Accessibility links

جيمس زغبي*

 إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد فعلاً أن يفوز بجائزة نوبل للسلام، فسيتعين عليه فعل أكثر من مجرد طرح «خطته الشاملة لإنهاء الصراع في غزة»، والمكونة من 20 نقطة. فبينما وصف ترامب بأسلوبه المعهود في المبالغة إعلان خطته بأنه «أحد أعظم أيام التاريخ البشري»، تكشف مراجعة الصحف العربية والإسرائيلية والأميركية أن معظم المحللين لا يشاركونه هذا الرأي. بعد قراءة تعليقات الكتّاب من مختلف الاتجاهات، فإنّ أكثر ما يلفت الانتباه هو مدى تباين وجهات نظرهم تجاه جهود ترامب.

فبينما يُعرب قلة في المناطق الثلاث عن أملهم في أن تُمثّل الخطة طريقاً نحو السلام، هناك مجموعة كبيرة من الإسرائيليين والعرب والأميركيين الذين يرونها معيبة وخطيرة، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. فعلى سبيل المثال، يرى المتشددون الإسرائيليون أنه إذا تم تنفيذ خطة ترامب ذات النقاط العشرين، فإنها ستؤدي حتماً إلى قيام دولة فلسطينية تشكل تهديداً وجودياً لأمن إسرائيل، على حد قولهم. وفي المقابل، يُعرب عدد كبير من العرب عن قلقهم من أن خطة ترامب، إذا تم تطبيقها، ستجعل الاحتلال الإسرائيلي دائماً، مما يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية. والشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع تقريباً هو أن الخطة قد توقف الدمار المتواصل في غزة وتسمح بعودة الرهائن الإسرائيليين وبعض السجناء الفلسطينيين.

تعود أسباب هذا التباين الواسع في تفسير نوايا الخطة إلى عدة عوامل: انعدام الثقة العميق لدى العرب في كل من ترامب ونتنياهو، واعتقاد الإسرائيليين المتشددين أن نتنياهو سيفعل أي شيء للبقاء في منصبه، والغموض المتعمّد في معظم النقاط الأساسية في الخطة، ومما يثير استياء الفلسطينيين بشكل خاص، حقيقة أنهم تلقوا الخطة كأمر واقع دون أن يُطلب منهم تقديم أي رأي، وتم إبلاغهم بقبولها أو مواجهة ما وصفه ترامب بأنه «جحيم لم يره أحد من قبل ضد حماس». ومن بين كل هذه العوامل، يبقى الغموض هو الأكثر إشكالية لجميع الأطراف. فالمتشددون الإسرائيليون يشعرون بالقلق من الإشارة إلى انسحاب إسرائيلي، ووجود قوات حفظ سلام عربية، وشرطة فلسطينية، واحتمال عودة السلطة الفلسطينية (وهو ما يرونه مقدمة لربط الضفة الغربية بغزة وبالتالي إقامة دولة فلسطينية).

من ناحية أخرى، يرى الفلسطينيون، عند قراءة الوثيقة بتمعُّن، أن أياً من هذه البنود غير مضمون. فبينما تتحدث الخطة عن انسحاب إسرائيلي تدريجي، إلا أنها تتيح للقوات الإسرائيلية البقاء في محيط أمني داخل غزة، وهو ما يعني بالنسبة للفلسطينيين استمرار الحصار الذي دام عقدين على كل أشكال الدخول والخروج من القطاع. ويرون أن الخطة تُركّز بشكل مُفرط على أمن إسرائيل، دون أي اعتبار للعدالة أو الأمن الفلسطيني. وهناك مشكلة صارخة أخرى تتمثل في غياب تعريف واضح للمصطلحات وآلية تنفيذ تضمن تطبيق بنود الخطة. على سبيل المثال، ما هو تعريف «اللجنة الفلسطينية التكنوقراطية غير السياسية» المزمع إنشاؤها لإدارة العمليات اليومية في غزة؟

هل سيتم اختيار أعضائها بإشراف دقيق من قبل مجلس يقوده ترامب؟ هل سيكون لإسرائيل حق «الفيتو» على أعضائها؟ وفي ظل غياب أي وضوح حول هذه النقاط، هل سيُنظر إلى هذه اللجنة على أنها تتمتع بالشرعية من قبل الفلسطينيين؟ وأخيراً، في ظل غياب آلية محددة للتنفيذ، هل ستسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بالتصرف في غزة كما فعلت فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في لبنان وسوريا – حيث تعمل كطرف وحيد مفسِّر ومنفّذ للاتفاقيات؟ (يبدو أن تفسيرهم لوقف إطلاق النار هو «أنتم تتوقفون، ونحن نواصل إطلاق النار»).

تشير الخطة إلى برنامج للتنمية الاقتصادية لجذب الاستثمارات الأجنبية، يُصمَّم من قبل خبراء ساهموا في «ولادة بعض المدن المعجزة الحديثة والمزدهرة في الشرق الأوسط»، ومنطقة اقتصادية خاصة برسوم جمركية تفضيلية. لكن يصعب فهم أهمية كل هذا لمعاناة الفلسطينيين واحتياجاتهم العاجلة، التي يجب أن تُعطى الأولوية على مدن المستقبل الخيالية. وتتضمن الخطة بعض التفاصيل حول نزع سلاح أعضاء «حماس»، وتعهدهم الالتزام بالتعايش السلمي، وتشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة.

لكن ما ليس واضحاً هو كيفية تنفيذ ذلك، وبينما تُظهر استطلاعاتنا أن الفلسطينيين في غزة قد سئموا من هذه الحرب ومن «حماس»، فإنهم يُعربون أيضاً عن رغبتهم في أن تُحكم غزة من قبل ائتلاف وحدة وطنية فلسطيني، ويريدون محاسبة القوات الإسرائيلية على الجرائم التي ارتكبتها. الخلاصة هي أن خطة ترامب، بعيداً عن كونها «أحد أعظم أيام التاريخ البشري»، ليست سوى بداية. قد تُنهي القصف وتُعيد الأسرى، ولكن لتحقيق السلام، لا بدّ من إجراء نقاشات موسعة تُعزز الخطة.

وهذا يتطلب انفتاحاً وثقةً من جميع الأطراف. ومع ذلك، فهناك نقاط أساسية لا بدّ منها: أولاً، ينبغي على «حماس» أن تقبل خطة ترامب، مع التعبير عن مخاوفها واعتراضاتها. فاستمرار الصراع (ولطالما كان) طريقاً مسدوداً. و«حماس» لا يمكنها ولا يجب أن تكون من يقرر مستقبل فلسطين. لقد أُزهقت أرواح الكثيرين، وألحقت الضرر بآخرين، يجب أن ينتهي القتال. ثانياً، يجب على العرب والدول الأخرى الإصرار على محاسبة الإسرائيليين على الجرائم التي ارتكبوها. لا يمكن تجاهلهم.

ثالثاً، بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين جميع الأطراف، يجب أن يبدأ التدفق الهائل للمساعدات والدعم الذي سيحتاجه الفلسطينيون. رابعاً، انطلاقاً من الخطوط العريضة التي قدمتها خطة ترامب، يجب أن تبدأ المفاوضات، مع مشاركة فلسطينية جادة على جميع المستويات لبلورة التفاصيل الكفيلة بحل المسائل العالقة. خامساً، إذا أراد الرئيس ترامب أن يخلّد اسمه في التاريخ، فعليه أن يكون مستعداً لفرض إرادته على إسرائيل للالتزام بأي شروط يتم وضعها.

وأخيراً، لكي تكون الخطة جديرة بالتقدير، يجب الإمساك بزمام الأمور في الضفة الغربية والقدس الشرقية – وليس فقط فيما يتعلق بالضم. ولتحقيق السلام، يجب وضع حدّ للتوسع الاستيطاني، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والمداهمات، وهجمات المستوطنين. لقد أضعفت هذه السلوكيات مصداقية السلطة الفلسطينية، وزادت من دعم حماس، ومهّدت الطريق لمزيد من الصراع.إن خطة ترامب، رغم تركيزها على أمن إسرائيل وغموضها تجاه الفلسطينيين، نجحت في كسب تأييد نتنياهو و«حماس»، مع تحفظات كل طرف. لكن إذا كان الهدف هو الوصول إلى السلام، فهناك عمل شاق ينتظر الجميع.

* رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن

تعليقات