Accessibility links

جيمس زغبي*
تعد اللقاءات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دروساً متقدمة في الدهاء، ذلك لأن كلا الرجلين ماهران في التلاعب، وهما نتاج عصر الإعلام. إنهما يخلقان أوهامًا يُصران على أنها حقيقة. يكرران هذه الأوهام مرارًا وتكرارًا، وبقوة هائلة، حتى تصبح حقيقةً لمن يثق بهما. أما من لا يصدق الوهم، فيتعرض للتهديد وربما الاستخفاف أو النبذ.

لقد استغل كلا الزعيمين دهاءهما لتحقيق نجاح شخصي في السياسة الداخلية. لقد كونا قواعد شعبية قوية، وأتباعًا يؤمنون بضرورة دعم قيادتهما وحمايتها. وفي الوقت ذاته، فهما يمثلان شخصيتين استقطابيتين ساهمتا في تعميق الشروخ داخل بلديهما.

ولأنّ ما يروجان له أوهام فإن نجاحاتهما محدودة. أولاً، الواقع دائمًا ما يشكل رادعًا قويًا للوهم. وتجاهل الواقع يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وفوضى سياسية.

على سبيل المثال، روّج الرئيس ترامب لخطته المميزة للميزانية، التي أطلق عليها «مشروع القانون الكبير والجميل»، واعدًا بأنها ستكون سليمة من الناحية المالية وستجلب مزيداً من الرخاء للأميركيين. لكن بدلاً من ذلك، يبدو أنها ستزيد عجز الموازنة بشكل كبير، وقد تتسبب في فقدان 17 مليون أميركي لتأمينهم الصحي. أما نتنياهو، فقد أطال أمد حربه على غزة (وكذلك على لبنان وسوريا وإيران)، مدّعيًا أنها ستقود إلى «نصر كامل»، وتجعل إسرائيل أكثر احترامًا وأمنًا. وبدلاً من ذلك، فقد انتهى به المطاف باتهامه بارتكاب جرائم حرب، فيما تراجعت مكانة إسرائيل الدولية بسبب سياسته في حرب غزة وما ينجم عنها من عمليات قتل.

في نهاية المطاف، الحقيقة تنتصر. وبالتالي، من المتوقع أن يأتي اليوم الذي يكتشف فيه ناخبو ترامب أنهم فقدوا تأمينهم الصحي ويشهدون إغلاق مستشفياتهم الريفية، وأن «مشروع القانون الكبير والجميل» لم يكن يشملهم. وسيحدث الشيء ذاته في إسرائيل عندما يدرك الإسرائيليون أن «النصر الكامل» مجرد خدعة، فالصراع مع الفلسطينيين سيستمر ما دام الفلسطينيون محرومين من حقوقهم، ومع عودة عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليين الشباب من جولات القتال في غزة وهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، مما يؤدي إلى فوضى في منازلهم ومجتمعاتهم.وفي ظل هذه الخلفية، كان من المثير للاهتمام والمقلق رؤية نتنياهو وترامب يتبادلان المديح خلال لقائهما الأخير – في مشهد غريب من المجاملات. وكما نقول بالعامية: «لقد بالغوا في الإطراء». قدم نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم حرب، لترامب رسالة رشّحه فيها لنيل جائزة نوبل للسلام. ورد ترامب المجاملة بوصفه لنتنياهو بأنه «أعظم رجل على قيد الحياة». يمكن اعتبار كل هذا مجرد مبالغة في المجاملة غير مؤذية، لكن جهود هذين الرجلين تُصبح خطيرةً حقاً عندما يُصدّقان هما وأتباعهما هذه الخدعة، فيحاولان توسيع نطاق جهودهما لاستبدال الواقع بالوهم من خلال سياساتٍ تؤثر على الآخرين.

بناءً على ما نعرفه عن لقاءات ترامب ونتنياهو، يتضح أن الأفكار التي تقود كليهما لا تستند إلى الواقع.

كانت خطة ترامب تقضي بإجلاء الفلسطينيين من غزة إلى مكان خارج فلسطين، حيث يتم توفير مساكن لهم ليعيشوا حياة «منتجة»، مما يُمهد الطريق لتحويل غزة إلى منتجع سياحي على طراز الريفييرا. وقد قوبلت هذه الخطة برفض واسع ووصفت بأنها تطهير عرقي غير قانوني واستعمار فج. أما نتنياهو، فلا يبدو أنه يملك خطة أفضل، سوى تعديل طفيف على فكرة ترامب. فهو لا يريد طرد جميع فلسطينيي غزة، بل يسعى لطرد أكبر عدد ممكن منهم إلى دول أخرى. أما من يبقون، فسيتم «نقلهم» إلى ما يسميه الإسرائيليون «موقع إعادة توطين إنساني»، «حيث يُمكن توفير احتياجات الفلسطينيين و«إبعادهم عن التطرف».

تشترك الخطتان في ثلاثة عناصر: أولاً، كل من ترامب ونتنياهو يقدمان خططهما بلغة إنسانية مخادعة. ثانياً، لا تأخذ أي من الخطتين في الاعتبار ما يريده الفلسطينيون حقًا. وأخيرًا، كلتاهما واهمة ومصيرها ليس الفشل فحسب، بل تفاقم الوضع المضطرب أصلاً.

لعلّ أكبر وهمٍ يُصوّره الرجلان هو فكرة أن«خططهما» ستُهيئ الظروف للسلام الإقليمي. فتجاهلا حقيقة أن أحد الأسباب الجذرية للتوتر في الشرق الأوسط هو تهجير إسرائيل للفلسطينيين، فإن مقترحاتهما لا تُضيف إلا إلى المزيد من أفكار التهجير والتوتر في غزة (مع مفاقمة التهجير نفسه في الضفة الغربية والقدس الشرقية). وكما أثبت التاريخ، من الخطير تجاهل إنسانية الفلسطينيين. ومن السذاجة أن يظن ترامب ونتنياهو أن العالم العربي سيصدق الأوهام، ويؤمن بإمكانية تحقيق «عصر سلام». هذه مجرد خيالات في أذهانهما وأذهان المحيطين بهما.كما قال رئيس أميركي عظيم من الحزب «الجمهوري» قبل 160 عامًا: «يمكنك أن تخدع بعض الناس طوال الوقت، وكل الناس لبعض الوقت، لكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس طوال الوقت».

* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن

تعليقات