ستوكهولم – “اليمني الأميركي”:
أطروحة دكتوراه في جامعة جزائرية تنقل “رحلة الأسرار المدفونة” إلى العالمية.
رواية تُنصف يهود اليمن وتُبرز النبل القبلي اليمني.
شهدت جامعة محمد لمين دباغين – سطيف 2 بالجمهورية الجزائرية مؤخراً مناقشة أطروحة دكتوراه تناولت بالتحليل النقدي رواية “رحلة الأسرار المدفونة” للأديب اليمني السويدي الدكتور مجدي صالح.. وتندرج الأطروحة ضمن تخصص الأدب المقارن والعالمي.
وقد نالت هذه الدراسة الأكاديمية، التي أعدها الدكتور بيبي نذير بإشراف الأستاذة الدكتورة زهيرة بارش، توصية بالطبع والنشر.
جاء هذا التكريم الأكاديمي للرواية تتويجًا لجهد بحثي وتوثيقي مكثف بذله المؤلف، إذ استند في بنائه السردي إلى وثائق ومصادر أصلية، أبرزها ما كتبه المستشرق الفرنسي اليهودي جوزيف هاليفي، والحاخام اليمني حاييم حبشوش، إلى جانب عشرات المراجع التي غاص فيها لتشكيل رؤية تاريخية وفنية وإنسانية متماسكة.
تدور الرواية حول الرحلة الاستكشافية التي قام بها هاليفي إلى اليمن في القرن التاسع عشر، بدعم من الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث. وقد عاد بالفعل إلى باريس بأكثر من 650 نقشًا ومخطوطة نادرة من جبال وأودية اليمن معتقدًا أنه أنجز فتحًا علميًا غير مسبوق.
غير أن الرواية تكشف، عبر سرد درامي محكم، أن النقوش التي عاد بها كانت في معظمها نُسخًا طبق الأصل، صُنعت على يد حرفي يمني بارع. وهذا لا يعني أنها كانت خدعة بل كان ذلك فعلًا وطنيًا صامتًا. فقد حافظ اليهود اليمنيون على آثار بلادهم، ولم يبيعوا كنوزها، بل قدّموا بدائل ذكية تحفظ للأرض سرها، وتحقق للباحث والمستشرق هاليفي مبتغاه بالحصول على المعنى لدراسته حسب ما أوضح حينها سبب تلك الرحلة.
إلا أن هاليفي صدم في باريس لحظة تلقّيه تقرير الخبراء بأن النقوش التي جلبها كانت طبق الأصل. وهذا ما جعله يغفل ذكر اسم دليل الرحلة ونورها الحاخام اليمني حاييم حبشوش، ونوّه في كتابه أنه كان بصحبة عربي سيئ الصيت.
من بين شخصيات الرواية الثرية، تبرز شخصية سعيدة النجرانية، اليهودية ذات النسب العريق والجمال المشرقي، التي تمثّل الجانب الإنساني للرواية، وتُجسد وجع المرأة، يهودية كانت أم مسلمة، حين تبتلعها التحولات العنيفة في التاريخ. مصيرها المؤلم، الذي لا يُفصح عنه الكاتب إلا تدريجيًا، ليمنح الرواية بُعدًا دراميًا مؤثرًا وإنسانيًا عميقًا.
الرواية لا تكتفي بتوثيق الحدث، بل تتعمق في البيئة الاجتماعية اليمنية التي احتضنت اليهود بوصفهم مكونًا يمنيًا أصيلاً. ومن خلال مشاهد متعددة وشهادات موثقة، توضح الرواية كيف أن القبائل اليمنية لم تكن تعامل اليهود كأقلية، بل كمواطنين محميين لهم مكانتهم واحترامهم. وتوثق الرواية وجود محاكم يهودية مستقلة، وقانون قبلي قديم يفرض في حالات الاعتداء دية لليهودي تعادل ثلاث ديات المسلم، ليس ازدراءً للمسلم، بل تكريمًا لحق الجوار وحماية الضيف. وإذا تعرّض اليهودي المحميّ لأيّ انتهاك، تتحرك القبيلة كاملة وتدخل في حرب لاستعادة حقه، حتى وإن سقط منها قتلى. وهذه ليست إشارات أدبية، بل وقائع موثقة استخرجها المؤلف من بطون الكتب ليحولها إلى مشاهد نابضة.
إن وصول هذا العمل الأدبي اليمني الأصيل الذي سلّط الضوء على نبل الإنسان اليمني إلى منصات البحث الأكاديمي الدولي، وتتويجه بأطروحة دكتوراه مرموقة، يُعد إنجازاً يُسهم في إبراز العمق الثقافي والحضاري لليمن.
تعليقات