ديربورن – «اليمني الأميركي» – رشيد النزيلي:
من المهم الالتفات لحياة المتقاعدين وكبار السن وتسليط الضوء على تجاربهم ونقل مواقفهم من الحياة باعتبارهم جزءًا من حياة المكان.. وانطلاقًا من ذلك تحرص صحيفة (اليمني الأميركي) على الاقتراب كثيرًا من المجتمع في سياق اهتمامها بحياة الناس، وفي ذلك تولي اهتمامًا للتجارب بما فيها تجارب الأفراد العاديين، وهي تجارب قد تكون هامشية لدى البعض باعتبارها بسيطة ولا تتجاوز كونها مسيرة عادية، لكنها تبقى حياة تمايزت واكتسبت خبرات، ولها مواقف..
إذ أن كل شخص يؤثر ويتأثر بالآخرين، فما بالك عندما يكون هذا الشخص من كبار السن؛ فتجارب بعضهم جديرة بالضوء باعتبارها تعكس خلاصة حياة.. وفي هذا السياق التقت الصحيفة مع توني إيد (87 سنة)، وهو أميركي من أصول إيطالية وُلد في فرجينيا، وانتقل إلى مدينة ديربورن، واستقر فيها منذ 70 سنة، ولم يفكر للحظة بالانتقال للعيش في مدينة أخرى، بل حتى لم يفكر بمغادرة حيها الشرقي؛ فقد أختار هذه المدينة للعيش؛ لأنها – كما يقول – مدينة مختلفة ومهيأة كمجتمع، وقبل ذلك هي مدينة مشهورة باعتبارها مدينة هنري فورد.
ويشيد بخصوصية المدينة وأفضليتها للسكن.. يقول: “عندما كان الناس في مدن أخرى يسألونني في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات: أين تعيش؟.. كنت أخبرهم أنني أعيش في ديربورن؛ فيردون عليّ بأنني محظوظ لأنني أعيش في مدينة تُعدّ من أفضل المدن الصالحة للسكن”.
تقاعد توني عن العمل في إحدى شركات الحليب بالمدينة، في منتصف ستينيات القرن الماضي، ومن حينها يعيش يومه بتقاليده التي اعتادها، حيث يمضي اليوم بين الجلوس مع زوجته وقضاء بعض الوقت في تناول القهوة بمقهى (الدونس) في شارع فورد، شرق المدينة، وكذا الذهاب للتسوق، وأحيانًا زيارة ابنتيه التوأم اللتين يبلغ عمرهما اليوم 67 سنة، وتعيشان في ولاية ميشيغن.
يسكن توني، الذي شارك في حرب الكوريتين، مع زوجته في بيته الواقع شرق المدينة بجانب مسجد السلام، بل إنه يرفض مغادرة الحي أو ترك منزله، وكما يقول إنه لن يبيعه أو يغادره، بل سيموت فيه، حدّ تعبيره.
يمتلك توني حكاية عن الحي، ترويها تجربته الممتدة لنحو ثلاثة أرباع قرن تقريبًا، تعايش خلالها مع المكان ممَثلاً في حيها الشرقي، بل يكاد يكون جزءًا من تاريخ المدينة والحي، حيث شهد مراحل مهمة من تحولات المكان والسكان.
يقول: “في السابق كان شرق المدينة أفضل من غربها، وكان أي شخص يعيش في شرقها محظوظًا، حيث كانت كل الأسواق والمحلات تتوفر بجواره، ولا يحتاج سيارة للتسوق”.
“ كان شرق المدينة في السابق أكثر ترتيبًا ونظافة وأمنًا، لقد كان الحي يلقى اهتمامًا كبيرًا من الحكومة والسكان أكثر مما هو عليه الآن” – يضيف توني.
نصف قرن
وهو يستعيد ما كانت عليه المدينة حين بدأ حياته فيها…يوضح أنها “كانت آمنة كثيرًا مقارنة بالوقت الراهن، كما كانت الأقليات التي تعيش هنا تختلف عن الآن… كانت توجد أكثر من دار سينما، ومحلات الترفيه كثيرة عكس الآن”.
وأشار إلى ما شهدته المدينة على صعيد السكان وتنوع الأقليات فيها ما بين الإيطالية والبولندية والأيرلندية، منوهًا بما تشهده الجالية العربية حاليًّا من اتساع، وبخاصة في شرق المدينة.
وهو يستذكر بعض محطات علاقته بالمدينة ينوه بأهم ما شهدته من تحولات على صعيد الاقتصاد، وبخاصة حيّها الشرقي، مؤكدًا على دور الجالية العربية وإسهاماتها في إنعاش الاقتصاد في هذا الحي، وبخاصة في شارعي وارن وشيفير، بل قال: إن “العرب أنقذوا اقتصاد شرق المدينة”، معتبرًا ذلك من أهم الإيجابيات التي شهدها الحي.
توني الذي يسكن – كما سبقت الإشارة – في حي مسجد السلام، الذي بُنيَ قريبا قال: إن المسجد أسهم في ازدهار الحي عقاريًّا، وارتفاع أسعار المنازل. وأشار إلى ما تشهده الشوارع المحيطة بالمسجد من ازدحام مروري، وبخاصة يوم الجمعة، وهذا الازدحام – كما يقول – لا يوجد بجوار الكنيسة التي يذهب إليها. وأضاف:” إنني اتلقى دعوات، أحياناً، من المسجد لتناول العشاء”.
المجتمع والجيران
كما نوّه بميزة أخرى على صعيد حياة المجتمع في شرق المدينة متمثلة في علاقة السكان ببعضهم، وما تتميز به علاقة الجيران هنا، مشيدًا بتميز علاقة اليمنيين الأميركيين بجيرانهم، إذ أنهم يتمتعون بسمات خاصة تميزهم عن الجاليات الأخرى في هذا الجانب.. موضحًا: “الجيران يهتمون بي، ويطمئنون عليّ، أنا وزوجتي كل يوم، كما يتعامل معنا الأطفال في الحي باعتبارنا أجدادهم”.
وهو يستعيد شريطًاً من الذكريات لحياته هنا في هذا الحي، ينوه توني بحادثة سرقة منزله قبل أربع سنوات.. «كنتُ، حينها، مع زوجتي خارج المدينة.. لقد سرق اللصوص كل الممتلكات الثمينة من ذهب ومال…وكان الجيران متعاونين معنا، حيث عرضوا علينا تقديم مال، وشكرناهم على ذلك”.
ونوه بخصوصية جيرانه اليمنيين، مشيرًا إلى جار يمنيّ اسمه (علي) يتفقده باستمرار في كل مساء، “وهذا السلوك لم نعتد عليه من الآخرين من قبل”، يقول توني.
النظافة والأمن
وأشار إلى أن الحالة الأمنية في المدينة تبقى جيدة، لكنه أعرب عن امتعاضه من تكرار مشاهدته للأطفال يقطعون الطرقات دون ولي أمر أو مرشد، معتبرًا أن ذلك يعرضهم للخطر.
كما انتقد توني ما ظهر في الحي من سلبيات، وفي مقدمتها إهمال بعض السكان تنظيف محيط منازلهم كتقطيع الحشائش.
يقول توني: شرق المدينة يحتاج إلى مزيد من اهتمام سلطات المدينة بما يؤدي إلى تحسين بيئة الحي، وذلك من خلال الضغط على أصحاب المنازل لمضاعفة الاهتمام بنظافة محيطها الخارجي.
“شرق المدينة كان في السابق أفضل من غربها، بينما الآن غربها أفضل، خاصة وأن بعض الناس هنا لا يهتمون بقطع الحشائش أمام وخلف المنازل، وهذه إشكالية نتمنى أن تقوم سلطات المدينة بالضغط على السكان للإسهام في تجاوزها” – يضيف.
التسوق
يرتبط توني بعلاقة خاصة بالتسوق، حيث يُفضل ارتياد مطعم (رومينا فليج) – جنوب المدينة، ويعتبره من أفضل المطاعم هناك.. كما يفضل التسوق في محلات المدنية والمصطفى وبابيا من أجل شراء احتياجاته الغذائية الطازجة.. ولا ينسى أن يسرد بحسّ فكاهي حكايته مع الحلاق، “تعطيني زوجتي كل ثلاثة أشهر عشرة دولار للذهاب إلى الحلاق لقص شعري الذي صار ينمو ببطء” – ضاحكًا..!
تعليقات