Accessibility links

إعلان
إعلان

وجدي الأهدل*

هل بإمكان فرد واحد إحداث ثورة ثقافية في بلد ما؟ نعم يمكن، وهذا ما فعله الأديب والصحافي محمد القعود، وذلك من خلال إشرافه على ملحق الثورة الثقافي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.

وخلال ثلاثين عامًا صنع سماءً مرصعة بمئات الأسماء التي تألقت في الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية والنقد والمقالات الفكرية والنقدية.

هذا الدور الفردي العظيم عجزت عن القيام به وزارة الثقافة بمؤسساتها المختلفة، فهو وحده أنقذ اليمن من العقم الثقافي، وبذائقته الفنية اكتشف عددًا لا يحصى من الأدباء والكُتاب المبتدئين وقدمهم لجمهور واسع، وسلط عليهم الأضواء، وجعلهم يندمجون في المشهد الثقافي اليمني.

الأستاذ محمد القعود هو أحد أعمدة التنوير في اليمن، فهو الذي جعل ملحق الثورة الثقافي منارة تشع منها أضواء التنوير الساطعة، وهو الذي جمع صفوة المثقفين على مائدته الثقافية، وإليه يعود الفضل في تزويد القراء بزاد أدبي وفكري راقٍ على مدى سنوات طوال.

بالنسبة لي عرفني القراء من خلال ملحق الثورة الثقافي، وكنت أتواصل مع الأستاذ محمد عبر البريد، فلم أقابله وجهًا لوجه إلا بعد مرور عامين أو أكثر، وكان ينشر لي وهو لا يعرفني، وهذا دليل على مزاياه كمحرر ثقافي، فهو ينشر ما يستحق النشر، مع رغبة صادقة في تشجيع الموهوبين الجدد من الكُتاب.

لذلك نحن أدباء اليمن مدينون لهذا الإنسان النبيل بكل ما حققناه لاحقًا من حضور ونجاح وتحقق أدبي.

تلقيتُ من الأستاذ محمد تشجيعًا أبعد من مجرد النشر في ملحق الثورة الثقافي، ربما لحسن ظنه في موهبتي الأدبية، فرشحني للعمل تحت قيادته مديرًا للتحرير في صحيفة كان يفترض أن تصدر عن النادي الأدبي، ذاك النادي الذي تأسس عام 1996، وانضمت إليه طليعة أدباء اليمن الشبان، من الجنسين، ولعل العنصر النسائي كان الأكثر حضورًا ونشاطًا إبان تلك الفترة، وكان يدير النادي د. علي المضواحي، والرئيس الشرفي أحمد علي عبدالله صالح، وقمنا بجمع مواد العدد الأول، وأتذكر أنني قمت بعمل أول مقابلة صحفية في حياتي، وكانت مع الأستاذ علي علي المبنن، رئيس قطاع التلفزيون بالقناة الأولى، حينئذٍ لم أكن أمتلك جهاز تسجيل، وصبر عليّ الرجل الطيب، لأنني كنت أدون على الورق وهو يملي عليّ إجاباته.

حصلنا على مواد ممتازة من كبار أدباء اليمن أمثال: د. عبدالعزيز المقالح والأستاذ عبدالله البردوني، وآخرين، إضافة إلى مساهمات بأقلام الأدباء العراقيين المقيمين في صنعاء وقتها.

ذهب العدد الأول للمطبعة وبدأنا العمل على العدد الثاني، لكن المشهد تغيّر فجأة، نميمة سياسية أدت إلى قطع التمويل وإغلاق النادي الأدبي لمكاتبه وقاعاته ومكتبته التي اتسعت لمئات من المبدعين اليمنيين.

في بضعة أشهر تعلمت الكثير من فنون الصحافة الثقافية، على يد المعلم الأول في اليمن الصحافي محمد القعود، وكأنني التحقتُ بأكاديمية للصحافة والإعلام، مع فارق أنني كنت أتدرب يوميًا بشكل تطبيقي.

برع الأستاذ محمد القعود في كتابة الأدب الساخر، تخصص في مجال نادر جدًا في الأدب اليمني: القصص والمسرحيات الفكاهية. وهي أعمال أدبية تمزج ما بين اللغة العربية الفصحى والحوارات باللهجة الشعبية المبسطة. وقد أجاد هذا التركيب وأتقنه كما لم يفعل أحدٌ من قبله، وحسب علمي ليس هناك من يجاريه باستثناء الأديب عبدالكريم الرازحي.

عُرضتْ له على خشبة المسرح مسرحية “دعمامستان” عام 2013، وهي مسرحية كوميدية تحمل رسالة جادة، أخرجها للمسرح المخرج المعروف أمين هزبر، وتناولتها في دراسة نقدية الباحثة الأمريكية د. كاثرين هينيسي.

تُرجمت له قصائد شعرية إلى اللغة الإنجليزية، ونشرت في مجلة بانيبال التي تصدر من لندن.

الأستاذ محمد القعود من أغزر الأدباء اليمنيين إنتاجًا، الكتب التي صدرت له بلغ عددها 13 كتابًا، تراوحت ما بين الشعر والقصة القصيرة والأقاصيص والنصوص الحرة، منها: “جمهورية قعوديا العظمى”، “مرابيش بلا حدود”، “هتاف الخيبة”، “نقوش على الشفق”، “الطاغية يبتسم”، “الوردة بلا قبيلة”، “في مهب الحنين”، “الألم أناقتي”، “المموه بالضحك”، “كتابات بلون المطر”.

ومن خلال حديثي معه أعلم أن لديه عشرات المخطوطات الجاهزة للنشر، منها حواراته الصحفية مع كبار الأدباء العرب، ممن زاروا اليمن خلال عقد التسعينيات وما بعدها، أمثال أدونيس ومحمود درويش وسواهما، ومواد صحفية تعد كنزًا ثقافيًا، فهو وحده مركز ثقافي، وفي أرشيفه سجل للأدب اليمني المعاصر منذ قيام الوحدة عام 1990 وحتى اليوم.

أثناء صحبتي له مشيًا على الأقدام أو في وسائل المواصلات شاهدتُ الشعبية الجارفة التي يحظى بها من القراء الذين يتابعون كتاباته الساخرة في مجلة معين والملحق الثقافي، أناس من مختلف الشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية يسلمون عليه ويثنون على كتاباته، كانت هذه مكافأة رمزية من الناس الذي أدخل السعادة على قلوبهم في وقت من الأوقات.

لو أن المسرح في اليمن بخير، وقُدمت مسرحيات الأستاذ محمد القعود على الخشبة، فإن مقدارًا عظيمًا من البهجة كان سيظهر في المدينة، وكنا سنحظى بكاتب مسرحي تُكسِّر مسرحياته الدنيا، وتحقق مبيعات التذاكر أرقامًا عالية جدًا، فما أحوج الناس في صنعاء إلى ساعة من الضحك تخفف من همومهم.

الأوان لا يفوت أبدًا، ولابد سيأتي ذلك اليوم الذي تقدم فيه مسرحيات الأستاذ محمد القعود على الخشبة، وتحقق النجاح والجماهيرية الجارفة، وتضعه في المكانة التي يستحقها كواحد من أدباء اليمن الكبار في فن كتابة المسرحية والقصة القصيرة والمقالة الساخرة.

* روائي وكاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات