فخاخ النشر الإلكتروني.. دعوة للوعي والاستخدام الرشيد

إعلان

بلقيس محمد علوان*

تتسارع التكنولوجيا بخطى لا نكاد نواكبها، ومعها تتطور أساليب النشر الإلكتروني، وقد ترتب على هذا التسارع ظهور ما يشبه الظواهر الرقمية المتطرفة، ظواهر تحمل في طياتها الكثير من السلبيات والمنغصات بل والانتهاكات للمتصفح أو القارئ، وهي في الحقيقة تعكس صورة مشوهة للمحتوى الرقمي، وتنال من مهنية وأخلاقيات منشئي المحتوى حيث تعكس الممارسات غير المهنية وغير الأخلاقية في تقديم المحتوى وسأتطرق هنا لظاهرتين مزعجتين في عالم النشر الإلكتروني وهما: “العناوين المظللة والمحتوى المغاير”، و”ظاهرة التفاصيل في أول تعليق”.

يلجأ بعض كتاب المحتوى إلى استراتيجيات غير أخلاقية لجذب القرّاء، فيعمدون إلى استخدام عناوين ذات طابع مظلل، تحمل وعودًا أو تبني توقعات مبالغ فيها لجذب انتباه القارئ، لكن القارئ يجد نفسه أمام محتوى هزيل وتفاصيل طويلة وصياغة مطاطة يتوه فيها ولا يجد ما توقعه أو ما أوحى به العنوان الرنان الذي لم يكن أكثر من فخ، وهنا تسقط مقولة أن الخطاب يعرف من عنوانه، فالعنوان هنا لا علاقة له بالمحتوى.

أما ظاهرة التفاصيل في أول تعليق فتجسد فخًا آخر يقع فيه القارئ بسهولة حين يتعقب بفضول التعليق لمعرفة المزيد، إلا أن التعليق يكون عبارة عن رابط يحيله إلى موقع مليء بالإعلانات والروابط غير المرغوب فيها، بل قد يكون المحتوى الذي يتتبعه القارئ لمعرفة بقية القصة أو تفاصيل الموضوع غير موجود.

في زمن التكنولوجيا، وصيرورة المحتوى الرقمي بنسبة كبيرة بديلاً عن المحتوى الورقي، يجد القرّاء أنفسهم أمام تحديات جديدة، يتعرضون من خلالها لانتهاكات واستدراج ليجدون أنفسهم محاصرين بمحتوى هزيل، وكم كبير من الإعلانات التي يضطرون لمشاهدتها أو الانتظار للحظة تجاوزها، لقد أصبح المتصفح يدفع ثمن التصفح، وثمن التصفح هنا مشاهدة إجبارية للإعلانات، والأسوأ أن تكون هذه المشاهدة الإجبارية ثمنًا لمحتوى هش وسطحي

أو مضلل.

 تظل القراءة تجربة ثقافية وتثقيفية ولا يجب أن يتحول مضمونها إلى فخ يُحاك لاستدراج الجمهور، وإلى أن يكون هناك تنظيمًا وتقنينًا للنشر الإليكتروني أخلاقيًا ومهنيًا يصبح من الحتمي أن يعي المتصفح للمحتوى كيف يتجنب الفخاخ الرقمية، وينتقي المصادر الأفضل ليتمتع بتجربة قراءة أفضل، لذا، يصبح من الضروري على القرّاء تطوير مهارة استكشاف ما إذا كان العنوان مضللاً وأن الرابط ليس أكثر من فخ لاستدراجه لمشاهدة عدد كبير من الإعلانات، وعليهم أيضًا تطوير مهارة البحث عن المصادر الموثوقة، وهنا يمكن استخدام خطوات بسيطة مثل التحقق من المصداقية والمصدر قبل الانغماس في قراءة المحتوى.

إن المصادر التي تتضمن معلومات موثوقة تشمل المواقع الحكومية، ومواقع المؤسسات أو المنظمات الأكاديمية، والمنشورات العلمية أو باختصار تلك التي تنتهي عناوينها بـ: org، edu، gov وهذا فيما يتعلق بالمعلومات، وبالطبع هناك الكثير من المواقع والمنصات المحترمة التي من السهل التعرف عليها والوصول لها، والمحك هنا ما الذي نبحث عنه؟ التأكد من قرار أو خبر معين يكون بالدخول على موقع الجهة الرسمية وليس بالتنقل بين المواقع التي لا علاقة لها وليست صاحبة قرار في الأمر، وكذلك الأمر في المعلومة الصحية أو الإحصائية أو الثقافية كل منها في موقع معين يفترض أن يكون وجهتنا، ومن جهة أخرى يمكن تقييم مصداقية المصدر من خلال فحص سجل المصدر ومع مرور الوقت يصبح من السهل التعرف على المصادر الموثوقة من غير الموثوقة، وبالنسبة للمعلومات يمكن التحقق من مصادر أخرى وفي حال تطابق المعلومات يمكن التعامل معها لكن ظهور معلومة في مصدر واحد أمر يجعلنا لا نثق بالمعلومة، ويدفعنا إلى البحث عن مصادر إضافية للتحقق والتأكد.

من ناحية أخرى لابد أن نتريث قبل مشاركة أي محتوى أو إعادة نشره ونحن غير متأكدين، ففي عصر السوشيال ميديا يمكن أن ينتشر الخبر أو الحقيقة أو الشائعة في ثوان بل في نفس الثانية على المنصات والتطبيقات، وكثيرًا ما يتم التأكد لاحقًا أن الموضوع إما فبركة، أو اجتزاء، أو مبالغة وتضخيم، أو مجرد شائعة ساهمنا في نشرها بالمشاركة وإعادة النشر، ومن الشائعات والأخبار المتناقلة ما يثير القلق، والهلع، ويزعزع الثقة بين أفراد المجتمع، وبكل أسف كنا نحن أحد أسباب ذلك.

في النهاية، يجب على المستهلكين الرقميين السعي لفهم تلك الظواهر والحذر من الفخاخ الرقمية، ويتعين عليهم اتخاذ قرارات واعية عند تصفح المحتوى عبر الإنترنت، والابتعاد عن المصادر ذات السمعة السيئة، ومن المهم أن يكون القارئ على دراية تامة بتلك الخدع الرقمية وكيفية تجنبها، كما يجب أن يتجنب الانجراف السريع، مع الحذر من التفاعل السريع مع التعليقات المثيرة دون التفكير الجيد، وكذلك تجنب الضغط على الروابط في التعليقات بشكل عشوائي، التي يمكن أن تكون مدخلا للتصّيد والاحتيال الإلكتروني الذي يتطلب أيضًا العديد من التدابير الوقائية التي من أهمها التحقق من شخصية وعنوان المرسل، وتجنب فتح الرسائل التي تعد بجوائز ومسابقات، أو تقدم عروضًا غير متوقعة، أو تلك التي تطلب القيام بإجراء فوري مثل تحديث بيانات، أو إرسال معلومات معينة، كما تتطلب الحماية من التصيد والاحتيال الإلكتروني عدم مشاركة المعلومات الشخصية عبر البريد الإلكتروني أو فتح مرفقات مرسلة من مرسل غير معروف.

يتعلم الإنسان من أخطائه، وخساراته، ولكن الأفضل والأسلم أن يتعلم بدون أخطاء ولا خسائر، وتظل المعرفة والمعلومة الحقيقية والوعي والإجراءات المثلى للوقاية من الفخاخ والاحتيال الإلكتروني صمام الأمان في العالم الرقمي.

* أكاديمية وكاتبة يمنية.

إعلان