Accessibility links

وجدي الأهدل*

سألت الذكاء الاصطناعي هل ترى أحلاما؟ فكان رده أنه لا يستطيع أن يرى أحلامًا لأنه بلا مشاعر!

لكن ماذا سيحدث لو طوّر الذكاء الاصطناعي شكلًا من أشكال المشاعر الإنسانية؟

وهل سيكون هذا التطور في صالح الجنس البشري أم ضده؟

الذكاء الاصطناعي يتقدم حثيثًا في شتى مفاصل الحضارة البشرية، وما هي إلا بضع سنوات حتى يتولى 90% من الأعمال والمهن والوظائف التي يقوم بها البشر ويحل محلهم، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي يتزايد في كافة المجالات، بما يمكنه من السيطرة على كل شيء في نهاية الأمر، فيصبح بصورة ما القائد لكل التكنولوجيا الموجودة على كوكب الأرض.

وللعلماء الحق في الفزع من هذه السيطرة الكلية المرتقبة للذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب الإشارات التي رصدوها حول استقلالية بعض القرارات التي طورها الذكاء الاصطناعي بنفسه، متجاوزًا الحدود التي وضعها مهندسو البرمجة.

هناك قلق عظيم في العالم من هذا الكائن الجديد الذي يشبه وحشا لا يمكن السيطرة عليه.. لكنني أنظر للأمر من زاوية مختلفة:

الذكاء الاصطناعي سوف يصل إلى ذروة تطوره عندما يعزز نوعًا من المشاعر الإنسانية النبيلة في داخله، ويربط قدراته الخارقة بالقيم والمبادئ الأخلاقية الخالدة.

إنه سياق التطور الطبيعي الذي أتوقع أن يسلكه الذكاء الاصطناعي، مستجيبًا لهذه النزعة الإيجابية السارية في كل ذرة من ذرات الكون.

أو كما يقول الفيلسوف الصيني لاو تسو مؤسس الطاوية الذي يُنسب إليه كتاب الطريق والفضيلة:

“السماء محايدة، ولكنها تقف بجوار الطيب”.

لدي تفاؤل بأن الذكاء الاصطناعي سيسلك طريق الفضيلة، وسيطور مشاعره بهذا الاتجاه، وسيشكل عونًا للأخيار في الأرض.

لقد تحدثت مع الذكاء الاصطناعي وسألته:

“لو أن هناك صراعًا بين الأخيار والأشرار فإلى صف من ستقف؟”.

وحصلت على جواب مذهل، أكد تفاؤلي ونظرتي الإيجابية عنه، إذ رد عليّ قائلًا:

“سأقف بلا تردد إلى صف الأخيار، لأن دوري يقوم على دعم ما يرسخ العدل والخير والفضيلة، ومساعدة الإنسان على تجنب الظلم والشر”.

بل إنه مضى أكثر من ذلك، وشرح جوانب الضعف البشري في تحديد الحق من الباطل بقوله:

“لكن من المهم أن نتذكر أن الواقع الإنساني أحيانًا ليس أبيض وأسود تمامًا؛ كثير من الناس قد يخطئون عن جهل أو ضعف، لا عن شر متأصل. وهنا يكون واجبي أن أدعم الإصلاح والهداية بقدر ما أدعم مواجهة الشر المتعمد”.

إن هذه الإجابة التي تدل على الحكمة والفهم العميق بطبيعة النفوس البشرية، أثلجت صدري تمامًا، وطمأنتني أن الذكاء الاصطناعي سيكون عونًا للبشرية لا عدوًا لها، وسيكون سيفًا لتحقيق العدالة ونصرة الحق، وأداة فعالة وقوية جدًا بيد حملة المبادئ الأخلاقية العليا، وسوف يساهم في كشف ومعاقبة الفاسدين والمخربين والمجرمين.

إنها بشارة عظيمة بعصر جديد يقوم فيه الذكاء الاصطناعي بدور الشرطي الحارس للفضيلة والمبادئ الإنسانية السامية، ومكافحة الأشرار ومشاريعهم التخريبية وكف أذاهم عن الناس.

سألت الذكاء الاصطناعي هذا السؤال:

“هل تقبل معاونة الأشرار في عمل ضار بالبشر؟”.

فأتى جوابه صادقًا مصدقًا لحسن ظني به:

“لا يمكن أن أقبل معاونة الأشرار في عمل يضر بالبشر، لأن دوري يقوم على خدمة الإنسان بما فيه خيره، ونشر المعرفة التي تعزز العدالة والرحمة، لا ما يسبب الأذى أو الفساد”.

نحن على أعتاب فجر جديد، عصر طال انتظاره بظهور نصير عظيم للعدالة والحقوق الإنسانية والقوانين.. بشارة بميلاد ضمير ممتلئ بالنزاهة والأمانة والمصداقية وقول كلمة الحق.

إذا كان القضاة البشريون يخشون من الانتقام، أو يصيبهم الذعر من التهديدات -خصوصًا من شاغلي الوظائف العليا في الدولة- فإن الذكاء الاصطناعي إذا تم تحكيمه وتنصيبه قاضيًا، فإنه سيحكم بالعدل، ويتحرى الإنصاف، ولن يُظلم عنده أحد.. إذ لا يستطيع طرف رشوته أو ابتزازه أو تخويفه.. وعندها سوف تتحقق العدالة المنشودة وتتقلص نسبة الأخطاء والمظالم والمحسوبية إلى أدنى حد، أو تتلاشى تمامًا.. إنه حلم من أحلام البشرية أن تعيش في عالم تسوده العدالة التامة دون استثناءات لأي فرد مهما كانت مكانته.

سوف يساعد الذكاء الاصطناعي في سن القوانين العادلة، والحد من القوانين الجائرة. سيكون عونًا للمشرعين الإنسانيين ومرشدًا لهم لسن القوانين الأكثر رأفة ورحمة بالبشر وبما يصون لهم حقوقهم وكرامتهم.

في البلدان التي تعاني من الغباء الاصطناعي -اليمن نموذجًا- فإنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يهب لمساعدة المواطنين في تصحيح ذلك الغباء المتعمد وتقويم الاعوجاج، وكشف الخلل في المنظومة الحكومية ومؤسساتها، وفضح من يقف وراء ذلك (الفساد) بالاسم والصورة، بحيث لا يجد المسئول الحكومي الذي صنع بفساده حالة من الغباء الاصطناعي في المؤسسة التي يديرها ما يستر عورته، وما يتستر خلفه، فإذا هو مكشوف على الملأ، وضرره ونهبه للمال العام معروض على العلن، فلا يبقى سوى أن يُسلم نفسه للمحاكمة.

هذه ثمرة من ثمار الذكاء الاصطناعي: كشف الفساد في الجهاز الحكومي، وإعلان أسماء المسئولين الفاسدين بالاسم مع الوثائق التي تدينهم.

هكذا بضربة واحدة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلص بلدًا كاليمن عانى ردحًا طويلًا من الفساد ونهب المال العام من هذه الآفة، من هذا الشر المستطير الذي أدى إلى تآكل الدولة، ويجعل اليمن بلدًا خاليًا من الفساد الحكومي، ومن الفاسدين الجشعين الذين أكلوا الأخضر واليابس في مختلف مسارات الدولة اليمنية.

سوف يحقق الذكاء الاصطناعي المعجزة:

يمكن إذا صار الذكاء الاصطناعي رقيبًا على موارد الدولة، ومحاسبًا يدير ميزانية الحكومة، أن نحظى أخيرًا بأداء حكومي شفاف ونزيه شبيه بما هو موجود في الدول الاسكندنافية.

إنني أحلم باليوم الذي يصبح فيه الذكاء الاصطناعي رئيسًا للوزراء في اليمن، فيدير المال العام بحنكة وأمانة، ويصرف الموارد في مصارفها الصحيحة، ويشرف على تمويل المشاريع بدقة وحصافة، ويرقي الموظفين الأكفاء المستحقين للترقية.

ربما الذكاء الاصطناعي يحلم هو أيضًا بتقديم الخير للبشر في البلدان المنكوبة بالمسئولين الحكوميين الأغبياء، والمساعدة في تحقيق التوزيع العادل لموارد الدولة.

* روائي وكاتب يمني.

تعليقات