لم تهب الكتابة كل نذورها وقرابينها بعد
للقاصة اليمنية “مها صلاح ” نص متجاوز في رؤيته ولغته، وكذا سرديته، التي على تدفقها الشعري الرومانسي الطفولي، تُحلّق حكاياتها في سماوات الألم لتعيد قراءة الحزن والحُلم بصوت إنساني تجاوز (أنا الكاتبة)، كما تجاوز تقنيات القص التقليدي؛ لتأتينا الكاتبة ممعنة في التجديد، منتصرة لذاتها..
صنعاء – “اليمني الأميريكي” – أحمد الأغبري
أنا الكاتبة
* في نصوصك لم تعد ذات الكاتبة هي المفتاح الأوحد للكتابة وموضوعاتها، وإنْ كان صوت الأنثى لم يخفت، إلا أنك حرصتِ على تحجيم “أنا الكاتبة” المتضخمة على حساب تمثّل صوت إنساني أكثر منه نسويًّا..؟
– ليس تنصلاً من الكتابة بصوت نسوي، فأنا مؤمنة جدّاً بضرورة الكتابة بصوت نسوى جديد ومختلف يقدّم رؤية للكون والأشياء من زاوية الأنثى.. الأنثى التي ما تزال غارقة في وجدان الحكي الشفاهي، أو الكتابة من زاوية الرجل، والتي ما تزال مكتفية بمراقبة المشهد، والاقتراب الخجول بوعي كثيرًا ما يكون ملتبسًا بوعي الرجل.. البعد الإنساني ،كما ذكرت، كان حاضرًا – تمامًا – في المجموعة الأولى، وطاغيًا على تفاصيلها.. وعلى الرغم من أنني مؤمنة بهذا، فأنا أكتب بعفوية، وصدقني أن هذه الأشياء لم تحضرني قبل الكتابة، ولم أخطط لها، أي أنني لم أتعمد الكتابة بوعي إنساني، كأولئك الذين يشتغلون على كتابة تستطيع أن تقود القارئ إلى مناطق محددة، وإن شاء الله أشتغل على هذا الجانب في المستقبل.
* على الرغم من تناولك تعقيدات الحياة، إلا أن المزاج الطفولي لم يفارق رؤيتك وسرديتك، التي جاءت مفعمة بهذا المزاج.. كيف استطعت المحافظة على هذه الروح الطفولية، ولماذا لم تستثمريها في الكتابة للأطفال؟
– نعم؛ فالمزاج الطفولي في المجموعة هو طابع غلب على جزء كبير من نصوص المجموعة، لكنه جعل من الممكن للسرد فيها أنْ يطرح ألغازًا و أسئلة مفتوحة لا تُقدّم إجابات ولا اقتراحات، ولكنها تترك الفضاء لقارئ ما في زمن ما أن يعود إلى مكان كالحارة، الملعب الترابي، السور الحديدي (الزنك)، إلى الشعور بوخز أول حقنة في الجلد، وإلى استقبال أول صدمة فقدان.. وربما أعزو هذه الروح إلى طفولتي التي عشتها فقد كانت طفولة ثرية.. أما ما يتعلق باستثمار هذه الروح في الكتابة للأطفال؛ فأنا كتبتُ للأطفال، ونشرتُ في عدد من المجلات، ونُشر لي إصدار مشترك في تونس في العام 2008م، وأتمنى أن أستمر وأطور هذه التجربة..
الشعرية العالية
* إلى تلك الروح الطفولية تأتي قصصك متوهجة بشعرية لم تتوقف عند حدود الإبهار بالمحسنات، بل وجدناكِ تتعاملين معها كأسلوب كتابة…؟
– أعشق الشعر بكل كياني، ومعظم صديقاتي وأصدقائي شعراء، ولا تخلو حقيبتي – غالبًا – من ديوان شعر أحمله معي أينما ذهبت، ولهذا ربما أتت بعض القصص أو النصوص مشبعة بروح الشعر وموسيقاه.. وفي رأيي: الشعرية العالية تخدم النص السردي، وتزيد ثراء لغته، شريطة أن تكون متناغمة مع النص، غير مقحمة عليه.
* اشتغالك على اللغة يطرح أكثر من تساؤل حول ما تحقق لنصوصك منها، وعلامَ اعتمدتِ في تطوير أسلوبك؟
– الاشتغال على اللغة لا يزال عفويًّا وفطريًّا حتى اللحظة، الكتابة فعل حياة وتجدُّد، لكنني – حتى الآن – لم أُعطها ما تستحقه من الجهد والعمل، لم أهبها كل نذوري و قرابيني بعد..
* وإلى أيّ مدى يُمثّل تطوير تجربتك القصصية همًّا تشتغلين عليه من خلال قراءات مفتوحة ومتابعات متواصلة لنتاجات هذا الفن والتجريب في أدوات عدة تكفل لتجربتك التطور، وتُمثّل خصوصيتها المتجاوزة يمنيًّا وعربيًّا..
– أولاً.. لا أنكر أنني في فترة من حياتي انكفأت على نفسي، وانقطع تواصلي مع المشهد، وعندما تجاوزتُ تلك المرحلة عدتُ وأنا فاقدة الثقة، وكنتُ أشعر أن دماغي أكلها الصدأ، إلا أن القراءة أعادت إليَّ ثقتي بنفسي سريعًا.. كانت القراءة متعتي اليومية التي استأنفتُ من خلالها الكتابة، فشعرتُ أن القراءة أعادت لعقلي وهجه، بينما مكنتني الكتابة من إعادة بناء وترميم الذات وانفتاح الرؤية على آفاق جديدة ووعي مختلف إلى أن صارت الكتابة لديً همًّا أشتغل عليه، وهو ما تطورَت معه أدواتي، ولم تنطفئ نيران الرغبة في التجاوز والتميز؛ فشكرًا للكتابة، وألف شكر للقراءة.
المسكون والممنوع
* أجدكِ في نصوصكِ كأنكِ تحرصين على الابتعاد عن تناول المسكوت والممنوع اجتماعيًّا ونسويًّا ودينيًّا وسياسيًّا.. كيف تنظرين إلى أهمية تجاوز الكاتبة تلك (التابوهات)، والإسهام في حلحلة تعقيداتها..؟
– ربما كان للمسكوت عنه مساحة في مجموعتي الأولى، لكن في جزء من النص فسحة للقارئ لاكتشافها والغوص فيها.. أعتقد أن لكل منا (تابو) معيّنًا يخشى الاقتراب منه، سواء أكان (تابو) دينيًّا، أو جنسيًّا، أو سياسيًّا، أو غير ذلك، لكن تجاوز التابو في النصوص الإبداعية سواء أكانت لكاتب أو كاتبة بشكل موظف وجميل في رأيي يزيد من جودة النص.. ما أجمل أن تقول كل شيء دون أن تقول شيئًا.
تعليقات