فكري قاسم*
في اليابان يوصل الواحد إلى سن الثالثة عشرة من عمره وقده باشِت يخترع ساعة ويحسب لأيام عمره في الحياة بالدقيقة والثانية.
وفي بلادنا اليمن، يوصل الواحد إلى سن الثلاثين وهو والله ما هو داري كم الساعة!، ولا له علم حتى كيف تشتغل الساعة، ولا هو عارف حتى ما هي الفائدة المرجوة منها، ولا ما هي أهمية الوقت، ويجزع عمره كله وهو مسكين مشغول ليل الله مع نهاره بقيام الساعة.
في بلاد الكفار حيث للإنسان قيمة وللحياة اعتبار، يوصل المرء إلى سن الخمسين، وقد تخلّص تمامًا من كل همومه المستقبلية وقد معه بيت ومصدر دخل ثابت ومعه سيارة وحياته مستقرة ويبدأ يتفرغ من بعد ذلك لحياته الباقية ويقضيها سفر ورحلات ومتع وصحب لتعويض ما فاته من رفاهية العمر.
وفي بلادنا المصلّية على النبي الوضع غير، ويوصل الواحد مننا إلى سن الخمسين سنة وعادوه بسم الله الرحمن بادي يخطط لمستقبله من ذلحين وطلع وبادئ يشتري له دباب شيطلب به الله !
وإذا نفّه على نفسه شوية هو والجهال وخرجوا يوم رحلة فوق الدباب يتنفخ ويزعل ويشعر بأنه أسرف في مضيعة الوقت ويرجع البيت زعلان على ضمار اليوم اللي راح من عمره من دون طلبة الله !
وما فيش سؤال يضجّر باليمنيين في ما يبدو أكثر من أن تسأله كم الساعة يا خبير؟ لكن اسأله عن قيام الساعة مثلاً؟ شيتفلسف لك للصبح، وشيكلمك بطلاقة عن عوالم الغيب، وستشعر وأنت تسمعه بأنك جالس في حضرة إنسان معه مراسل في السماء ينقل له أخبار الساعة مباشرة أول بأول من مكان الحدث !
اليمني بشكل خاص على أيّ حال إنسان هامشي يعيش خارج حسبة الوقت وخارج حساب الزمن وخارج خطوط المستقبل، وعمره اللي يمشي هو في حسابه الخاص مش أكثر من رصة سنين متراكمة في حصالة عمر تالف ورتيب يقضيه سنة بعد أخرى بانتظار حظوظه الجيدة في الحياة الآخرة !
ومالوش دخل أبدًا بالحاضر، ولا له أيّ علاقة بحياة الساعة المعاشة على وجه الأرض، وقمة الإحباط لما تسأل واحد:
– أيش تعمل هذي الأيام يا فلان؟
وتسمعه يقولك بلا إحساس بالزمن:
– والله ولا شيء.. مراعين للموت !
* كاتب يمني ساخر.
تعليقات