Accessibility links

إعلان

وجدي الأهدل*

(عبدالباري طاهر) هو مفكر يمني من طراز رفيع. التقاه بالمصادفة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في إحدى المناسبات، فوجّه له سؤالاً غريبًا: “ما هي علامة المثقف؟”، فأجابه هذا الرجل الحكيم بسرعة بديهة قائلاً: “هو الأمّي الذي لا يقرأ ولا يكتب”!

السؤال كان يحملُ قدرًا معيّنًا من المكر، وكان الجواب المتوقَّع يتطلبُ أن يتحول المُجيبُ إلى واشٍ يدلّ على العدو رقم واحد لأيّ نظام عربي، ألا وهو “المثقَّف”.

أدرك (طاهر) الخدعة، فأجاب الإجابة الصحيحة، رغم أننا نعلم – كما يعلم الرئيس السابق ذلك – أنّ الإجابة غير صحيحة.

لقد تغلبتْ حكمة “المثقف” على دهاء “السياسي”، وتمّ التعامل مع الموقف بحسب ما يقتضيه الحال.. 

حينما نتحدَّثُ عن الأنظمة العربية، فإنّ العامل المشترك فيما بينها هو العِدَاء الخفي للمثقفين، وبصورة عامة فإنّ “المثقف العربي” متّهم حتى يثبت ولاؤه! 

تُجيِّشُ الأنظمة العربية أجهزة مخابراتها لمراقبة المثقفين، وإحصاء كلّ كلمة يكتبونها أو يتفوهون بها، ويتعامون عن مكافحة التجسس الخارجي الذي هو الخطر الحقيقي على أمنهم وسيادتهم واستقلالهم.

لدى الحكام العرب وهْم – لا يعلم إلا الله مَن أوحى لهم به – أنّ المثقفين لديهم القدرة على قلب نظام الحكم، وأنهم الخطر الأكبر على كراسيهم!، لكن الواقع يُكذِّبُ ذلك، ذلك لِأنّ الحاكم العربي هو عدو نفسه، وهو أكبر خطر على النظام، وهو يفقدُ كرسيه بسبب تركيزه على عدُوّ وهْمِي، وإغماض عينيه عن رؤية عدوه الواضح وضوح الشمس.

إنّ العدو الحقيقي لهذا الشعب الممتد من المحيط إلى الخليج هو “الأمية”، وبهذا المعنى فإنّ على الأنظمة العربية الكفّ عن استقطاب “المثقفين”، والضغط عليهم ليكونوا أميين جهَلة، لا يستطيعون قراءة المشهد السياسي كما هو عليه حقًّا..

إن أيّ “مثقَّف” يقبل بالانضواء تحت جناح السلطة، فإنما هو يُصدِرُ حُكْمًا بالإعدام على ثقافته، ويُمْسي فاقدًا لإرادته وحرية تفكيره، وعاجزًا عن قول كلمة الحق، وفي هذه الحالة لم يعُدْ ثمّة من فرق بينه وبين الأمّي البسيط الذي لا يعلم شيئًا، مع أنه أسوأ منه بدركات، فهو يتحول دون أنْ يشعر إلى “مثقف أمي” يجهلُ كيف يقرأ وكيف يكتُب.

عدد الأميين في الوطن العربي يُقدَّرُ بحوالى تسعين مليونًا، وبدلاً من أنْ تقوم الأنظمة العربية بمحاربة “الأمّية” والقضاء عليها، فإنها تُكْرِه ملايين “المثقفين” العرب على الانصياع لـ”الأمية الثقافية”، وتجعلهم أميين رغم أنوفهم، لا رأي لهم ولا قوة، ويتبعون السياسات الآتية من فوق.

“الأمي” لا يعرفُ القراءة والكتابة، و”المثقَّف الأمّي” لا يعقِلُ معنى القراءة والكتابة؛ لأنه ترك فهْم المعنى للديكتاتور وحاشيته.

يحلمُ الديكتاتور بأنْ يحصل على “المثقف الأمني” الذي يقوم بدور الحارس الشخصي له ولنظامه… وهناك مع الأسف مَن يقبلُ بأنْ يقوَم بهذا الدور.

مهمة “المثقف الأمني” حماية ظهر الديكتاتور والتصدي لِكلّ مَن تُسوِّل له نفسه قول كلمة الحق في وجهه.. إنه أنموذج ممسوخ من المثقفين، يمارسون الثقافة بصورة منْحطّة، ودورهم التنويري انحصر في كونهم كلاب حراسة للمستبِد.

وجوابًا على السؤال “مَن هو المثقف؟”، نقول إنه الذي يعملُ من أجل مصلحة الجميع، ولا يطلبُ منفعة خاصة لنفسه.

*روائي وكاتب يمني.

   
 
إعلان

تعليقات