وجدي الأهدل*
بليك سنايدر سيناريست أمريكي، مؤلف كتاب “أنقذ القطة” الذي نشر عام 2005، ومنذ صدوره فاقت طبعاته الثلاثين، وترجم إلى عشرات اللغات، منها اللغة العربية، وصار هذا الكتاب أيقونة لكُتاب السيناريو في معظم أنحاء العالم، ومرجعًا معتمدًا في الكليات التي تُدرس مادة السيناريو.
النجاح المنقطع النظير الذي لاقاه الكتاب، وربما فاجأ المؤلف، جعله مدعوًا لإلقاء المحاضرات في المؤسسات السينمائية في أوروبا والصين، كما أقام سلسلة من الورش الخاصة بفن كتابة السيناريو في لوس أنجلوس ومدن أمريكية أخرى.
بليك سنايدر (1957 – 2009) يمتلك كسيناريست سيرة مهنية ناجحة ولامعة جدًا، وربما يمكننا القول إنه السيناريست الأكثر حظًا في العالم، فبعض سيناريواته بيعت بمبلغ مليوني دولار، علمًا أنه كتب عشرات السيناريوات، وكسب منها ثروة كبيرة.
كتاب “أنقذ القطة” هو كتاب لا غنى عنه لمن يريد خوض مغامرة كتابة السيناريو، وهو يشرح بدقة لا مثيل لها كيفية بناء السيناريو صفحة صفحة، وسنايدر إلى جانب كونه فنانًا أصيلًا، هو أيضًا مهندس أتقن معمار السيناريو، إلى درجة تحديد هيكل البناء برقم الصفحة، وهو شيء لا يمكن للكاتب المبتدئ تصوره! ولكن هذا الانضباط الصارم ببناء السيناريو وفق وحدات محددة بدقة متناهية كدقة الساعات السويسرية، هو أمر ممكن مع المران وتراكم الخبرة واتقان التحكم في الحبكة.
هذا البناء المتقن هو سر من أسرار هوليوود، والسبب الذي يجعل النسبة الأكبر من أفلامها تحقق النجاح والشعبية ليس في أمريكا وحدها، ولكن في بلدان أخرى ذات حضارات ولغات مختلفة.
يسمي سنايدر نموذجه الهندسي في بناء السيناريو “نموذج بليك سنايدر للوقفات”، وحصرها في 15 وقفة، ذكرها مع الإشارة إلى رقم الصفحة على النحو التالي:
1- المشهد الافتتاحي (1):
2- طرح الثيمة الأساسية (5):
3- التأسيس (1 – 10):
4- العامل المحفز (12):
5- التفاوض (12 – 25):
6- اقتحام الفصل الثاني (25):
7- القصة ب (30):
8- المرح والألعاب (30 – 55):
9- نقطة الوسط (55):
10- اقتراب الأشرار (55 – 75):
11- فقدان كل شيء (75):
12- اكتئاب الروح (75 – 85):
13- اقتحام الفصل الثالث (85):
14- الخاتمة (85 – 110):
15- المشهد النهائي (110):
وكما نلاحظ فإن كل وقفة تستلزم وضع جملة واحدة تشرح ماذا يحدث فيها، وهكذا يمكن القول إن السيناريو الهوليوودي يتكون من 15 وحدة بنائية، أو 15 طابقًا إذا شبهناه بصرح معماري. وفي حال كان السيناريو أقصر 90 دقيقة مثلًا، أو مساحته الزمنية أطول من 110 صفحة، فإن النسب بين الوقفات تظل هي نفسها. وهذا القالب الناجح لبناء السيناريو توصل إليه سنايدر عبر دراسة وفحص الأفلام القديمة والحديثة التي حققت النجاح وذاع صيتها، ولاحظ أنها تتبع مخططًا هندسيًا متشابهًا، وهكذا اكتشف الخلطة السرية لنجاح الأفلام وكشفها للملأ.
هل هذه “الوقفات” السنايدرية ملائمة لكُتاب السيناريو خارج البيئة الثقافية الأمريكية؟ ليس لديّ جواب حاسم حول هذه النقطة. لكن هذا لا يمنع أن يُجرب السيناريست اليمني والعربي الاستفادة من هذا القالب الذي أثبت نجاعته في هوليوود.
ثمة تساؤل كيف يمكن تطبيق “نموذج بليك سنايدر للوقفات” على سيناريو مسلسل قد يتكون من 10 أو 30 حلقة؟ هل نطبق القالب على كل حلقة؟ طبعًا هذا غير معقول، لكن يمكن تطبيقه على سيناريو المسلسل ككل، باستخدام الآلة الحاسبة لاستخراج النسب بين كل وقفة وأخرى، وهكذا سنحصل على آلية تحكم رائعة في حبكة المسلسل، وتطوير الأحداث بتسلسل درامي سليم.
حول العنوان الغريب “أنقذ القطة” الذي اختاره بليك سنايدر لكتابه، المقصود به كما يشرح هو ذلك؛ أنه كان هناك تقليد في الأفلام الهوليوودية القديمة أن يبدأ الفيلم بمشهد يظهر فيه البطل وهو يقوم بعمل إنساني، لكي يتعاطف معه المشاهد منذ الوهلة الأولى، ويتوحد معه. ويرى سنايدر أن على السيناريست الجيد الالتزام بهذا التقليد الجيد، وأن على البطل في بداية الفيلم القيام بعمل من أعمال الخير ولو كان مجرد إنقاذ قطة.
لعلنا لاحظنا كم هذه الفكرة بسيطة، ويمكن الأخذ بها بيسر، فهي لا تكلف السيناريست مجهودًا فكريًا يذكر، ولكن تأثيرها على المشاهدين مذهل، ويجعل السيناريست يسجل هدفًا في شباك التذاكر منذ الدقيقة الأولى.
من النصائح المهمة التي يُدلي بها بليك سنايدر لكُتَّاب السيناريو؛ اقتناء سبورة أو لوح من الفلين وتعليقها على الجدار، إلى جانب قصاصات مربعة ودبابيس، وكتابة رؤوس أقلام مشاهد السيناريو واحدًا تلو الآخر، وتثبيتها على اللوحة، وهكذا نحصل على رؤية شاملة للسيناريو، ومن ثم إمعان النظر في كل مشهد ومدى جدواه وفائدته، وبالطبع تبدأ عملية طويلة ومرهقة من حذف المشاهد الضعيفة واستبدالها بمشاهد قوية، وتعديل مسار الحبكة، ويستمر هذا العمل من يوم لآخر إلى أن يصل السيناريست إلى الرضا التام عن هيكل السيناريو وحبكته.
ويجب الانتباه إلى أن الجهد والعرق الذي يُبذل في انتقاء وإقصاء المشاهد وتسويتها وتقويتها، سيوفر علينا الكثير من الوقت عندما نشرع عمليًا في كتابة السيناريو.
هذه العملية التي تُسبب أشد أنواع الصداع للرأس وعسر الهضم للمعدة، تشبه ما يقوم به قائد الجيش في خيمته حينما يضع خطة الحرب وأمامه مجسم يمثل ميدان المعركة، ومن ثم يطلب من قادة القوات الالتزام بالتعليمات وتنفيذ الخطة بدقة قبل إعطاء الأمر بالهجوم.
نصيحة ثمينة من بليك سنايدر لكُتَّاب السيناريو تحذر من “الهراء المزدوج”! أيّ الجمع بين موضوعين خياليين في فيلم واحد، فهذا فوق طاقة المشاهدين على التحمل، ويؤدي إلى نتائج عكسية، ومن ثم يفشل العمل الدرامي فشلًا ذريعًا:
“دعني أقل لك: إنه ولسبب ما، سيتقبل المشاهدون نوعًا واحدًا فقط من السحر في كل فيلم، تلك هي القاعدة. حيث لا يمكنك أن ترى كائنات فضائية تهبط على الأرض من مركبة فضائية ليفترسها مصاصو دماء فتصبح من الموتى الأحياء إضافة إلى كونها كائنات فضائية. ذلك يا أصدقائي، هو الهراء المزدوج”ص193.
يحفل كتاب “أنقذ القطة” بنصائح لا تقدر بثمن في كتابة السيناريو، ولكنه ليس كتابًا تعليميًا للمبتدئين، فمؤلف الكتاب بليك سنايدر افترض أن الساعين إلى اقتناء كتابه هم كُتَّاب سيناريو ممارسين للمهنة، وليسوا من الهواة، وهذا وفر عليه ذكر تلك المعلومات التعليمية المملة التي يمكن الحصول عليها من كتب السيناريو السابقة، مثل كتاب سد فيلد الشهير عن السيناريو، وعشرات الكتب الأخرى الأقل شهرة، فكتابه يركز على الجوانب الحرفية في السيناريو، وهذه ميزته التي تجعله متفوقًا على الكتب السابقة، وجديرًا بالقراءة أكثر من سواه.
ترجمت الكتاب إلى اللغة العربية غادة عبدالعال، وصدر عام 2023، عن الكرمة للنشر بالقاهرة.
* روائي وكاتب يمني.
تعليقات