Accessibility links

إعلان

بلقيس محمد علوان*
وفقًا للتوقعات السكانية الصادرة عن شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمانة العامة للأمم المتحدة، قُدّر عدد سكان اليمن بـ  30.4مليون نسمة في عام 2021، يعيش أغلبهم في المناطق الريفية، حيث بلغت نسبة السكان في المناطق الحضرية 38.5 %، ووصلت نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 24 عامًا إلى حوالي 58 %، وبهذا فإن نسبة كبيرة من سكان اليمن هم إما في مراحل التعليم المختلفة، أو على وشك الالتحاق بالتعليم، أو تخرجوا من التعليم الجامعي، وبالتأكيد هناك نسبة من هذا القطاع الأكبر من السكان لم يتعلموا، أو لم يكملوا تعليمهم. 

لم يكن التعليم في اليمن في أيّ مرحلة من مراحل ما بعد ثورة سبتمبر في وضع مرْضيّ عنه، وظلت دائمًا الفجوة قائمة بين ما هو مطلوب وما هو متحقق، لكن النقلة التي حدثت لا ينكرها أحد، نقلة واضحة في البنى التحتية، وأعداد الطلاب المنخرطين في مراحل التعليم، وأعداد المعلمين الذي تم تأهيلهم، ونعرف جميعًا أن هذه النقلة ما لبثت أن راوحت مكانها بإنجازات بسيطة وبطيئة لم تكن أبدًا عند مستوى الطموح ولا تلبية الاحتياجات، فضلاً عن المواكبة للعالم من حولنا، ومع بدء الحرب في 2015 توقفت العجلة البطيئة، فتوقف كل شيء، وفي الحقيقة نحن لم نتوقف ولكنا تراجعنا عقودًا للوراء، وكل المؤشرات تقول ذلك.

 ورد في تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الصراع في اليمن تسبب في تراجع التنمية البشرية بمقدار عشرين عامًا، ويستند التقرير إلى دراسة أعدها فريق من الباحثين من جامعة دنفر في الولايات المتحدة الأميركية، تتناول بالبحث انعكاسات الصراع في اليمن على مسار تحقيق أولويات التنمية التي اعتمدتها الدول الأعضاء في خطة 2030 للتنمية المستدامة.

وتقارن الدراسة بين ثلاثة سيناريوهات محتملة لنهاية الصراع في اليمن خلال أعوام 2019 أو2022 أو2030، وتتوقع الدراسة أنه إذا ما انتهى الصراع خلال عام 2019، فإن إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 88.8 مليار دولار، ويعني ذلك انخفاضًا قدره 2000 دولار في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.

أما إذا ما انتهت الحرب عام 2022، فسيبلغ معدل التراجع في مكاسب التنمية حوالي 26 عامًا، أي ما يقارب جيلاً بأكمله، وبالطبع استمرار الحرب إلى ما بعد 2022 يعني مزيدًا من التراجع والضريبة القاسية التي يدفعها المواطن اليمني على كل الجغرافيا اليمنية.

التعليم بكل مراحله في مقدمة المجالات التي طالها التأثير الأكبر، معطيات مفزعة، لا مدرسة أضيفت لما هو موجود، تراجع في أعداد الملتحقين بالتعليم الأساسي والثانوي، والجامعي أيضًا، وتسرب أعداد كبيرة من فصول الدراسة المختلفة، معلمون بلا مرتبات يصارعون للبقاء على قيد الحياة، ويستمرون في أداء عملهم في ظروف خانقة وأوضاع مأساوية… وبمن هم مستمرون في التعليم طلابًا وكادرًا تعليميًّا وأسرًا، يمضي العام الدراسي ثقيلاً بحده الأدنى في أحسن الظروف، وما إن يصلوا إلى محطة الاختبارات التي نختتم بها العام الدراسي، حتى يتضح حجم الجناية التي جناها الجميع على التعليم، إذ يتضح أن هدف الجميع هو طيّ العام الدراسي بأيّ طريقة كانت، أما موضوع كيف تسير الاختبارات فأغلبنا على اطلاع بالتفاصيل، وكل هذه التفاصيل تراكمات سنوات من اللا مسوؤلية، والتخريب في أهم مداميك التنمية في بلد لم يأخذ حقه من الأمن والاستقرار بالقدر الذي يمكّنه من النهوض والانتقال إلى ما يقتضيه العصر الذي نعيشه.

ليست الجوانب المادية وحدها الحائل أمل سير العملية التعليمية بالشكل المطلوب، الأدهى والأمر أن الحرب والأوضاع الأمنية التي ألقت بظلالها في صورة معاناة اقتصادية وحالة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن والنزوح والتنقل تسببت في الكثير من التصورات السلبية والتشاؤمية التي لا يتوانى الطلاب سواء في المدارس أو الجامعات عن التصريح بها: ماذا بعد الدراسة؟ ماذا فعل الذين درسوا؟ أين ذهبوا؟ 

هناك تراجع واضح في مكانة وقيمة التعليم لدى الكثير من الناس، وهو ما نلاحظه في تفاصيل حديث الناس، بل ويجري على ألسنتهم من نكات وتعليقات ساخرة، والتصور السلبي لأهمية التعليم وإن كان نتيجة حتمية لمعطيات الواقع، إلا أنه مؤشر خطير لا بد من الالتفات له بجدية، والتعامل معه بمسؤولية إذا ما بدأنا في إصلاح منظومة التعليم متى وضعت الحرب أوزارها التي أثقلتنا، فلن يكفي الاهتمام، ولن يكفي تخصيص الموازنات وجذب الدعم دون أن نعيد للعلم والتعليم قيمته ومكانته، ونزرع ونعزز القناعة بأنه طريقنا للمستقبل، وأن المنهج العلمي في التفكير واتخاذ القرار هو الخيار الذي نعبر به ومن خلاله للمستقبل.

وضعنا سيئ نعم، كارثي نعم، لكننا وعبر التاريخ كنا قادرين على النهوض والعودة لنكون في المكان الذي يليق بنا، والذي نستحقه فعلاً، وهذه ليس أمانٍ، أو أحلام، ولكن إيمانًا بأننا نستطيع، والشواهد كثيرة، ففي كل هذا المشهد الصعب هناك إشراقات وإنجازات في كل المجالات، صحيح أنها فردية ومحدودة، لكنها دليل على القوى الكامنة التي لدينا كأمة حية، لديها كل مقومات النهوض وعليها أن تبدأ من جديد، وفي هذه المرة لا بد أن نتجاوز كل ما كان سببًا في انتكاساتنا، وصراعاتنا وتراجعنا، وعندما أقول نتجاوز أقصد نتخلص: لا نسكت أو نؤجل، وندفن رؤوسنا في الرمال فتظل نارًا تحت الرماد لا تلبث أن تفصح عن نفسها فتأكل الأخضر واليابس، وإلى أن تتيسر هذه اللحظة المفصلية، ستكون الخلاصات الفردية سبيلنا، والإنجازات الفردية والمبادرات المتفرقة هنا وهناك مبعث أملنا، ومعها من المهم جدًّا أن يحافظ كل من ما زال مقتنعًا بأن العلم والتعليم هو خلاصنا وطريقنا للمستقبل على هذه القناعة، ويتشبث بها بكل ما أوتي من قوة.

*أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات