بلقيس محمد علوان*
– من قال إن عدد حلقات المسلسل يجب أن تكون ثلاثين حلقة؟
مأزق الثلاثين حلقة الذي وضع صُناع الدراما اليمنية أنفسهم فيه ليتم عرضه خلال شهر رمضان جعلهم يفقدون السيطرة على إيقاع المسلسل والتحكم في تصاعد الأحداث وهندسة التشويق على مدى حلقات المسلسل، ومن الملاحظ أن كثيرًا من المسلسلات المصرية والخليجية قد تحررت من ورطة الثلاثين حلقة طالما والقصة لا تحتمل المط والتطويل، وكل المحاولات في تطويل الحوار وتوسيعه تؤدي نتيجة عكسية وسلبية، فالحوار من أهم عناصر العمل الدرامي، من وظائفه تطوير الشخصيات وإظهار أفكارها ومشاعرها، كما يساعد على تقديم المعلومات والأحداث بطريقة سلسة ومنظمة، ويدفع الأحداث إلى الأمام في تصاعد درامي مشوق، حيث يقف من الأحداث موقف المفسِّر والمختصِر والمتنبئ، فضلاً عن دوره في إظهار عملية تبادل الأفكار بين الشخصيات، وأي حوار يخرج عن هذه المهام يصبح حوارًا لا داعي له، ويثقل العمل، ولا بد من التخفف منه، وما يقال عن تطويل الحوار يقال عن تطويل الأحداث، وكثير من المسلسلات التي اعتمدت هذه الطريقة لتقديم مسلسلات من عشرات الحلقات، انصرف عنها المشاهدون تدريجيًّا، والقليل منها حظيت بمتابعة إلى النهاية، وبشكل عام يمكن القول: إن تحديد حلقات المسلسل يجب أن يتم على أساس السيناريو والحبكة والموضوع الذي يتناوله المسلسل، حيث يتم تقسيم الأحداث إلى حلقات متتالية تعرض في كل حلقة جزءًا من الأحداث والتطورات التي تحدث في القصة، بما يحقق التوازن والتشويق المستمر، وليست كل القصص والسيناريوهات تصلح لمسلسل كثير الحلقات، وما يقال عن عدد الحلقات يقال عن فكرة مواسم المسلسل، وهي الفكرة التي يجب أن تكون ضمن خطة المسلسل من البداية، وبالتالي ليس استثمار نجاح المسلسل دافعًا كافيًا لعمل أكثر من موسم أو أكثر من جزء، كما أن الأسباب الإنتاجية والمالية ليست كافية أو مقنعة، وعلى فريق المسلسل أن يغادر انتباه المشاهد والمشاهد مرحب بهم قبل أن يغادر مسلسلَهم هو.
– من قال إن كاتب المسلسل يجب أن يكون شخصًا واحدًا؟
هناك توجه عالمي وعربي لتقديم أعمال درامية كتبها فريق عمل، أو ما يسمى بورشة سيناريو العمل، وهو توجه قدم الكثير من الأعمال الناجحة على القنوات الفضائية والمنصات الإليكترونية، وتتمثل فعالية كتابة الأعمال الدرامية من خلال فريق كتابة أو ما يسمى بورشة سيناريو في تطوير قدرات الكتاب على صياغة قصص درامية مثيرة وجذابة للجمهور، وتعد فرق العمل أو ورش الكتابة مناسبة للكتّاب المبتدئين والمحترفين على حد سواء، حيث يقوم المشاركون بإنشاء قصص درامية جديدة، أو تطوير الأفكار الموجودة، ويتضمن فريق كتابة السيناريو عادة مجموعة من الكُتَّاب والخبراء في صناعة السينما والتلفزيون، وهذا يساعد على تحسين جودة الأفكار والقصص التي يقدمها المشاركون، كما يستخدم فريق الكتابة أساليب مختلفة لإثراء خبرات المشاركين مثل إجراء جلسات نقاش وورش عمل لإطلاق العنان لإبداعاتهم، بالإضافة إلى ذلك، تساعد فعالية كتابة الأعمال الدرامية من خلال فريق كتابة أو ورشة سيناريو على تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي للمشاركين، وتزودهم بالأدوات اللازمة لصياغة قصص درامية ناجحة، وبهذه الطريقة يمكن للمشاركين في هذا الفريق أو الورشة أن يحققوا نجاحًا في صناعة السينما والتلفزيون، وأتوقع أن يحدث اعتماد ورش الكتابة وفرق الكتابة نقلة نوعية في الدراما اليمنية بشكل واضح.
– من قال إن تشويه الشخصيات شكليًّا السبيل الوحيد للكوميديا؟
سواء أكانت فكرة الكاتب أو المخرج، أو من بنات أفكار الممثل نفسه، فقد أصبحت هذه الطريقة من التراث القديم في الدراما عالميًّا وعربيًّا، وما زالت الدراما اليمنية مثقلة بهذه الشخصيات التي تثير الرفض كأقل تعبير إنْ لم أقل التقزز بسبب تشويه شكل الشخص أو ملامحه أو أسنانه أو طريقة نطقه، وتعتبر الشخصيات الكوميدية من عناصر نجاح العمل، لكنها ليست شرطًا فيه إذا لم يكن العمل كوميديا أصلًا، وأمام الكاتب العديد من التقنيات لتقديم الكوميديا في العمل، لإضفاء مزيدٍ من الجاذبية والجماهيرية للعمل مثل الغرابة، والإسقاط والتناقض، والتعقيد، والتعبيرات الجسدية، والاستخفاف، وهي تقنيات أكثر بكثير مما هو مُستخدم حاليًّا في الدراما اليمنية، وتفتح أمام الكاتب الكثير من الإمكانيات لديه ولدى الممثلين.
– من قال إن الممثل هو المسؤول عن رسم سمات الشخصية؟
يتولى الكاتب رسم الشخصية بسماتها الفيزيائية والنفسية والاجتماعية، ويقدم المخرج رؤيته وقد يضيف بعض السمات بالاتفاق مع كاتب السيناريو، ووفق السمات المرسومة ينبغي أن تتحرك الشخصية خلال العمل، ولا يحدث تغير في السمات إلا بسبب مقنع، أما الممثل فحدوده في رسم الشخصية محدودة جدًّا، وهي ميزة لا تتاح إلا لقلة من الممثلين المحترفين، وعلى الممثل أن يحترم الشخصية التي يجسدها، وأن يعبّر عنها بطريقة ملائمة وفقًا للشخصية المكتوبة، وقد يقترح بعض التغييرات أو الإضافات إلى شخصية معينة، وذلك بالتشاور مع المخرج، إلا أنه يجب عليه ألا يتجاوز حدوده وألا يغيّر جذريًّا شخصية مكتوبة بطريقة غير مناسبة، ومن ناحية أخرى يجب ألا يهدر الممثل كل إمكانياته في عمل واحد، وهي ملاحظة ظهرت من عدة شخصيات في أكثر من مسلسل يمني في الموسم الرمضاني 2023، وعلى سبيل المثال شخصية غريب في “دكان جميلة”، حاول فيها الممثل أن يطلق العنان لإمكانياته ويستعرض مهاراته بأكثر مما تستدعيه الشخصية، ولعل هذا رد فعل طبيعي للخروج من شخصية “زنبقة” التي حبس فيها لسنوات، وتبقى مسؤولية السيناريست في تقديم نماذج متباينة من الشخصيات الدرامية بين الشخصية الفكاهية أو المأزومة أو حتى الشريرة، والبائسة والمستسلمة والمركبة، بالإضافة إلى الشخصية المثالية صاحبة العمق والحضور لتقديم ملامح النموذج الجيد، وبشكل عام ينبع رسم الشخصيات انطلاقًا من الفكرة الأساسية للعمل، ولا يمكن رسم شخصية بدون أن تصبح جزءًا عضويًّا منسجمًا من الحدث الدرامي يؤثر ويتأثر به، وهذا يتطلب دراسة للإرادة الواعية في الحركة الدرامية من خلال نمو الشخصيات التي يكون رسمها منسجمًا مع الخلفية الاجتماعية التي تعيش فيها بواقعية ماديًّا ومعنويًّا، وأن يكون هنالك تمايز بين الشخصيات في أبعادها وتكوينها كما هو في الحياة، وهذا ما يجعل السيناريست يختار شخصياته لكي تجسد قصته في أن يرسم لها ملامحها سلبًا أو إيجابًا في دائرة علاقات تكون كل شخصية فيها لها ما يقابلها في الحياة العامة الواقعية ليضع كل شخصية في موقعها المناسب من الصراع.
– من قال إن الموهبة تغني عن الدراسة والتدريب؟
لا يمكن أن تخلق الموهبة لوحدها ممثلاً محترفًا وإنْ كانت الموهبة في غاية الأهمية، لكنها يمكن أن تكون كافية لممارسة الهوايات، أما الاحتراف فأمر آخر، أن تكون محترفًا في مجالك هذا يتطلب أدوات ومهارات وتقنيات لا يمنحها لك إلا الدراسة والتعلّم والتدريب، ولا يمكن للموهبة في التمثيل أن تغني عن الدراسة والتدريب، فالتمثيل هو فن يحتاج إلى مهارات وتقنيات معينة، ولا يمكن تطويرها بشكل كامل إلا من خلال الدراسة والتدريب المستمر، بالإضافة إلى ذلك فإن الدراسة والتدريب يساعدان على تحسين قدرات الممثل في التعبير عن الشخصية التي يجسدها وفهم دوره بشكل أفضل، كما يساعدان على تطوير مهارات التواصل والعلاقات الإنسانية التي تساعده في العمل، وما يقال عن التمثيل يقال عن الكتابة والتأليف والإخراج والتصوير وتصميم الأزياء والديكور، والإضاءة، وكل الأعمال التي بمجملها تمثل فريق الإنتاج لأيّ عمل درامي، وفوق التعليم والتدريب لا بد من قدر كافٍ من الثقافة، فلا يمكن لكاتب أن يرسم شخصية مركّبة، أو ممثل يجسّد تلك الشخصية دون أن يكون لديه ثقافة واسعة في علم النفس، والأمر نفسه في الجوانب القانونية والعلمية والطبية والمهنية ما دامت جزءًا من مضمون العمل، أوفي تركيب شخصياته.
– من قال إن مُشاهد اليوم يقبل أيّ منتج؟
مشاهد اليوم يختلف تمامًا عن مُشاهد الأمس، فقد أصبح راشدًا بما يكفي ليحكم ويقرر ما يشاهد، وفي الوقت نفسه لديه المئات والآلاف من الخيارات، كما أصبح مزاج المشاهد انتقائيًّا وناقدًا بشكل كبير، والمشاهدة عملية تفاعلية بين الفرد والمحتوى الذي يشاهده، وقد تغيرت العديد من العوامل التي تؤثر على اهتمامات وتفضيلات الجمهور، وبالتالي فإن هذا التغير قد أثر على متطلبات الجمهور، وعلى سبيل المثال ساهمت التكنولوجيا بدور كبير في تغيير اهتمامات الجمهور، حيث أصبح بإمكان المشاهدين مشاهدة المسلسلات عبر منصات البث المختلفة، كما أن التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية أثرت على اهتمامات الجمهور بالأعمال الفنية، ولذا يزدهر نوع معين من الأعمال في فترة معينة ويتلاشى في فترة أخرى، ومن الواضح تأثير المشهد اليمني وإسقاطاته على المحتوى الذي تضمنته مسلسلات العام الحالي والأعوام السابقة، وفي ظل تعدد الخيارات أمام الجمهور لا بد من تنوع ما يقدم له ليكون ضمن خياراته، ونقطة القوة الوحيدة التي ترفع مشاهدات المسلسلات اليمنية من قِبل الجمهور اليمني هو تعطش الجمهور اليمني لدراما يمنية.
– من قال إن النقد استعراض عضلات وتصفية حسابات؟
فرق كبير بين النقد واستعراض العضلات، بين النقد وتصفية الحسابات، فبمجرد بدء الحلقات الأولى من المسلسلات اليمنية انهال العشرات والمئات علينا بالتعليق بين النقد ووجهة النظر وتصفية الحسابات، والتطبيل أيضًا، وبلا شك كان الوقت مبكرًا جدًّا لتقديم رؤى أو مراجعات حولها، ولا نختلف على أهمية النقد لفريق العمل بالدرجة الأولى، لكن المطلوب هو النقد العلمي المهني، فالنقد العلمي للأعمال الدرامية يتمحور حول تحليل وتقييم العناصر الفنية والتقنية المستخدمة في العمل الدرامي، مثل السيناريو، التصوير، التمثيل، والحوار الموسيقي، وغيرها بهدف تقديم تحليل موضوعي للأعمال الدرامية وتحديد نقاط قوتها وضعفها، أما وجهات النظر فهي تشير إلى المواقف والآراء التي يتبناها المشاهد أو المثقف حول مضامين أو رسائل أعمال درامية مختلفة، فبينما يستخدم النُّقاد العلميون المعايير المحددة لتحليل جودة وإبداعية عمل درامي، فإن وجهات النظر تُستخدم لإظهار كيف يؤثر على المشاهدين أو على ثقافة المجتمع بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، فإن النقاد العلميين يستخدمون مصطلحات فنية وتقنية متخصصة، في حين أن وجهات النظر تستخدم لغة عامة وشائعة للتعبير عن الآراء والمواقف، أما تصفية الحسابات، أو التطبيل فلا هما وجهة نظر، ولا هما نقد، ومن السهل جدًّا تمييزهما.
وبالنسبة لما تقدم فقد حاولت وضع بعض التساؤلات في حضرة الدراما اليمنية، أعتقد أن إجاباتها يمكن أن تفتح مجالات واعدة أمام صنّاع الدراما اليمنية وأبطالها، وتسعد مشاهديها المتعطشين لدراما يمنية تُمثّلهم، يبحثون فيها عن أنفسهم وقضاياهم وأوجاعهم وآمالهم.
* أكاديمية وكاتبة يمنية.
تعليقات