Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*

بداية أُهنئ الفائزين الخمسة بجائزة الربادي للقصة القصيرة في دورتها الثالثة، وهم:

عبده تاج، طلال قاسم، أرياف التميمي، عرفات مصلح، نبيل الدعيس، وكذلك رانيا الشوكاني وتسنيم المروني اللتان نوهت لجنة التحكيم بقصتيهما.

وأود أن أُشير إلى أن جميع القصص القصيرة التي تأهلت للقائمة الطويلة، كانت كلها متميزة ومستحقة للفوز، والمكسب الكبير لليمن هو أن لديها ثروة ثمينة من المبدعين الشباب، القادمين بقوة إلى المشهد الثقافي، الذين نُعول على كتاباتهم في رفع اسم بلادهم، وأن تستعيد اليمن على أيديهم مكانتها التاريخية كمركز حضاري يزخر بالأدباء والمثقفين والفنانين.

وهذا الأمل الذي نضعه على أكتافهم في إنصاف اسم بلادنا من التجاهل والتهميش وظلم ذوي القربى، يمكن أن يتحقق إذا هم ثابروا على القراءة.

إن آفة المبدع اليمني إهماله عادة القراءة، واتكاله على موهبته الفطرية في الكتابة، وظنه أن مخزونه الشخصي يكفيه زادًا لرحلته في دنيا الأدب، ولكن هذا الظن خاطئ، وسبب في توقف موهبته عن النمو والتطور.

إن أول وحي تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من السماء هو كلمة “اقرأ”، وهذا لافت للانتباه، لأن المنطقي أن تكون أول كلمة من كلمات الوحي هي “اكتب”، أيّ اكتب الوحي الذي نوحيه إليك.. أليس كذلك؟ ولكن هذا درس بليغ للبشرية بأسرها، أن القراءة تأتي أولًا ثم الكتابة لاحقًا، وهذا الإرشاد هو الترتيب الصحيح للعملية الإبداعية والفكرية، والذي يضمن تطور ونمو الموهبة.

لا أخشى على شبابنا المبدعين من الحرب وتبعاتها، ولكنما أخشى عليهم من التفريط في عادة القراءة اليومية، فتصدأ أرواحهم وتذبل مواهبهم وهم لا يشعرون.

سوف يصادف المبدع في رحلته الأدبية أبوابًا مغلقة في وجهه، وحواجز تحول دون متابعة سيره، وحينئذٍ قد يلجأ إلى كنانته فينظر ماذا فيها من جوائز وألقاب يشهرها في وجوه الرعاع الذين يقللون من شأن إبداعه، أو أولئك الحساد المبغضين الذين يرومون كسره ودفنه قبل أن ينهض ويحلق في سماء الإبداع.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الجائزة، جائزة الربادي للقصة القصيرة، التي توفر للفائزين بها رتبة أدبية معنوية تشير إلى تميزهم، وتمنحهم علامة تفوق تضاف في سِيرهم الذاتية مدى الحياة.

في الجيش يحمل الضباط رتبهم على أكتافهم، فنعرف من أول نظرة المكانة التي وصلوا إليها في تلك المؤسسة، وبالنسبة لنا نحن الأدباء فإن المعادل لهذه الرتب هي الجوائز التي ترسخ قدم الأديب في المشهد الثقافي وترفع من مكانته في المجتمع.

لذلك على الأدباء الشباب الحرص على التقدم للجوائز المحلية والعربية، وفي حال الفوز سيحصلون على شرف لا يمحوه الدهر، وسينفعهم في كثير من المناسبات التي يضعها القدر في طريقهم، وفي حال عدم الفوز فإن على الأديب الشاب إعادة النظر في نصه أو نصوصه، ومحاولة اكتشاف الثغرات التي حالت دون فوزه.

لقد تشرفتُ بالتحكيم في جائزة الربادي للقصة القصيرة في دورتها الثالثة، وقرأتُ 123 قصة قصيرة، وملاحظتي الأساسية أن معظم القصص القصيرة التي تقدمت للجائزة كُتبتْ مرة واحدة، ولم يخطر ببال مؤلفيها إعادة كتابتها عدة مرات.

وهذا تقصير شائع جدًّا لدى كاتباتنا وكُتابنا الشباب مع الأسف، ونتيجة لهذا الكسل تطفو على السطح عيوب صغيرة هنا وهناك، لا تلفت انتباه كاتبتها أو كاتبها، ولكنها تلفت انتباه المحكم على الفور وتجعله يأسى أن يستبعد نصًّا جيدًا بسبب عيوب بسيطة، كان يمكن للمؤلف أن يتلافاها لو أنه أعاد كتابة قصته مرتين أو ثلاث مرات على الأقل.

الكتابة الأولى رديئة حتى بالنسبة لأفضل كُتَّاب العالم، وللتخلص من هذه النسخة الأولية الرديئة يعيد الكاتب الجاد كتابة نصه مرة ومرتين وثلاث وأكثر حتى يحصل على النسخة الأقرب للكمال الفني لنصه الأدبي.

رواية “ليس لدى الجنرال من يكاتبه” تعد من أجمل روايات جابرييل جارسيا ماركيز، وقد صرح بأنه أعاد كتابتها كاملة ثماني مرات.

رواية “الشيخ والبحر” لإرنست همنغواي تعد من أفضل أعماله، وبعد وفاته عثر بين أوراقه على مسودات تلك الرواية الإنسانية الرائعة، وتبين أنه أعاد كتابة الصفحات الأخيرة من الرواية أكثر من 49 مرة!

إن هذا ليس سرًّا: الفرق بين الكاتب الجيد والكاتب الرديء هو أن الأول يعيد كتابة قصته أو روايته عدة مرات، والثاني يكتبها مرة واحدة ولا يبذل جهدًا إضافيًّا لتحسينها وتجويدها وصقلها من كافة الوجوه.

إن جائزة الربادي للقصة القصيرة هي ثمرة نضجتْ أولًا في قلب المثقف والإعلامي المستنير (رشيد النزيلي).

ونحن اليوم نستخلص من هذه الثمرة الحلوة بذورًا طيبة، ويملؤنا التفاؤل أن ما بذرناه سوف يثمر في المستقبل أشجارًا مباركة تحمل ثمارًا كثيرة، وأن الأرض القاحلة ستصير بستانًا نضرًا.

ثلاث دورات من دورات الجائزة قدمت خلالها ثلاثة عشر مبدعًا ومبدعة إلى منصة التكريم، وسلطت عليهم الأضواء، وجلبت إلى المشهد الثقافي اليمني حيوية جديدة، ودماء شابة تمتلك مشاريع أدبية طموحة.

تحية من أعماق الروح لهذا الرجل (رشيد النزيلي) الذي قرر أن يتحدى التصحر ويزرع الأمل.

*كاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات