جيمس زغبي*
أثارت مسألة ما يجب فعله أو قوله بشأن حرب إسرائيل على غزة قلق المستشارين «الديمقراطيين» المؤسسين والمسؤولين المنتخبين الذين يعملون لديهم.
أفاد تقرير إخباري حديث بأن قادة «الديمقراطيين» في مجلسي الشيوخ والنواب قلقون بشأن «تأثير ممداني»، أي قلقهم من أن فوز زهران ممداني بانتخابات عمدة مدينة نيويورك لعام 2025 قد يُثني الناخبين «المعتدلين» عن التصويت للديمقراطيين في نوفمبر 2026. إضافةً إلى ذلك، حذّرت مجموعة من المقالات التحليلية المرشحين «الديمقراطيين» من تبنّي سياسات «تقدمية»، وحثّتهم بدلاً من ذلك على الالتزام بمواقف أكثر وسطية.
وبينما تُؤثّر قضايا أخرى في هذا القلق، يأتي على رأس القائمة انتقاد «ممداني» وغيره من التقدميين لإسرائيل ودعمهم للفلسطينيين، وكلاهما يعتبره «الديمقراطيون» المؤسسون متطرفًا «للغاية بالنسبة للناخبين. في هذا السياق، كان من اللافت أنه خلال النقاش الأخير في اللجنة الوطنية للحزب «الديمقراطي» حول قرار ينتقد إسرائيل ويدعو إلى وقف تزويدها بالأسلحة الأميركية، كانت الحجة الرئيسية التي طرحتها المجموعات الاستشارية هي أن تمرير القرار سيضر بفرص فوز «الديمقراطيين» بالسيطرة على الكونجرس في انتخابات 2026.
كما ظهرت مقالات تشير إلى أن «الديمقراطيين اليساريين» يحاولون جعل موقف إسرائيل وحربها ضد الفلسطينيين «اختبارًا فاصلاً» للمرشحين في انتخابات 2026. وتتحدث هذه المقالات عن عدد من المسؤولين المنتخبين «الديمقراطيين»، أو أبرز مرشحي انتخابات 2026 الذين شعروا، في الأسابيع الأخيرة، بأنهم مُجبرون على سحب تعليقاتهم الداعمة لإسرائيل في مواجهة ردود فعل عنيفة من الناخبين. لكن المستشارين وقادة الحزب «الديمقراطي» في الكونجرس مخطئون. ليس الأمر «مؤامرة يسارية خبيثة» دفعت المرشحين لتغيير مواقفهم. بل هو تغيّر في مزاج الناخبين، والمرشحون الذين لديهم إحساس بنبض الشارع يعرفون أنهم مضطرون لمواكبة هذا التغيير.
لقد شهدنا مؤخرًا استطلاعات تُظهر تحوّلاً كبيرًا في تعاطف الناخبين مع الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين، ودعمًا لوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل. وللتعرّف على كيف يمكن أن يتُرجم هذا التحول في السلوك الانتخابي، كلّف المعهد العربي الأميركي نهاية أغسطس شركة «جون زغبي ستراتيجيز» بإجراء استطلاع وطني شمل 1005 ناخبين. لم يسأل الاستطلاع المشاركين عمّا إذا كانوا يؤيدون إسرائيل أو سياساتها أو الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، عُرضت عليهم مجموعة مواقف قد يتبناها مرشح سياسي، وسُئلوا ما إذا كانت هذه المواقف تجعلهم أكثر أو أقل ميلاً لدعمه. تضمّنت الأسئلة ما يلي:
1- هل ستكون أكثر أو أقل ميلاً لدعم مرشح إذا كان يؤيد تقليص أو وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل؟
2- هل ستكون أكثر أو أقل ميلاً لدعم مرشح إذا دعا إلى وقف حرب إسرائيل على غزة؟
3- هل ستكون أكثر أو أقل ميلاً لدعم مرشح إذا وصف ما تفعله إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية؟
4- هل ستكون أكثر أو أقل ميلاً لدعم مرشح إذا تلقى دعماً من جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)؟ كانت الرد على الأسئلة 1 و2 و3 أن غالبية المشاركين أبدوا ميلاً أكبر لدعم المرشح الذي يتبنى هذه المواقف. كما أن الغالبية كانت أقل ميلاً لدعم مرشح يتلقى تمويلاً من «إيباك». وكما هو متوقع، ظهر انقسام حزبي: «الديمقراطيون» كانوا أكثر ميلاً لدعم المرشحين الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية. لكن كانت هناك استثناءات، مثل قضية وقف الحرب، حيث اتفق «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» معًا. وعند تحليل بيانات الاستطلاع، وجدنا أن نسبة من وصفوا أنفسهم بأنهم محافظون (39%) كانت أكبر من نسبة الليبراليين (26%). بينما شكّل المعتدلون ثاني أكبر مجموعة (34%). ومع أن مواقف الليبراليين والمحافظين كانت في بعض الأحيان متطابقة تماماً، إلا أن اللافت كان أن مواقف الليبراليين والمعتدلين كانت متشابهة إلى حد كبير.
فقد أظهر 60% من الناخبين في كلا المجموعتين استعدادًا أكبر لدعم مرشحين يسعون لوقف حرب إسرائيل على غزة، مقابل 10% فقط قالوا إنهم سيكونون أقل ميلاً لذلك. أما بين المحافظين، فانقسمت المواقف بشكل متساوٍ تقريبًا. النتيجة نفسها تكررت بشأن تقليص المساعدات العسكرية ووصف سياسات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية.
الخلاصة: عندما يحاول المستشارون «الديمقراطيون» دفع المرشحين إلى ما يعتبرونه «أرضًا وسطية آمنة» لاستمالة «المعتدلين»، فإنهم يثبتون فقط مدى ابتعادهم عن آراء الناخبين الحقيقية. ينبغي على المؤسسة «الديمقراطية» أن تتوقف عن القلق من خسارة الانتخابات إذا اتخذ المرشحون مواقف تنتقد إسرائيل وتدعم حقوق الفلسطينيين. بل يجب أن يشجعوهم على ذلك. لأن هذا هو الموقف الذي يتبناه أغلبية الناخبين، بمن فيهم الليبراليون والمعتدلون.
* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات