عبدالله الصعفاني*
منذ عقود وربما قرون من الزمن، ونحن في حالة بحث عن الإعاشة بخصوصية يمنية مش تمااام.. لا فرق في شرف الحالة ونظافة اليد بين “أهل فوق وبين أهل تحت” والكثيرون في حالة إعاشة ملتبسة.. الكبير، والنص نص، وحتى الذي ما نعرفوش.
* ناس في إعاشة “اللجنة الخاصة” وناس في إعاشة الخزائن العامة.. وناس من تهريب المشتقات النفطية حتى وما تزال في مرحلة الطين والخلب..!
ناس بالجباية، وناس بالشوالة، وناس ببيع شرف الكلمة والموقف دونما خوف أو وجل من شيء.. وكله يمشي بالتوازي مع السياسة عندما تتحول إلى دناسة.
* وفي الفترة الأخيرة تابعنا أرقام إعاشات كبار الإعاشيين وما رافق إعلانها من تبريرات مقلية وسامجة لأناس يقبضون من الخارج، وينهبون حقوق الأهل في الداخل والخارج، ولا يرون في الاعتراف بأن تسولهم أو جشعهم أو استلام أثمان المواقف ليس حالة طارئة، وإنما مهنة، انتقلت من الآباء إلى الأبناء، فيما الأحفاد في وضع الانتظار..!
* قد يقول قائل: كلامك ينطوي على خلط للأوراق، ولكن هذه هي الحقيقة.. حقيقة أن كل فئة تمارس الإعاشة المنحرفة على طريقتها، حتى إن أقطاب الإعاشة تذكِّرك بالبحر ووضع الأسماك التي تتنوع في القدرات، لكن أسماك القرش تلتهم كل سمك عابر في الأعماق أو السطح، وكل حُوت في البحر يتكفل بما هو أصغر منه.. وهكذا دواليكَ دواليكَ حتى يتوفاكَ باريكَ.
* وكلها حالات تدخل، إما تحت عنوان التَّسول أو السُّحت أو النهب بالإكراه، حتى شاع القول: نحن لا نسرق وإنما ننهب، منتظرين من يقول: والله وانعم بكم.. رجال.. تأكلون الموز قبل طباخته في الكوز..!
* ومنذ تدهورت أوضاع الناس الحياتية المعيشية، والتسوَّل بمعناه البسيط “حسنة قليلة تمنع بلاوي كبيرة” تتسع باضطراد وتتطور، بشهادة ما نراه في المساجد، وخارج البنوك ومحلات الصرافة والمطاعم والبوفيات.. وأفران الروتي والكدم، وفي أسواق القات، وعند الإشارات، حتى اختلط حابل المحتاج بنابل النصاب..!
* ولن تفوت الذكي والبليد حقيقة أن الإعاشة” بالتسوُّل في الشوارع تحتوى على كل وسائل الإحراج، ومنها لغة الجسد بتعبيراته الحركية الاستعراضية التي تأخذ الاستفهاميات الحاذقة.. لماذا يحدث لك كل هذا يا بلد.. وبأي وجه تنتصب كل هذه المخانق للشريحة العظمى من الفقراء.
* أمّا أسوأ ما في الإعاشة الوقحة أو التسول قوي الطباع، فهو أن يبرر إعاشي أو إعاشية استئثاره غير العادل بالقول بوجه غير محمر: هي فقط عشرة ألف دولار في الشهر.. ومش مهم لو أخذ ابن المعتاش أو المعتاشة مثلها.
* والأكثر سوءًا أن يتم النهب المنظم في كشوفات رسمية على حساب قاعدة عريضة من الناس، يعيشون بلا إعاشة رغم تساوي سبب مغادرتهم البلد اضطرارًا أو سوء موقف أو سوء تقدير، ما يستدعي الدعوة لاحترام القول بأن العدالة مطلوبة حتى في الظلم، فكيف باستئثار كشوفات بمقدرات البلد وسمعتها، فيما هناك من يحتاج للفتات، ولا يجده.
* بالمناسبة.. كنت ناقشت مع زميل دلالة قول أحدهم ذات يوم: “انهبوا.. انهبوا.. ولكن بنظااام” ثم طرحت عليه فكرة أن يشاركني تكاليف استحداث معهد لتعليم فنون الإعاشة والتسول المنظم.. لأن ما نشاهده من تبريرات الاستئثار بأموال الإعاشة تحت عنوان الإعاشة أو التسول، يتم بصورة وقحة تحتاج لجهود وإلى افتتاح “معاهد عالية، ومراكز واطية” يحصل المتخرج منها على شهادة استحقاق في النهب المنظم، وغير المستفز..!
والله المستعان..
* كاتب يمني
تعليقات