أحمد الأغبري
مما لا شك فيه أن الشاعر اليمني الراحل حسن الشرفي (1942 – 2020) قد أضاف للقصيدة اليمنية، بل إنه يمثل علامة فارقة في تاريخها الحديث، فعلاوة على كونه محسوبًا على جيل الرواد في الشعر اليمنيّ الحديث، فقد كان متميزًا بقدرته على اجتراح صورة شعرية أجدّ، وصوغ موقف إنساني أكثر عمقًا في تعاطيه مع الواقع.
في الذكرى الثانية لرحيله (25 مايو) نستدعي بعضًا من جماليات علاقته بالشعر، وقبل ذلك بعضًا من ملامح علاقته بالصحافة، وذلك من خلال علاقة كاتب السطور بشخصه وتجربته، والتي عبّرت عنها مقابلة معه كشفت عن الكثير من ملامح وسمات هذه التجربة في أهم مراحل تطورها.
قبل أن أقابله كنتُ قد قرأتُ له وعنه شاعرًا كبيرًا، يكتب الشعر بغزارة، مسجلاً تميزًا في شعر العمود وشعر العامية، محمولاً بلغة مختلفة، وصور فارقة، ورؤى متميزة عكست قدرته الشعرية العالية في تعاطيه مع الواقع والمستقبل، والتماهي مع تفاصيل الحياة البسيطة وأحلامها الكبيرة في آن، ملتزمًا حديث الحب والجمال.
كان الشاعر الراحل يتمتع بدرجة عالية من الذكاء في علاقته بالصحافة، إذ كان يجد في لقاءاته معها فرصة لبث رسائله والتعبير عن آرائه ومواقفه، وقد كان يطمئن لها كثيرًا، لا سيما عندما يجد المُحاور ذكيًّا.
كان الراحل يُفضّل أن يتسلم الأسئلة مكتوبة، لا سيما عندما تُلامس الأسئلة أفكارًا غير مألوفة، وهو بذلك ليس كبعض الأدباء يتخذ من الحوار غير المباشر (المكتوب) وسيلة للهروب من مواجهة كمائن الأسئلة والمحاور، بل كان يعطي كل سؤال حقه في دلالة على مدى نضج وعيه كمثقف ومبدع حقيقي…
عندما اقترح عليّ فكرة استلام الأسئلة مكتوبة قلتُ له إن هذا سيتطلب جلسة حوار مباشرة فيما بعد استلام الإجابات المكتملة لاستكمال ما تستدعيه إجاباته من أسئلة أخرى… فوافق… وبالفعل تلقيتُ إجاباته، وكان الراحل يكتب بخطّ في غاية الجمال.. وكانت إجاباته مكتملة، وكان بعضها يستدعي استكمالها بحوار مباشر، وهو ما كان… وللأمانة لم أجده في الحوار المباشر مختلفًا عمّا حملته إجاباته المكتوبة… فقد كان الشاعر الراحل متحدثًا بشعرية عالية في الحوار المباشر، كما كان في إجاباته المكتوبة… وهذا يدلل على سعة ثقافته وجمال روحه، وهو ما انعكس على رقيّ لسانه وعلو شأن خطابه… وقبل ذلك هو الشاعر الحقيقي، فالشعر الحقيقي لا يثمر إلا في وادٍ خصب الثقافة، وينبجس، قصائد جديدة، عن رؤية واضحة ثقيلة الوزن… وحسن الشرفي كان صاحب رؤية واضحة تجاه الحياة والإنسان، وهذا ما تقوله قصائده… وبالتالي لم أجد في إجاباته المباشرة اختلافًا عمّا حملته إجاباته المكتوبة… فالمستوى هو نفسه دون أيّ افتعال… وبالتالي تُمثل مقابلتي معه واحدة من أجمل وأهم المقابلات في تجربتي الصحافية.
في المرعى كانت بداية حسن الشرفي مع كتابة الشِّعر، ومع كتابة الشِّعر كانت ولادته كإنسان… بدأ كتابة الشعر نظمًا، وبعد قراءات متعددة الاتجاهات، وبخاصة بعد أن حفظ القرآن وهضم علوم اللغة، تبلورت لديه قناعات جديدة تجاه الشعر، فتجاوز مفهومه للشعر من كونه كلامًا موزونًا مقفى إلى ما هو أبعد وأرقى، وذلك مع بداية عقد السبعينيات، حيث بدأت علاقته بالشعر تنحو منحى جديدًا متجاوزًا ما كتبه في الستينيات، فارتقت تجربته في كتابة شِعر العامية، وهو الشعر الذي كانت معه البداية…
قال: «التزمتُ في الغالب جانب العمود كشكل لا يُمثل إلا وعاء محدود الأهمية… لقد كان ما وراء الشكل هو ما أبحث عنه في المعنى وفي الصورة، وأهم ما وقر في نفسي هو ضرورة الوقوف على أرض ليس فيها موطئ قدم للاجتهادات العاجزة مع الإيمان المطلق أن ملكوت الشعر لا نصيب فيه ولا مكان للنظم بمعناه المجرد».
على الرغم من توحده مع الظل ورفضه للأضواء، إلا أن قصائده كانت لسان حاله مع المجتمع، كما كان مقيله في منزله ملتقى ثقافيًّا لِمن يريد مقابلته… في دلالة على مدى حرصه على أن تبقى علاقته بالمجتمع مستمرة من خلال القصيدة، ومع المشهد الثقافي من خلال مقيله في منزله المتواضع بصنعاء.
نسأل الله أن يغفر له ويرحمه.
تعليقات