وجدي الأهدل*
إذا أجرينا مقارنة بين أمتين هما أمة العناكب وأمة النحل، فإننا سنلاحظ النتائج التالية:
العناكب تعيش في عالم من الفوضى والنزاع المستعر فيما بينها، العنكبوت القوي يأكل العنكبوت الضعيف، وإذا دخل عنكبوت في حمى عنكبوت آخر فيحدث بينهما صراع مرير لا ينتهي إلا بمقتل أحدهما.
العناكب انعزالية لا تعرف الحياة الاجتماعية، لا تتعاون، فكل فرد فيها أناني يبحث عن مصلحته الخاصة، مخلوقات كسولة رديئة الأخلاق.
وأما النحل فيعيش في خلية منظمة تنظيمًا رائعًا يُدهش حتى البشر، تقودهم الملكة التي هي أساس استقرار الخلية وسبب استتباب النظام فيها.
النحل مجتمع تعاوني، كل فرد في هذا المجتمع يقوم بدوره بنشاط وتفانٍ لا محدود. الجميع يعمل من أجل الكل، ومصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد، وإذا داهم الخلية خطر هبّ الجميع للتضحية بنفسه دفاعًا عن الخلية.
مجتمع النحل من جميع النواحي متفوق من الناحيتين الأخلاقية والإنتاجية على المجتمع البشري، فالمجتمع البشري ينتج ما يُستخدم في الخير وما يُستخدم في الشر، وأما النحل فلا ينتج إلا ما هو خير فقط (العسل)، كما أن دوره في الحفاظ على البيئة الطبيعية لا غنى عنه، مثل نقل بذور اللقاح.
وماذا عن المجتمع اليمني؟ إلى أيهما ينتمي؟ الجواب واضح:
نحن اليوم ننتمي إلى أمة العناكب!
جميع رذائل مجتمع العناكب تنطبق علينا، بل نحن صرنا عنكبوتيون أكثر من العناكب نفسها، فيمكننا أن ننقل إلى العناكب خبرتنا المشينة في ترسيم كانتونات أوهى من بيوتها، وينتشر نسيجها القذر في القلوب المضطغنة.
لن أسترسل في المقارنة، على القارئ الحصيف إجراء هذه المقارنة في ذهنه بين سلوك اليمنيين في الوقت الحاضر ومجتمع العناكب، فإن التشابه يكاد يصل إلى حد التطابق.
فهل يمكن أن تتحول الأمة اليمنية من أمة عناكب إلى أمة نحل؟ نعم إن هذا التحول ممكن في يوم واحد.. واحد فقط.. وإن حدث، فحينئذٍ سيكون هذا اليوم يومًا تاريخيًا وميلادًا جديدًا لشعبنا.
والسؤال كيف نصنع هذا التحول في يوم واحد؟ الجواب بسيط، وقد توصلت إليه الأمم التي من قبلنا منذ آلاف السنين:
أن تُجمع جميع الأطراف على اختيار رجل رشيد أو امرأة ذات عقل راجح لقيادة الأمة.
وهذا يعني أن يُجمع القادة في شمال اليمن وجنوبها وشرقها وغربها على قائد واحد، لا ينتمي إلى أيّ جماعة من أطراف الصراع، ليسوس البلاد ويعبر بها إلى بر الأمان والاستقرار والازدهار.
لقد شغلني هذا السؤال ردحًا من الزمن:
لماذا قبل آلاف السنين بحثت التجمعات البشرية البدائية في كل مكان تقريبًا على وجه الأرض عن قائد تُنصبه ملكًا عليها؟
والجواب صار حاضرًا أمام عينيّ، من خلال معايشتي للحرب التي لا نهاية لها بين اليمنيين، فكان الوضع هكذا في الأزمنة القديمة:
حروب لا نهاية لها، انتشار للجوع والمجاعة والفقر، قتل في كل مكان فلا أمان لأحد، الطرق غير آمنة فتنعدم السلع ويشتد الغلاء، وتنهار التجارة ويفلس السواد الأعظم من المجتمع.
وكان الحل الذي اهتدت إليه الأمم الغابرة لوقف هذه الحروب التي ما أن تبدأ حتى يكاد يستحيل إيقافها، هو البحث عن شخصية لها حيثية فيملكونها عليهم -رجلًا كان أو امرأة- فيكون لهذا الملك أو الملكة الكلمة العليا عليهم، وحق السمع والطاعة، وأول عمل يعمله هو وقف الحروب والنزاعات في البلد، وإقرار النظام وإنفاذ القوانين، فيستتب الأمن وتحدث حالة من الهدوء والاستقرار، فيعود الفلاحون إلى حرث حقولهم، وينشط التجار في البيع والشراء، ويرتاح الناس من شر قطاع الطريق وبطش العصابات الإجرامية من شذاذ الآفاق، فيتراجع خطر المجاعة حتى يصير ذكرى من الماضي، ويزدهر الاقتصاد فيعيش الناس في رفاهٍ ووفرة.
هل يَجِدّ اليمانيون في البحث عن هذه الشخصية القيادية الصالحة لتسلم السلطة وإخماد نار الحرب؟
هل يعقل أن شعبًا تعداده 40 مليونًا ليس بينهم فرد واحد محل ثقة الجميع؟؟ شخصية تتميز بالاستقامة والنزاهة والأمانة؟؟ شخصية تجمع بين العقل الراجح والخُلق القويم؟؟
لقد اجتمعت هذه الخصال العظيمة في شخصية القاضي عبدالرحمن الارياني الذي تسنم منصب رئيس الجمهورية، فأطفأ نار الحرب الأهلية، وحقق مأثرة المصالحة بين الجمهوريين والملكيين عام 1970، وقاد النظام الجمهوري إلى بر الأمان. وفي عهده تم التأسيس الفعلي لمعظم مؤسسات الدولة. كما أنه أنقذ البلاد من حرب أهلية حين قدّم استقالته متنازلًا عن منصب رئيس الجمهورية -في حالة إيثار لا مثيل لها- مضحيًا بمصالحه الشخصية من أجل مصلحة البلد، وسلّم الدولة لمن توسم فيه الصلاح والقدرة على الإصلاح ومتابعة بناء الدولة الحديثة.
والرئيس إبراهيم الحمدي ليس عنّا ببعيد، فهذا الرجل اجتمعت فيه أيضًا كافة المناقب المحمودة للقائد، وحقق في فترة حكمه الوجيزة إنجازات تنموية وإيرادات عالية لخزينة الدولة ما تزال حديث الناس حتى يومنا هذا.
قال الشاعر اليماني عمرو بن معد يكرب فارس العرب الأول:
ليس الجمال بمئزرٍ.. فاعلم وإن رُديت بردا
إن الجمال معادن.. ومناقب أورثن مجدا
والشاهد أن على السياسيين اليمنيين التأسي بأخلاق الفرسان، لإنقاذ شعبهم وصيانة بلادهم، وأن يصنعوا المجد العام الشامل للأمة اليمنية من خلال اتفاقهم على قائد واحد، لا يخالفه أحد، لإغلاق ملف الحرب وإحلال السلام الذي طال انتظاره.
*روائي وكاتب يمني.
تعليقات