جيمس زغبي*
في ذروة الاضطرابات في الحرم الجامعي بسبب الحرب في غزة، طُلب مني التحدث في مؤتمر حول «كيفية إجراء حوار مجتمعي». وقد سعدت بهذه الفرصة؛ لأن الموضوع كان (ولا يزال) ضروريًا وملائمًا لهذا الوقت.
إننا نعيش في بيئة شديدة السُّمّية، حيث تبدو الفجوات السياسية والثقافية بيننا غير قابلة للتجاوز. في علاقاتنا الخارجية، ومناقشاتنا في الكونجرس، ومجتمعاتنا، وحتى في عائلاتنا، غالبًا ما يبدو أن الأشخاص على طرفي نقيض من القضايا أكثر اهتمامًا بتسجيل النقاط من التوصل إلى تفاهم.
وأثناء تحضيري لكلمتي، فكرت في أربعة دروس مهمة تعلمتها من أشخاص كان لهم أثر كبير في حياتي.
في سنوات مراهقتي، كنت نوعًا ما فتى مبكر النضوج يظن أنه يعرف كل شيء. كنت أحب الأفكار والجدال. عندما كنت أجادل أحدهم، كانت تقول لي والدتي: «لم تستمع لكلمة مما قاله الطرف الآخر. كنت جالسًا على حافة مقعدك تنتظر دورك في الحديث دون أن تسمع ما يقول. إذا لم تستمع إليهم، فلن يستمعوا إليك، لأنك تتحدث إليهم وليس معهم». وكانت تقول أيضًا: «لا تخطئ في كلامك ولا تتحدث بصوتٍ عالٍ». فالكلام بصوت مرتفع قد يشعر المرء بالرضا، لكنه بدلاً من أن يفتح الآذان، يُغلق باب الحوار.
وفي بداية مسيرتي المهنية، كانت زوجتي «إيلين» تحضر خطاباتي وتجلس في مؤخرة القاعة، حيث يمكنني رؤيتها. كنت شابًا أميل إلى استخدام لغة نارية. وعندما كنت أتجاوز الحدود، كانت إيلين تجفل. أوضحت لي أنه، رغم أنني أظن أن هذه اللغة لها تأثير صادم، إلا أنها في أحسن الأحوال تُشتت انتباه الكثيرين من الحضور، وفي أسوئها تُنفرهم. في محاولتي للتعبير عن معاناة شعب محاصر، كانت تقع على عاتقي مسؤولية التحدث إلى أناس لن تُتاح لهم فرصة الاستماع لهذا الشعب. كان يتعين عليّ احترام الجمهور كي يسمع رسالتي.
وبعد هجمات 11 سبتمبر، أصبحت تطبيقات هذه الدروس البسيطة في الإنصات والحديث المجتمعي واضحة. أثناء خدمتي في فريق عمل تابع لمجلس العلاقات الخارجية يُعنى بالدبلوماسية العامة، ويستكشف كيفية التواصل مع العالم العربي، كان لديّ زملاء يقترحون أفكارًا تتراوح بين قصف العراق وإلقاء محاضرات حول الديمقراطية.
في الوقت نفسه، كنت أنا وأخي «جون» نقوم بإجراء استطلاعين لصالح مؤسستين في العالم العربي: أحدهما لفهم قِيم العرب وهمومهم، والآخر لقياس مواقف العرب تجاه أميركا.
وجدنا أن الهموم الرئيسية لمعظم العرب كانت تدور حول أسرهم ومستقبلهم. كانوا يريدون وظائف جيدة، ورعاية صحية عالية الجودة، وفرص تعليم لأبنائهم، ومجتمعات آمنة ومستقرة. وعلى عكس التصورات الأميركية الشائعة، كان العرب يحبون أميركا – شعبها، ونظامها التعليمي، ومنتجاتها، وثقافتها، وقيمها.. ما لم يعجبهم هو طريقة تعامل أميركا معهم.
وقد ساعدتني هذه النتائج في إثراء مناقشات فريق العمل، وأعدتني للقاءات مع مسؤولي إدارة بوش. عندما أُتيحت لي فرصة مقابلة كلّ من وكلاء وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة، نصحتهم بألّا يبدأوا محادثاتهم في البلدان العربية بإلقاء المحاضرات. بل قلت لهم: «ابدأوا بطرح الأسئلة والاستماع، لا تفترضوا أنكم تعرفون ما يفكر فيه الآخرون أو ما يريدون سماعه منكم».
في نفس الفترة تقريبًا تلقيتُ دعوة من دولة الإمارات العربية المتحدة، للاجتماع مع عدد من وزراء دول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة سُبُل رأب الصدع بين منطقتهم والولايات المتحدة الأميركية. كانوا ينتقدون الجهود الأميركية في التواصل وكان لديهم عدة أفكار لتحسين صورتهم لدى الأميركيين. استمع المسؤولون الإماراتيون وفهموا ما لم يفهمه كثيرون: الأميركيون لا يفهمون العرب، والعرب لا يفهمون الأميركيين. وبتأملهم في فشل محاولات الطرفين في الدبلوماسية العامة، استنتجوا: «في النهاية، لن ننجح نحن العرب في مساعدة الأميركيين على فهمنا، ما لم نفهمهم أولاً. وبالمثل، لن ينجح الأميركيون».
هذا الدرس البسيط يجب أن يكون أساس أيّ جهد في النقاش المجتمعي. فحيثما توجد اختلافات، فإن الشرط الأساسي للتواصل الحقيقي هو فهم احتياجات ومخاوف «الآخر».
الدروس بسيطة: استمع قبل أن تتحدث، تحدث بلطف وتجنب اللغة القاسية، احترم جمهورك، وحاول مخاطبة همومهم حتى تتمكن من فتح عقولهم لسماعك.
* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات