من أكثر النقاد العرب الذين أثروا الإبداع اليمني دراسة وبحثًا العراقيان وجدان الصائغ وصبري مسلم.. من ذمار إلى ميشيغن
صنعاء – “ اليمني الأميركي”:
تُعد تجربة كلّ من الناقدين العراقيين الدكتورة وجدان الصائغ والدكتور صبري مسلم من أهم التجارب النقدية التي أثْرت المشهد الثقافي في اليمن خلال فترة عمليهما في جامعة ذمار/ وسط اليمن لنحو عشر سنوات تقريبًا، حيث اصدرا عددًا من الكتب النقدية في تجارب ابداعية يمنية وأسهما في تحريك المياه الراكدة من خلال مشاركتهما في تنظيم فعاليات ومهرجانات ثقافية في جامعة ذمار حتى هجرتهما للولايات المتحدة الأميركية حيث يقيمان ويعملان في ولاية ميشيغن.. في هذا التقرير يتحدث كل منهما عن تجربته الثقافية في اليمن وأميركا:
تقول الدكتورة وجدان الصائغ إنها وجدت في اليمن، ومدينة ذمار، «الوطن والملاذ الآمن للأديب العربي في زمن محنته، لذلك وقتئذ ازدحمت الجامعات اليمنية المختلفة بالأساتذة العرب الفارين من القهر السياسي.. واليمن كانت الصدر الرحب والحضن الدافئ الذي بدد بحنوّه غيوم الغربة.. وقد حصد الأدباء الأساتذة العرب الترحاب من زملائهم وطلبتهم وكل التقدير لجرحهم السياسي وغربتهم المكانية، فضلاً عن القائمين على إدارة الجامعات.. كما وجدتُ اليمن فردوسًا أرضيًّا يزخر بالطيبة والجمال الباذخ حيث زرقة البحر وجبروت الجبال، وتتحرك تلك الجبال لتتلفع بالخضرة الباذخة الألق والملفعة ببياض الغيم.
وأشارت إلى أن المشهد الثقافي اليمني “لم يكن بمعزل عن هذه الطبيعة الخلابة حيث التناغم الأنيق بين الأجيال الإبداعية، إذ لا تنازع على الريادة، ولا معارك مفتعلة تشغل الأديب اليمني، وجدتُ التفاف الجيل الجديد من المبدعين احترامًا وتقديرًا حول أهم رواد الإبداع اليمني مثل الشاعر إبراهيم الحضراني والشاعر والمسرحي محمد الشرفي، وأطال الله في عمره الشاعر والناقد عبد العزيز المقالح، ومثل ذلك ينسحب على التفاف الأدباء الشباب في ذمار حول الروائي محمد الغربي عمران.
وأكدت الصائغ أن المشهد الإبداعي اليمني “مشهد مترع بالعنفوان والدهشة والابتكار،وتختلف أصواته الإبداعية بقدر ما تتناغم في أفق الألق، وليس أدل على ذلك من كوكبة من الأسماء اللامعة – التي عايشناها أنا وزوجي الدكتور صبري مسلم خلال مدة إقامتنا الذمارية أستاذين في جامعتها – في المجال السردي مثل علي المقري ووجدي الأهدل ونبيلة الزبير ونادية كوكباني وهدى العطاس وأروى عبده عثمان ومنى باشراحيل، وغيرهم كثير.. وعلى صعيد القصيدة بأنماطها المتنوعة مثل حسن الشرفي ومحمد عبدالسلام منصور وابتسام المتوكل، علوان الجيلاني، جميل مفرح، محمد القعود، نادية مرعي، هدى ابلان، عبدالحفيظ النهاري، عبدالسلام الكبسي وعلي ربيع ومحمد حسين هيثم، وغيرهم كثيرون.. وليس هذا فحسب، بل تجد المؤسسات والملتقيات الثقافية.. علاوة على المقايل الثقافية (المجالس) التي هي أشبه بصالونات ثقافية يؤمها الرواد.. أضف إلى ذلك الحراك الإعلامي المتميز لنخبة من الصحفيين الذي أتقنوا حرفة الإبداع أذكر منهم أحمد الأغبري ومحمد القعود وأكرم الأسطى وعصام عبدالمغني وغيرهم.. ولا يفوتني ذكر دُور النشر”.
وكانت الدكتورة وجدان الصائغ قد أصدرت خلال فترة إقامتها في اليمن عددًا من الكتب النقدية سلّطت فيها الضوء على عدد من التجارب الإبداعية اليمنية.. تقول: «مما لا شك فيه أن كل دراسة عن المشهد اليمني تُعد إضافة نوعية لمسيرتي النقدية، وهي إضافة متأتية من طبيعة الإبداع اليمني الزاخر بالمدهش والمبتكر «..
كما أعربت عن الحزن الشديد لِما آلت إليه الأوضاع في اليمن جراء الحرب، وقالت: إنها تتابع أخبار الحرب “بكامل الألم والمرارة.. الأخبار التي لا تسر الخاطر، وتقض المضجع، وتسبل الدمع حارًّا على أرض معفّرة بتاريخ العرب، وتتم إبادة شعبها بدم بارد وسط صمت عربي مخيف وعالمي متخاذل”.
وعن بيئتها الجديدة في أميركا، حيث تقيم وتعمل حاليًّا، تقول: “أضافت لي البيئة الجديدة الكثير من التجارب النقدية والتقنيات في مجال الكتابة.. لمستُ عن كثب معنى أن تكون كاتبًا هنا بحقوق مكفولة.. تعرفتُ على نخبة من الكتاب الشغوفين بالثقافة العربية معظمهم زملائي حيث أدرّس في قسم دراسات الشرق الأوسط – جامعة ميشيغن.. كما تعرّفت على مبدعين مهمومين بالكتابة، وأذكر منهم الشاعر توماس زيمارمن، الذي أصدرت بالاشتراك معه هذا العام كتابًا نقديًّا، بعنوان: «برقع وأحمر شفاه» – دراسات عن ثلاث كاتبات عربيات، فضلاً عن عدة دراسات.. كما قمتُ بإلقاء عدة محاضرات، آخرها الشهر الماضي في واشنطن، تُسلط الضوء على الإبداع العربي عمومًا والنسوي خصوصًا، ووجدتُ إقبالاً وولعًا من الجمهور الأميركي بالتعرف على المزيد من الأسماء الإبداعية العربية» .
صبري
من جانبه تحدث الناقد الدكتور صبري مسلم عن تجربته في اليمن قائلاً: «رعى الله أيام اليمن وأعاد لها استقرارها وأجواءها الثقافية التي عشتها ما بين (1999-2009)، كنت قد فوجئتُ في تلك المرحلة بذلك العدد الكبير من الشعراء خاصة، أذكر منهم الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح وعبد الله البردوني ومحمد عبدالسلام منصور وحسن الشرفي ومحمد حسين هيثم والشاعر والمسرحي محمد الشرفي وهدى أبلان ونبيلة الزبير، وأسماء كثيرة لشعراء شباب لا مجال لذكرهم جميعًا في هذه العجالة.. ومعظم هؤلاء الشعراء خرجوا من إطار المحلية، وعُرفوا على صعيد الوطن العربي”.
واستطرد: “أما على صعيد المشهد السردي اليمني فقد شرفت بتقديم إحدى المجموعات القصصية “حريم أعزكم الله” للقاص والروائي محمد الغربي عمران، وواكبتُ نتاجه السردي، كما احتفيتُ بنتاج ساردات يمنيات كن قد حصلن على جوائز عربية في مجال القصة القصيرة والرواية، أذكر منهن: هدى العطاس وأروى عبده عثمان والدكتورة نادية كوكباني، ولا أنسى الروائي الموهوب وجدي الأهدل، فضلاً عن الروائيين الرواد مثل زيد مطيع دماج وغيره”..
وعن تجربته النقدية في اليمن أضاف: «تربة اليمن الخصبة أنبتت – آنذاك – بحوثًا ودراسات وكتبًا، كما أوحت لي وللدكتورة وجدان – رفيقة دربي – أن تكون مادة لرسائل ماجستير ودكتوراه، وكان لنا ذلك لأنني كنتُ عميدًا لكلية الآداب آنذاك، وكانت دكتورة وجدان رئيسًا لقسم اللغة العربية، الذي كان يقيم ندوات ومؤتمرات ومهرجانات أدبية ناجحة يحضرها معظم أدباء اليمن، فضلاً عن إصدار مجلة أكاديمية هي مجلة جامعة ذمار التي اقترحتها دكتورة وجدان، وكنتُ عضوًا في هيئتها الاستشارية.
واستطرد: حين قررنا الرحيل إلى أميركا العام 2009، اختلف الأمر تمامًا وتغير كل شيء، طبيعة الحياة السريعة وتباعُد الأمكنة وطبيعة الناس، تفرض كل هذه الأمور مجتمعة نمطًا مختلفًا من العيش.. على صعيد العمل التحقتُ بكلية “واشتناو” هنا في أن آربر؛ كي أدرّس المبتدئين ممن يريدون تعلُّم اللغة العربية مقابل تدريس طلبة دراسات عليا في اليمن.. وعلى صعيد المؤتمرات والندوات كنتُ أتردد في قبول دعوات من خارج أميركا نظرًا لتكلفة بطاقة السفر، وأيضًا الساعات الطويلة التي يقضيها المسافر في الطائرة، ولكني قمتُ بإلقاء عدة محاضرات عن الإيقاع في الشعر في جامعة مشيغان، كما شاركتُ في صالونات أدبية بموضوعات مختلفة مثل صالون صاحب ذهب وصالون دجلة وسواهما.. أما طباعة الكتب العربية فإنها صعبة هنا وليس لها سوق، ولذلك لم أطبع سوى كتاب واحد طُبع لي في الشارقة، ولديّ كتابان تحت الطبع، في حين طبعتُ في اليمن ما يزيد عن تسعة كتب، منها كتابان خصصْت بهما الأدب اليمني، وهما متون يمانية وفضاءات الأدب اليمني المعاصر، ومنها أيضًا: النقد الأسطوري والنقش المسحور وأنساق الحوار في الخطاب الأدبي والسرد وهاجس الصوت الخاص وسواها.. وأما نشر المقالات فإنه لم يتأثر كثيرًا إذ أتواصل مع عدد من الصحف والمجلات العربية، كما أن أبواب صحيفة “اليمني الأميركي” الغراء مفتوحة أمامي، وصديقي وأخي الناشر رشيد النزيلي يرحب بأيّة مقالة أرسلها له.
وتابع: صحيح أنني -الآن- أعيش مرحلة رخية وسعيدة مع أسرتي هنا في أن آربر، إلا أنني أحنّ إلى تلك الأيام التي قضيتها في جامعة ذمار، وأتواصل مع كل زملائي هناك وطلبتي الذين يقود بعضهم المشهد الأكاديمي والثقافي في اليمن الآن، وأعتذر عن ذكر أسمائهم نظرًا لأنني مقيد بعدد من الكلمات تجاوزتها الآن على الرغم من حرصي على أن لا أطيل”..
تعليقات