“اليمني الأميركي” – متابعات:
هل يقترب الاقتصاد الأميركي من الوقوع في براثن حالة ركود “خطير”؟ وفقًا لآخر استطلاع أجرته مجلة إيكونوميست بالتعاون مع مؤسسة يوغوف البحثية، فإن ثلاثة من كل خمسة أميركيين يقولون إن الولايات المتحدة تعاني من أزمة ركود.
ناقش موقع (بي بي سي عربي) ذلك في تقرير لمراسلته في نيويورك، ميشيل فلوري، التي تساءلت: في حال كان ذلك صحيحًا لماذا لا يعلن عن ذلك بشكل رسمي؟
وحسب التقرير، فقد أدى ارتفاع التضخم – أعلى معدل منذ الثمانينيات من القرن الماضي – إلى سوء الحالة المزاجية للكثيرين، وأصبح بعض الأميركيين يعتمدون على سياراتهم الخاصة بمعدل أقل لتوفير البنزين، ويتخلون عن المنتجات العضوية باهظة الثمن، ويبحثون عن صفقات لتوفير بضعة دولارات.
هناك المزيد من الأخبار السيئة حسب فلوري، إذ يتباطأ سوق الإسكان الذي كان مزدهرًا في يوم من الأيام، وهو ما يجعل الأسهم في شركات العقارات أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
كما تلقى مؤشر ستاندارد آند بورز 500 (الذي يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أميركية) ضربة قوية، إذ انخفض بنسبة 19% لهذا العام، وهو ما أدى إلى خسارة المستثمرين لتريليونات الدولارات.
لكن، حسب التقرير، قد يكون هذا مجرد تراجع في الجو العام فقط، إذ تظل الهيئة الرسمية المسؤولة عن الإعلان عن مثل هذه التفاصيل صامتة بشأن هذه القضية.
ما هو الركود على أيّ حال؟
في الاقتصاد المتنامي، يصبح مواطنو أيّ دولة أكثر ثراء في المتوسط مع زيادة قيمة السلع والخدمات التي ينتجونها (الناتج المحلي الإجمالي).
لكن في بعض الأحيان تنخفض هذه القيمة، وعادة ما يشار إلى أن هناك ركودًا عندما يحدث ذلك لفترتين مدة كل منهما ثلاثة أشهر، على التوالي.
وعادة ما تكون هذه، وفقًا لفلوري، علامة على أن الاقتصاد يسير بشكل سيئ، ويمكن أن تعني على المدى القصير أن الشركات تسرّح المزيد من العمال.
فهل الولايات المتحدة في حالة ركود؟
انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي خلال ربعين متتاليين، 1.6% خلال الربع الأول من عام 2022، و0.6% في الربع التالي.. يعد هذا ركودًا في معظم البلدان، وليس في الولايات المتحدة فقط.
أما الجهة المسؤولة عن الإعلان بشكل رسمي عن وجود ركود في البلاد، فهي لجنة تحديد موعد دورة الأعمال، وهي مجموعة غير معروفة نسبيًّا، تضم ثمانية خبراء اقتصاديين يختارهم المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو هيئة غير ربحية.. وحتى الآن، ترفض اللجنة الإشارة إلى وجود حالة من الركود.
هل يتجه الاقتصاد الأميركي نحو ركود “بشع”؟
يلجأ البنك المركزي الأميركي، الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى رفع أسعار الفائدة من أجل خفض الأسعار، وتتمثل الفكرة في أنه كلما كان اقتراض المال أكثر تكلفة، أنفق الناس أقل وادخروا أكثر.
سيؤدي هذا الانخفاض في طلب المستهلكين إلى خفض أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت بشكل كبير، لكن الأمر يستغرق بعض الوقت.
وعلى الرغم من انخفاض أسعار البنزين مؤخرًا، استمرت أسعار المواد الغذائية والإيجارات في الارتفاع، وهو ما وضع البنك المركزي الأميركي في موقف حرج.
وحسب التقرير، فمن المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي قصير الأجل بمقدار ثلاثة أرباع نقطة للمرة الثالثة على التوالي في اجتماعه الأخير، على أمل تسريع وتيرة انخفاض الأسعار، ومن شأن هذا الارتفاع الكبير أن يرفع سعر الفائدة القياسي، الذي يؤثر على العديد من القروض الاستهلاكية والتجارية، إلى ما يتراوح بين 3 و3.25%، وهو أعلى مستوى منذ 14 عامًا.
ويكمن الخطر، حسب ميشيل فلوري، في أن ذلك قد يؤدي إلى خنق النمو الاقتصادي والتسبب في ارتفاع معدل البطالة، وهو خطر يغذي مخاوف الركود الحالي.
“ركود طويل وبشع”؟
يرى البعض أن الانكماش الاقتصادي أمر لا مفر منه.. وقال وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سمرز، مؤخرًا: «لم تمر أبدًا لحظة كان فيها التضخم أعلى من 4% والبطالة أقل من 4%، ولم نشهد ركودًا في غضون عامين».
ويتفق الخبير الاقتصادي نورييل روبيني، الذي توقع انهيار عام 2008، مع هذا الرأي.. ويتوقع ركودًا “طويلاً وخطيرًا”، أو بشعًا بحسب وصفه، يمكن أن يستمر حتى عام 2023.
على الرغم من التحذيرات الشديدة، يعتقد كثيرون أن “الهبوط السلس” (مصطلح مستعار من الطيران عندما تهبط الطائرة بسلاسة وأمان)، الذي يعني: تباطؤ اقتصادي معتدل، بدلاً عن الركود الكامل، لا يزال ممكنًا.. وفي مثل هذا السيناريو قد نرى نموًّا أبطأ بدون الاضطرابات المرتبطة بالانكماش الكامل.
وترى فلوري إن الدافع وراء هذا التفاؤل هو سوق العمل القوي في الولايات المتحدة، في ظل إضافة 315 ألف عامل جديد في أغسطس/ آب، وهو ما يشير إلى أن الاقتصاد ليس متعثرًا، وفقًا لمحافظ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي كريستوفر والر.
وفي خطاب ألقاه مؤخرًا في فيينا، نفى والر مخاوف الركود، قائلاً: «سوق العمل القوي في الولايات المتحدة يمنحنا المرونة لنكون حازمين في معركتنا ضد التضخم».
وقال بنك الاحتياطي الفيدرالي، حسب التقرير، إنه لن يتردد في إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، طالما أن ذلك سيؤدي إلى خفض التضخم.
ومع استعداد البنك المركزي الأميركي لإظهار أنه لن يتوانى عن عزمه على خفض الأسعار، فمن غير المرجح أن تكون العملية سلسة، وإذا رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم، فقد يغرق الاقتصاد في حالة من الركود، أما إذا رفعها بمقدار ضئيل للغاية فيستمر التضخم في الارتفاع.
واعترف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، بأن الأمر معقد للغاية، قائلاً – مؤخرًا – إن الهبوط السلس “أمر صعب للغاية”.
تعليقات