ويؤكد المدير التنفيذي للمنتدى الوطني للبيئة، اليتاري: أن “مواجهة آثار وكوارث التغيرات المناخية يستدعي تبني سياسة بيئية مستدامة بجهود مشتركة من الدولة والمجتمع، تبدأ من زيادة الوعي البيئي بين أوساط المجتمع، وتشمل تطوير منظومات الرصد والبحث وإعادة هندسة مشاريع البنية التحتية بما يراعي التحديات المناخية التي سيواجهها بلدنا مع غيره من بلدان العالم خلال السنوات القادمة، فيما تتطلب الكوارث الطبيعية، التي يمر بها البلد حاليًا، التسريع من خطوات السلام والخروج من مأزق الصراع والحرب في أقرب وقت”.
تعليقات