Accessibility links

وإن سقط عمدًا.. 26 سبتمبر ثورة عصية على الحذف أو التحريف


إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*

إنها باختصار ذاكرة لا تقبل أي تحريف أو تجريف، لم يكن سبتمبر قبل السادس والعشرين من العام 1962 إلا شهرًا مثل سائر الشهور، لكنه منذ اللحظة والتاريخ ولد ليسمو على كل الشهور وكل الأيام، لأنه ميلاد شعب وبداية حياة وما قبلها لم تكن حياة.

ليس الصبر والتنازل شيكًا على بياض، ولم يدم استبدادٌ أو ظلمٌ، هذه حقائق التاريخ والجغرافيا، ويومًا ما يتحول الصبر والتنازل إلى سيلٍ عرم على المستبد لا يبقي ولا يذر. 

ليس الاحتفاء بذكرى السادس والعشرين من سبتمبر من قبيل التغني بالماضي، أو حلاوة الروح، كما ليست من قبيل “المحانكة” بمفهومها الطفولي في لهجاتنا المحلية، إنه بمثابة التزود بالطاقة الملهمة لانطلاقة قادمة لا شك فيها.

حول هذا اليوم كان وسيظل الإجماع: أنه يومنا، انتماؤنا، منطلقُنا، ولحظة انعتاقنا، ولن تفلح محاولات تشويهه، وإسقاطه، وكل إنجاز وتحوّل في حياة اليمنيين يحسب رصيدًا للسادس والعشرين من سبتمبر، وكل قصورٍ، أو انحراف عن المسار محسوب على أشخاص منهم من رحل ومنهم من سيرحل، ويبقى هذا اليوم ناصعًا مشرًقا حد وصف البردوني في أبياته: 

أضأنا المدى قبل أن تستشف

رؤى الفجر أخيلة الكوكب

فولّى زمان كعرض البغي

وأشرق عهد كقلب النبّي

طلعنا ندلّي الضحى ذات يوم

ونهتف: يا شمس لا تغربي.

لقد عرفنا قيمتك يا سبتمبر! إنك باختصار محطة الوقود التي نتزود منها لننهض من جديد، أنت البوصلة التي تعيدنا إلى المسار الصحيح للحياة حاضرًا ومستقبلًا، نَحياك وتحْيَانا، ونُحييك وتُحيينا، وما الثورة إن لم تكن 26 سبتمبر؟ فبعد هذا اليوم المجيد عرفنا المدرسة والطريق والمستشفى، وقبلها الحرية والكرامة والعزة، وأن نكون مواطنين بعد أن كنا رعايا يحاصرنا الجهل، والخرافة، والاستبداد، فكيف لا تكون أنت اللحظة الفارقة في حياتنا، اللحظة التي وضعت حدًّا لتاريخ من الظلم والإذلال، وما نحن إلا ثمار من ثمارك يا سبتمبر.

تصف أكاديمية يمنية في كلية الطب بجامعة صنعاء حال اليمنيين عند قيام الثورة المباركة بوصف جسّد الوضع، كما جسّد فداحة ما جنته الإمامة على اليمن واليمنيين من عزلة وفقر وإفقار، وجهل ومرض تقول: تسلمتنا الجمهورية من الحكم الإمامي “حفاة عراة” وهناك من يريد إعادتنا لتلك اللحظة وتلك الحال، لكن هذا بكل المعايير مستحيل مهما كانت المؤشرات الحالية فهي الطارئ والعارض الذي لن يدوم.   

لم تكن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 خيارًا من عدة خيارات أمام الشعب، بل كانت الخيار الوحيد للتخلّص من حال الاستعصاء، والانسداد التاريخي، والتوقف عن ركب الإنسانية، فقد قطع النظام الإمامي كل الطرق نحو التغيير أو التجديد أو التطوير، ولم يكن من الثورة بد، فكانت إرادة شعب قادها رجال صدقوا وآمنوا بالثورة كحتمية للتغيير.

سقطت عمدًا!

تداول الناس في مواقع التواصل والعديد من المواقع الإخبارية قائمة بالمناسبات الاحتفالية الدينية منها والوطنية، وفيها مجموعة من المناسبات العائلية والطائفية منها ذكرى مولد، ومنها ذكرى وفاة، ومن غير المنطقي أن تكون ضمن مناسبات ينبغي أن يحتفي بها الجميع، ليست هذه الملاحظة الرئيسية على هذه القائمة العجيبة، الملاحظة الرئيسية كانت سقوط يوم 26 سبتمبر من قائمة المناسبات الوطنية، ومن الواضح أنه إسقاط متعمد لكنه ليس أكثر من إسقاط على ورقة، لأن السادس والعشرين من سبتمبر محفور في الذاكرة والوجدان والعقل الجمعي لليمنيين، وفي أنصع صفحات التاريخ.

في إحدى يوميات صحيفة الثورة للدكتور عبدالعزيز المقالح – رحمة الله تغشاه – والتي أعيد نشرها على حسابه على الفيس بوك يشير إلى ما أسماه “ضعف الانتماء إلى الثورة” ويتذكر في هذا السياق حديث استمع إليه من الشاعر الفرنسي “جورج سترو” وهو واحدٌ من شعراء فرنسا الكبار الذين شاركوا في “ملتقى الشعر العربي الفرنسي” الذي انعقد في صنعاء 1989م، ومما جاء في ذلك الحديث إشارة الشاعر الفرنسي الكبير إلى أنه “تلميذ للثورة الفرنسية” التي كان قد مضى على قيامها أكثر من قرنين، ولكنها ما تزال بأهدافها مرجعًا وأداة لتصحيح كل انحراف، ويتساءل الدكتور عبدالعزيز المقالح: أين نحن من هذا الشعور الجامع والدافع للتواصل والاتساق الدائم بين الأمس واليوم؟ وهكذا هي الشعوب الحية وهكذا هم أبناؤها الذين لا يتنكرون للتضحيات ولا يخونون تاريخهم أو يعملون على زعزعة ثقة الأجيال في المعالم الرئيسية لهذا التاريخ، وما يتسبب عن ذلك الصنيع من إحباط وشعور بالاغتراب، وإلى هنا ينتهي كلام الدكتور المقالح، وإنه لوقت مناسب تمامًا لنقول لمفكرنا وشاعرنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح لتطمئن روحك ولتقر عينًا، فها هو الانتماء في أزهى صوره اعترافًا وامتنانًا، فرحة وثقة في قلب كل يمني حر، وفي هذا التوقيت الذي نشهد الإجماع، إجماع اليمنيين على أن هذا اليوم كان وسيظل مفتتح المستقبل وبداية الحياة والحرية والكرامة للشعب اليمني، وإن سقط من قائمة المناسبات عمدًا فقد استيقظ في كل قلب وروح لحظة جامعة هي مرجعيتنا وبوصلتنا، وسبتمبر مجيد إلى الأبد.

* كاتبة وأكاديمية يمنية

   
 
إعلان

تعليقات