وجدي الأهدل*
أشارت دراسة نشرت حديثًا إلى أن ثمانية أشخاص يمتلكون ثروة تساوي جميع الأموال لدى نصف سكان الأرض!
حفنة من الرجال المتخمين بأموال فائضة جدا عن حاجتهم، ولو عاشوا آلاف السنين لما نفدت هذه الأموال.. ولو عاش كارل ماركس في زماننا هذا لطالب على الفور بتأميم ثرواتهم وتوزيعها على الفقراء في العالم، ليتحول المال الفائض المحتكر في البنوك إلى أداة لتحقيق العدالة الأخلاقية الفطرية لدى الجنس البشري.
هؤلاء الثمانية هم: (إيلون ماسك: 423$ مليار)، (مارك زوكربيرغ: 224$ مليار)، (جيف بيزوس: 220$ مليار)، (لاري إليسون: 206$ مليار)، (وارن بافيت: 158$ مليار)، (برنارد أرنو: 144$ مليار)، (لاري بيج: 143$ مليار)، (سيرجي برين: 136$ مليار).
إن هذه الدراسة تظهر مدى الخلل في النظام الرأسمالي الذي يسود عالمنا اليوم، فتتجمع الثروات بأيدي عدد محدود جدًا من الأفراد.
وينطبق الأمر ذاته على البلدان الفقيرة، فنجد في هذه الدول عددًا لا يزيد عن أصابع اليدين من الرأسماليين في كل دولة يمتلكون ما يوازي نصف ما يمتلكه الفقراء وأحيانًا قد ترتفع النسبة إلى أعلى من النصف بكثير..
في البلدان الغنية مثل أمريكا ودول أوروبا الغربية فإن هذا التكدس للثروات بأيدي أشخاص قلائل قد يثير الحسد فقط، فإذا ظهرت بوادر النقمة من الفقراء فإن النظام يسارع بتسكين الأوضاع عبر ضخ الأموال للعاطلين عن العمل والمعدمين وزيادة المعونات الاجتماعية.
ولكن في البلدان الفقيرة فإن تكدس الأموال في جيوب عدد قليل جدًا من الأفراد، هو مأساة هائلة الأبعاد.. فإذا كان هذا البلد على شفا المجاعة، والملايين من أبنائه يجدون صعوبة في توفير الوجبات الثلاث في اليوم، فإن الضمير يصرخ أين العدالة؟ أين الإنسانية؟ وهل من الأخلاقي أن يتابع المليونيرات حياتهم المرفهة بلامبالاة بالجوعى في بلادهم؟؟
الآن في لحظة كتابة هذا المقال فإن الملايين من الجوعى في اليمن، ربما نصف السكان على الأقل، لا يجدون ما يأكلونه إلا بشق الأنفس، والغالبية يعيشون على الحد الأدنى من الكفاف.
أعلم أن رجال السياسة في اليمن هم السبب في إفقار اليمنيين وتجويعهم، وأن رجال الأعمال اليمنيين غير ملومين عن هذا الوضع، بل على العكس هم ساهموا في التخفيف من الجوع عبر توظيف مئات الآلاف من القوة العاملة في مصانعهم وشركاتهم.
ومع ذلك، في ظل هذا الوضع الاستثنائي، حيث شبح المجاعة يلوح في جميع محافظات اليمن، فإن الوازع الأخلاقي يتطلب من تجار اليمن اتخاذ مبادرات سخية لدعم الفقراء، بشكل مباشر، ودون تأخير.
والحل النموذجي لمواجهة شبح المجاعة في اليمن هو أن يتحالف تجار اليمن لتأسيس بنك لتمويل الفقراء، على غرار (بنك القرية) الذي أسسه البنغلاديشي محمد يونس -حاز جائزة نوبل للسلام عام 2006- وأدى إلى انتشال الملايين من الأسر البنغلاديشية من الفقر المدقع إلى توفير مصدر كريم للدخل، وتاليًا أدى إلى انتشال دولة البنغلاديش نفسها من دولة فاشلة إلى دولة تحرز أرقامًا عالية في التنمية، حتى أن الهيئات الدولية ترى معجزة اقتصادية في ذاك البلد.
حاليًا ينشط (بنك الأمل) في اليمن، ولست على اطلاع بنشاطه، ولكن من الواضح أنه لم يحقق الأهداف المرجوة من إنشائه، ولم يحدث النقلة الاقتصادية المتوقعة للطبقة الفقيرة في اليمن.. لا أدري ما السبب الذي جعل (بنك الأمل) لا ينجح في اليمن كما نجح في بنغلاديش، ودول أخرى غير بنغلاديش..
وكنا نأمل أن يتصدى باحثون اقتصاديون لتفسير محدودية نجاح (بنك الأمل) في زحزحة الفقر الرابض على صدور الفقراء في بلادنا، وأين مكمن الخلل..
إنما بغض النظر عن أداء (بنك الأمل)، فإن إنشاء بنك جديد لتمويل مشاريع الفقراء هو الحل الوحيد لدرء خطر المجاعة عن الشعب اليمني، وليكن اسمه مثلًا (بنك العمال).
ويمكن الاستفادة من تجربة (بنك القرية) البنغلاديشي، الذي شجع على إقراض النساء، لأنهن أكثر التزامًا من الرجل في تسديد القروض، وأعتقد الحال هو نفسه في اليمن، فالمرأة اليمنية لديها حس أعلى بالمسئولية تجاه أطفالها، أكثر من الرجل الذي ربما ينفق مال القرض في شراء القات.
ربما سبب محدودية نجاح (بنك الأمل) في إحداث الأثر المطلوب، هو تقديم قروض ميسرة لشراء أدوات الإنتاج، مثل مكائن الخياطة ونحو ذلك. ولكن المشكلة هي أن معظم الفقراء في اليمن لا يمتلكون (المهارة) لاستخدام أدوات الإنتاج..
لذلك فإن إنشاء بنك جديد لتمويل الفقراء عليه أن يبدأ من الصفر؛ فتكون البداية عبر التدريب على أدوات الإنتاج أولا، ثم عندما يجتاز المتدرب أو المتدربة التدريب بنجاح يحق له الحصول على أداة الإنتاج بقرض ميسر وبشروط فيها مرونة وتساهل.
على البنك الجديد أن يربط بين التدريب وأدوات الإنتاج، حتى في المجالات الأكثر حداثة، مثل تدريب الشابات والشبان على التسويق الالكتروني، والعمل التجاري عن بعد، ومهارات كسب الدخل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ثم إقراضهم ثمن أجهزة حاسوب ونحو ذلك.
هناك مجالات عمل جديدة مرتبطة بالأسواق الحديثة، وتحتاج إلى اكتساب مهارات غير متوفرة في المدارس التقليدية التي تدرس التاريخ والجغرافيا والنحو الخ، وهذه المهارات تحتاج إلى توظيف مقادير معينة من الأموال لاستقطاب خبراء ومدربين لنقل خبراتهم ومهاراتهم إلى الجيل الشاب في اليمن، ليشق طريقه بنفسه ويجد موطئ قدم له في هذه الأسواق غير التقليدية.
قهر الفقر في اليمن ليس مستحيلاً، والحل لمواجهة الفقر يتمثل في ثلاث خطوات:
1- التدريب.
2- التمكين من أدوات الإنتاج.
3- دعم التسويق.
وهذه الخطوات الثلاث يمكن لـ(بنك العمال) القيام بها، فهي سلسلة متصلة الحلقات، والإنفاق عليها بسخاء سيؤدي إلى حدوث معجزة اقتصادية في اليمن.
الإنسان اليمني بطبعه نشيط ومنتج ومحب للعمل، ولكنه إذا حرم من اكتساب المهارة، وعجز عن امتلاك أدوات الإنتاج، فإنه سيجد نفسه عاطلًا عن العمل وغير قادر على اكتساب لقمة عيشه.
ليس مطلوبًا من تجار اليمن توزيع الخبز مجانا في الشوارع، وهذا لا يقلل من قيمة العمل الخيري، ولكن المطلوب تغيير المعادلة جذريًا، بحيث يتم إدماج عشرة مليون إنسان يمني أو أكثر في سوق العمل، ويرتفع مستوى الدخل للسواد الأعظم من الشعب.
المثل الشهير يقول: “لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد السمك”.
ليست هذه أفكارًا طوباوية غير قابلة للتنفيذ، فكرة (بنك العمال) تم تطبيقها في بنغلاديش وحققت نجاحًا هائلا، واليمن يمكن أن تحذو حذو بنغلاديش وتتحول إلى معجزة اقتصادية.
أيها التاجر اليمني: أموالك مكدسة في البنوك، والجوع يفتك بالناس في البيوت.. عار عليك أن تشيح بوجهك عنهم ولا تفعل شيئًا لإشباع جوعهم.
* روائي وكاتب يمني.
تعليقات