جيمس زغبي*
بينما رأى بعض مناصري حقوق الفلسطينيين أن ما حدث في اجتماع اللجنة الوطنية للحزب «الديمقراطي» الأسبوع الماضي كان هزيمة، إلا أنه في الواقع كان انتصارًا.
إليكم ما حدث في الاجتماع، ولماذا أشعر أن تقدمًا قد تحقق: خلال اجتماع لجنة القرارات في الحزب، نوقش قراران منفصلان.
وبينما دعا كلاهما إلى وقف إطلاق نار فوري وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى الفلسطينيين في غزة، لكن أحد القرارين، الذي قدّمه شباب الحزب «الديمقراطي»، ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ أدان الإجراءات الإسرائيلية في غزة، ودعا إلى تعليق مبيعات الأسلحة الأميركية لإسرائيل والاعتراف الأميركي بدولة فلسطين. وفي المقابل، قدّمت قيادة الحزب مشروع قرار بديل لم يتضمن أيّ انتقاد لسياسات إسرائيل أو ذكرٍ لوقف شحنات الأسلحة الأميركية إليها. شهدت جهود الضغط المكثفة تأييدًا ومعارضة لكلا المسعَييْن، حيث حذّرت جماعات مؤيدة لإسرائيل وبعض المسؤولين المنتخبين والمانحين للحزب أعضاء اللجنة من أن تمرير القرار الناقد لإسرائيل سيؤدي إلى انقسام الحزب «الديمقراطي»، مما سيكلفه خسائر في المساهمات والانتصارات في انتخابات التجديد النصفي.. من جهة أخرى، أفاد كل عضو من أعضاء اللجنة بتلقيه ما يزيد على 5000 رسالة بريد إلكتروني أو مكالمة هاتفية من شباب «ديمقراطيين» ونشطاء تقدميين يحثونهم على التصويت لصالح القرار الذي يطالب بوقف بيع الأسلحة الأميركية لإسرائيل. وكما كان متوقعًا، فاز مشروع القرار الذي قدّمته قيادة الحزب، وخسر قرار شباب الحزب «الديمقراطي».
لكن بعد التصويت مباشرة، أعلن «كين مارتن»، رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، بعد أن تحدث مع «أليسون مينرلي»، مقدمة القرار الأكثر انتقادًا لإسرائيل، أنه يطلب، باسم وحدة الحزب، سحب قراره وعدم تقديمه للتصويت أمام اللجنة الوطنية بأكملها. كما تعهّد بإنشاء فريق عمل يضم أصحاب المصلحة في هذا النقاش لمواصلة الحوار وإيجاد حلول تُعرض لاحقًا على الحزب للنظر فيها.
أصيب بعض النشطاء من الجانبين بخيبة أمل، إذ انتقد مؤيدو إسرائيل مارتن واتهموه بـ«الاستسلام لليسار المتطرف»، بينما قال بعض المدافعين عن حقوق الفلسطينيين إن طريقة التعامل مع القضية ستؤدي فقط إلى تأجيل محاسبة إسرائيل، وستكلف المزيد من الأرواح الفلسطينية، وتزيد من نفور الشباب من الحزب «الديمقراطي». كلا الطرفين مخطئ. قرار مارتن كان مدروسًا سياسيًا، وفي الواقع، حقق دعاة تغيير السياسة الأميركية تجاه إسرائيل انتصارًا مهمًا.
قبل أن أشرح السبب، لا بد من توضيح حقيقة أساسية: اللجنة الوطنية الديمقراطية ليست هيئة تشريعية، فهي لا تضع السياسات. السياسات يضعها الكونجرس والبيت الأبيض. حتى لو مرّرت اللجنة قرارًا يطالب بوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، لَما تغير شيء عمليًّا.
ما يمكن للحزب فعله هو عكس موقف «الديمقراطيين» من القضايا الحرجة التي تواجه البلاد، والمساعدة في دفع نقاش هذه المسائل قدمًا.
هذا بالضبط ما فرضه قرار مينرلي على جدول الأعمال الأسبوع الماضي. كما يجب أن نتذكر أن النقاش حول هذه القرارات كان المرة الرابعة فقط التي يُطرح فيها موضوع فلسطين في اجتماع رسمي للحزب خلال الأربعين عامًا الماضية! في عامي 1984 و1988، تمكنتُ من تمثيل حملة «جيسي جاكسون» وتقديم بنود في البرنامج الحزبي تدعو إلى حقوق الفلسطينيين.
ولم يُطرح هذا الموضوع مرة أخرى في اجتماع للحزب حتى عام 2016، حين مثلتُ حملة بيرني ساندرز وقدّمتُ مرة أخرى قرارًا حول فلسطين. في جميع تلك الحالات السابقة، خسرنا، ولم يهتم قادة الحزب حتى بمحاولة استيعاب مطالبنا. بل إنه بعد خسارتنا في عام 1988 لقرار يدعو إلى «الاعتراف المتبادل، والتسوية الإقليمية، وتقرير المصير لكلٍّ من الإسرائيليين والفلسطينيين»، طُلب مني التنحي عن منصبي في «اللجنة الوطنية الديمقراطية» بحجة أن وجود مؤيد للقضية الفلسطينية سيُشكّل عبئًا على الحزب!.
نتيجة هذا العام كانت مختلفة بوضوح، ويعود ذلك إلى أن الرأي العام قد تغيّر جذريًا.
وبينما لا تزال الجماعات المؤيدة لإسرائيل تملك بعض النفوذ، إلا أن قوتها قد تراجعت.
تُظهر استطلاعات الرأي أن «الديمقراطيين» مستاؤون بشدة من أفعال إسرائيل، وأنهم أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين ويرغبون في إنهاء الدعم العسكري والسياسي الأميركي لإسرائيل، غالبًا بفارق يتراوح بين 7 إلى 1 أو 10 إلى 1. ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، أصبحت قضايا دعم الفلسطينيين ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل اختبارات حاسمة لأعضاء مجلس «الشيوخ» والنواب من «الديمقراطيين».
وبناءً على ذلك، فإن قرار كين مارتن بسحب قراره وتشكيل فريق عمل لمواصلة الحوار داخل الحزب يعكس التحولات الكبيرة في صفوفه، وحقيقة أن الوضع القائم بات غير مقبول ولا يمكن الدفاع عنه.
على مناصري الحقوق الفلسطينية أن يدركوا أن هذا كان انتصارًا وخطوة مهمة إلى الأمام في النضال الطويل من أجل العدالة.
* رئيس المعهد العربي الأميركي
تعليقات