جيمس زغبي*
على مدى سنوات طويلة، ركّز «الديمقراطيون» على الفوز بالانتخابات من خلال استمالة ما أطلقوا عليه اسم «قاعدتهم الانتخابية» (الناخبون الشباب، والسود، واللاتينيون، والآسيويون، والنساء المتعلمات).
وفي الوقت نفسه، تخلّوا إلى حد كبير عن الناخبين البيض من الطبقة العاملة لصالح الجمهوريين، وهو أحد الأسباب التي جعلت «الديمقراطيين» يخسرون العديد من الانتخابات الفيدرالية والمحلية في ولايات الغرب الأوسط والساحل الأطلسي الأوسط. وبالنظر إلى بيانات انتخابات 2020 و2024، يتضح أنه بالإضافة إلى الثمن الذي دفعوه نتيجة التخلي عن الناخبين البيض من الطبقة العاملة، فإن الديمقراطيين باتوا الآن مهددين بفقدان أجزاء ممّا يعتبرونه «قاعدتهم» الانتخابية التقليدية أيضًا. فبين هاتين الدورتين من الانتخابات الفيدرالية، انخفضت نسب السود واللاتينيين والآسيويين الذين صوّتوا لـ «الديمقراطيين». وبما أن الحزب أنفق أموالاً طائلة لاستهداف هؤلاء الناخبين، فإن هذا التراجع في الدعم يُشكل إشارة مقلقة ينبغي التعامل معها بجدية.
والسؤال: كيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة؟ عادةً ما يركّز «الديمقراطيون» رسائلهم على قضايا فريدة ومختبرة في استطلاعات الرأي لكل فئة. وحسب السنة، قد يكون الاهتمام متعلقًا بالحقوق المدنية أو وحشية الشرطة تجاه الناخبين السود. أمّا بالنسبة للاتينيين، فقد يكون الاهتمام متعلقًا بإصلاح قوانين الهجرة، بما في ذلك ما يجب فعله تجاه «غير المسجلين». أمّا في خطابهم للآسيويين الأميركيين، فتظهر قضايا التمييز والهجرة كأولوية. لكن هناك العديد من المخاوف بشأن هذا النهج. أولاً، يتجاهل هذا النهج تعقيد كل مجموعة من هذه المجموعات. ففي المجتمعات الآسيوية واللاتينية متعدّدة الأجيال، هناك من هم أحفاد مهاجرين استقروا في الولايات المتحدة منذ مئات السنين، وهناك آخرون وصلوا حديثًا هربًا من الاضطهاد وطلبًا للجوء. كما أن تنوّع بلدانهم الأصلية يزيد التعقيد.
فالآسيويون الأميركيون قد تعود أصولهم إلى اليابان أو الصين أو باكستان أو الهند أو فيتنام، بينما قد يأتي اللاتينيون من كوبا أو بورتو ريكو أو الدومينيكان أو أميركا الوسطى أو الجنوبية. وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الأسود الذي لا يجوز اختزاله في صورة واحدة، فهو أيضًا متنوع طبقيًا، هذا فضلاً عن أن نحو 20% من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية هم مهاجرون من عدد من الدول الأفريقية أو الكاريبية. مع وضع هذا في الاعتبار، قبلتُ دعوةً لإلقاء كلمة في مؤتمر للآسيويين الأميركيين حول قضايا انتخابات 2026. وبعد تفكير، تعمّدتُ عدم إعداد خطابٍ «آسيوي».
وتذكرت قصة رويتها من قبل عن منتدى للمرشحين «الديمقراطيين» استضافه عرب أميركيون عام 2004. قبل أن يتحدث أحد المرشحين، وكان في ذلك الوقت متصدرًا في استطلاعات الرأي، اقترب مني وقال: «سأبدأ بالحديث عن الوظائف، والرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، والتعليم. ثم سأتحدث عن قضايا مجتمعكم». فكان ردي: «مع كامل الاحترام، العرب الأميركيون بحاجة إلى وظائف جيدة، ويمرضون، ويتقدمون في السن، ويريدون تعليمًا جيدًا لأبنائهم. هذه هي قضايانا. وإذا كنتَ تقصد بـ«قضايا مجتمعي» الحرب في العراق والسلام الفلسطيني الإسرائيلي، فهذه قضايا لكل الأميركيين، لا تخصّ العرب الأميركيين وحدهم». لذلك، ركزتُ في كلمتي أمام مؤتمر الآسيويين الأميركيين على البدء بسرد تاريخ الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة، والصعوبات التي واجهناها، والنجاحات التي حققناها. ثم تحدثت عن القضايا التي نشترك فيها مع سائر المجتمعات المهاجرة، وعن القيم التي جمعت شعوبنا المتنوعة في هذا البلد، والتي تتعرض اليوم للتآكل بسبب التعصب والقمع. واختتمت كلمتي بتذكيرهم بأن رسالة تمثال الحرية، «أعطوني جماهيركم المتعبة والفقيرة المتعطشة للحرية»، التي كانت في الماضي وعدًا، أصبحت اليوم تحديًا.
وهذا ما هو على المحك في انتخابات 2026. النقطة التي كنتُ أطرحها آنذاك، وما زلتُ أؤكد عليها الآن، هي نقطةٌ لا يفهمها الكثير من القادة «الديمقراطيين». قد يحظى المرشحون بتصفيق المجموعات بمجرد استثارة قضاياهم «الحساسة».
لكن ما يُحسم الانتخابات في نهاية المطاف هو قدرة المرشح والحزب على طرح فكرة شاملة وبسيطة تلقى صدىً لدى الناخبين عبر مختلف الخطوط العرقية والإثنية والمناطقية. لطالما كان «الجمهوريون» أكثر براعة في هذا. فعلى سبيل المثال، في عهد ريجان، إذا سألتَ «جمهوريًا» عمّا يمثله حزبه، فسيجيب: «حكومة أصغر، ضرائب أقل». أما إذا سألتَ «ديمقراطيًا» عمّا يمثله حزبه، فسيسرد لك قائمة طويلة لا تنتهي من القضايا، كرجلٍ مُسنٍّ في مسيرة سلامٍ مُزين بعشرات الأزرار على صدره، ويترك لك مهمةَ تحديد الموضوع الرئيسي. لقد ابتعد دونالد ترامب عن شعار ريجان، لكنه استبدله بشعاره الخاص: «لنجعل أميركا عظيمة مجددًا». هذه العبارة تحمل معاني وقضايا متعددة: الحماية الاقتصادية، ومعاداة الهجرة، والانسحاب من «التشابكات» الخارجية، ورفض التغيرات الثقافية مع العودة إلى «القيم التقليدية».
صحيح أن كثيرًا من هذا الخطاب قائم على التعصب وربما محكوم عليه بالفشل، لكنه صحيح أيضًا أنه يلقى صدى لدى العديد من الناخبين ويلهمهم. وليس الأمر أن «الديمقراطيين» لم يطوّروا شعارات جذابة تلخص رسالتهم بكلمات بسيطة تلهم الناخبين على اختلافهم. فقد كان لدى فرانكلين روزفلت «الصفقة الجديدة». وبشّر جيمي كارتر بـ«العودة إلى النزاهة». وتحدث بيل كلينتون عن «بناء جسر إلى القرن 21». أما أوباما فكان شعاره كلمة واحدة: «الأمل».
السؤال المطروح على «الديمقراطيين» اليوم هو: كيف سيجيبون عندما يُسألون: «ما الذي تمثلونه؟» هل سيكونون مثل الرجل العجوز الذي يشير إلى كل أزراره، أم كمرشحٍ مُوجّهٍ من قِبل مستشارين يُركّز على قضايا كل فئة؟ إنهم بحاجة إلى إجابة تُخاطب جميع الفئات وتُلهمهم.
* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات