عبدالفتاح شايع يروي كيف انهار منزله وجرفت السيول عائلته.
حمدي المذاب لـ”اليمني الأميركي”: السيول أجبرت أكثر من 80 أسرة حتى اللحظة على النزوح من مساكنها.
حتى اللحظة لم تصل فرق الإنقاذ لانتشال الضحايا أو تقديم المساعدات من مأوى وغذاء للأسر.
“الهلال الأحمر اليمني” لـ”اليمني الأميركي”: “الكارثة التي حدثت في مديرية المحويت، هي كارثة مركّبة”
صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
تعيش مديرية ملحان الواقعة في الجزء الغربي من محافظة المحويت (113 كيلو متر شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء)، على وقع مأساة إنسانية مؤسفة بسبب الكارثة الطبيعية المركّبة التي تسببت بها سيول الأمطار وانهيار خزانات المياه والانزلاقات الصخرية التي حدثت في بعض عُزل المديرية ليل الثلاثاء، الموافق 27 من شهر أغسطس، ونجم عنها 39 شخصًا بين وفيات ومفقودين كحصيلة أولية، وتسببت بنزوح العشرات من الأسر من منازلها، وألحقت أضرارًا بالغة في الأراضي الزراعية وممتلكات المواطنين.
كان من المفترض اجتماع أفراد عائلة المواطن عبدالفتاح محمد شايع، المكونة من 22 شخصًا، في منزلها الكائن بقرية “بني شائع” بعزلة همدان – مديرية ملحان، لتناول وجبة عشاء البارحة، وتبادل أطراف الحديث كالعادة، لكن بحلول الوقت المناسب لذلك، كانت السيول التي اجتاحت المنطقة، جرفت منزل الأسرة، ووضعت مصير حياة 17 من أفراد الأسرة في عداد المتوفين والمفقودين، فيما كتب لعبدالفتاح وأربعة آخرين من أسرته النجاة، ليكونوا شهودًا على المأساة التي بددت في لحظات شمْل التقائهم بأقاربهم إلى الأبد.
لحظات الكارثة
يتحدث المواطن عبدالفتاح شائع، الذي ما زال غير قادر على استيعاب الكارثة، التي التهمت أسرته، عن اللحظات الأولى لوقوع الكارثة بصوت متهدج، مثقل بالحزن: “كانت الأمطار الغزيرة قد بدأت بالتساقط بعد عصر الثلاثاء، وفي ساعات المغرب، وبدأنا نسمع كأن الدنيا بأكملها تتساقط من جوانب منزلنا الواقع في مكان بعيد عن مجاري السيول المعتادة، حينها قررت أنا الخروج إلى زريبة المواشي وإدخالها إلى المنزل خوفًا عليها من الغرق”.
يتابع: “حين وصلت إلى زريبة الحيوانات كانت قد تهدمت، وعند عودتي إلى المنزل كانت السيول المنحدرة من قمة الجبل قد شقّت منزلنا المكون من طابقين، وتسببت بانهياره وجرفت معها أفراد عائلتي، وحتى اللحظة لم نعثر سوى على جثث ثلاثة من الأطفال، فيما بقية الضحايا ما زلنا نبحث عنهم بمفردنا، ولم تصل أيٌّ من فِرق الإنقاذ للمساعدة”.
نزوح وعزلة
ويرجع عبدالرقيب يونس، أحد سكان القرية، أسباب الضرر الكبير الذي تسببت به السيول في منزل المواطن عبدالفتاح، إلى انهيار خزان مياه في أعلى الجبل الشاهق الذي تقع في إحدى تلاله القرية، وحدوث انزلاقات صخرية مصاحبة للسيول.
من جهته، يشير حمدي المذاب، شخصية اجتماعية في عزلة همدان، في حديثه لـ “اليمني الأميركي”، إلى أن “أضرار السيول أجبرت أكثر من 80 أسرة حتى اللحظة على النزوح من مساكنها في عدة قرى متضررة، منها قرية “بني شائع” والمذاب والظهاري وغيرها، إلى مدرسة في قرية مجاورة بعيدة نسبيًا عن أماكن الأضرار، لكن المشكلة أنه حتى اللحظة لم تصل فرق الإنقاذ لانتشال الضحايا أو تقديم المساعدات من مأوى وغذاء للأسر، وأصبحت عزلتنا المنكوبة شبه معزولة عن العالم”.
فِرق الإنقاذ لم تتمكن من الوصول
الكارثة التي شهدتها عزلة “همدان”، تسببت بوفاة وفقدان 25 شخصًا، بحسب المعلومات التي أدلى بها أمين عام جمعية الهلال الأحمر اليمني في محافظة المحويت، الدكتور سعد الحفاشي، لـ”اليمني الأميركي”، والذي أكد معلومات المواطنين بعدم تمكُّن فِرق الإنقاذ والطواقم الطبية من الوصول إلى العزلة “بسبب تقطُّع الطرق ووعورة التضاريس القاسية، واستمرار المنخفض الجوي والسيول حتى اللحظة”.
لكنه قال: “تمكنت فرقنا من الوصول إلى عزلة “القبلة” المجاورة، وتعمل – حاليًا – فِرق الدفاع المدني والطواقم الأمنية للوصول إلى همدان، ونأمل أن يحدث ذلك خلال الساعات القادمة”.
ويوضح أمين عام جمعية الهلال الأحمر في المحافظة، الحفاشي، أن “الكارثة التي حدثت في مديرية المحويت، هي كارثة مركّبة، ناتجة عن السيول والأمطار والانهيارات للخزانات المائية والانزلاقات الصخرية معًا، بالإضافة إلى أنه ضمن الوفيات كانت السبب صواعق رعدية، وجميعها حدثت في وقت واحد، وأكثر من منطقة”.
ويشير إلى أنه سبق وقد “حذرنا من خطورة انهيار الخزانات المائية والسدود نتيجة بنائها بشكل لا يراعي الدراسات البيئية للمناطق، فهذه الحادثة هي الثالثة من نوعها التي تشهدها المحافظة خلال خمسة أعوام، حيث كانت الأولى في مديرية ملحان ذاتها في أغسطس/ آب من عام 2019، ونتج عنها وفاة 12 شخصًا من أسرة واحدة، والثانية في نفس هذا الموسم في منطقة حفاش، ونتج عنها وفاة ستة أشخاص، وما نشهده اليوم من كارثة، هي الثالثة”.
خسائر مادية
في عزلة “القبلة” التي تمكنت فِرق الهلال الأحمر اليمني من الوصول إليها ساعات الصباح الأولى بعد تأخرها لأكثر من ست ساعات نتيجة للانزلاقات الصخرية التي صادفتها خلال الطريق المؤدي إلى المنطقة، بلغت فاتورة الضحايا قرابة 14 شخصًا بين وفيات ومفقودين كحصيلة أولية غير مكتملة، في حين يؤكد الحفاشي أنه: “من المبكر الحديث عن حصيلة مكتملة للضحايا والخسائر في الوقت الذي ما زالت فِرق الإنقاذ لم تتمكن من الوصول إلى كل المناطق المتضررة”.
الأضرار المادية التي تسببت بها الكارثة التي تعيشها مديرية ملحان اليوم، لم تقتصر على العشرات من منازل المواطنين في عزلتي “همدان والقبلة” وفقط، بل طالت المناطق الأخرى، كسوق “الولجة” (السوق الأسبوعي لأهالي المديرية)، الذي اجتاحته السيول، وتسببت بانجراف أربعة محلات تجارية بشكل كامل بما تحويه من ممتلكات وأموال، وأضرار متفاوتة في باقي المحلات، بالإضافة إلى انجراف وتضرر مركبات/ سيارات لمواطنين، وتسببها بقطع الطرق الرئيسية الرابطة بين السوق وعزل المديرية، بحسب الناشط الاجتماعي وأحد أهالي السوق، محمد الحسني، في حديثه لـ”اليمني الأميركي”.
أمام هول الخسائر البشرية والمادية التي أنتجتها الكارثة، أطلق الهلال الأحمر اليمني نداء استغاثة لشركاء العمل الإنساني لتقديم الدعم لجهود فتح الطرقات وإنقاذ الضحايا وتوفير المأوى والاحتياجات للمتضررين، لكن وبعد مضي أكثر من ثلاث ساعات على موعد عشاء أسرة المواطن المنكوب، عبدالفتاح شائع، ما يزال الرجل ومعه مجموعة من أهالي عزلته المنكوبة، يواصلون لمفردهم البحث عن مصير باقي المفقودين من أفراد الأسرة، لدفن رفات من تُوفّي وإنقاذ من سيكتب له النجاة منهم، لا لتبادل الحديث وتناول العشاء!
تعليقات